١. أَسَاكَ سَنَاكَ الذي تُبصِرُ
وقَفرُكَ بُستانُكَ الأَخضَرُ
٢. وهذا الوُجُومُ الذي تَشتكي
صَدَى أُغنِياتِكَ لو تَشعُرُ
٣. ونَزفُكَ شَلالُكَ المُنْهَمي
ووَحشَتُكَ العالَمُ الأكبَرُ
٤. شَجَاكَ! حَنَانَيْكَ أين الشَّجا؟!
وفي وَجنَتَيكَ الرضا يُزهِرُ!
٥. ذُبُولُكَ! ويلَكَ كم تَفتري!
وعُودُكَ مِنْ مائهِ يَقطُرُ
٦. وفَقرُكَ! ويْحَكَ كمْ تَدّعي!
ووَفرُكَ في الحُبِّ لا يُحصَرُ!
***
٧. تأَمّلْ إذا شئتَ ذاكَ المَدَى
وقد عاث فيهِ الدُّجَى المُقْمِرُ
٨. وقُلْ لي أَتَلمَحُ طَيْفَ المُنَى
وأنتَ بأذيالِها تَخطِرُ؟
٩. ليالِيَ كنتَ جديدَ الصِّبا
تَحُثُّ خُطَاكَ وكَمْ تَعثُرُ
١٠. تَهِيمُ على ظَهْرِ دَرّاجَةٍ
ووَجهُكَ مِنْ لَفحِها أَعفَرُ
١١. وأَقْصَى أمانِيكَ أنْ تَنتهي
إلى قِطعَةٍ طَعْمُها سُكَّرُ
١٢. تُجَاذِبُ حُلْمَكَ في لُعْبَةٍ
وحِينَ تُجَاذِبُهُ تُكسَرُ!
١٣. وفي الليلِ تأوي إلى جَدَّةٍ
بأَحلَى حِكَايَاتِها تَهذِرُ
١٤. تُهَدْهِدُ فيكَ ولا غَفوَةٌ
وأنتَ على حِجْرِها تَسمُرُ
١٥. على أنها أَسْلَمَتْ رُوحَها
وما فَتِئتْ رُوحُها تَحضُرُ
١٦. عَرَفْتَ بها الفَقْدَ في فَقْدِها
وما كنتَ تَدْري ولا تَحذَرُ
***
١٧. وحَدِّقْ بفِكْرِكَ في مَشهَدٍ
مِنَ الطيفِ ألوانُهُ تَسحَرُ
١٨. وقُلْ لي أتَلمَحُ ذاكَ الفتَى
نَعَمْ، لا، بَلَى هُوَ ذا يَنظُرُ؟
١٩. يَمِيناً على خَدِّهِ شامَةٌ
تَلُوحُ، وعارِضُهُ مُقفِرُ
٢٠. هُوَ المُتَدَثِّرُ أَفرَاحَهُ
وعنها أَسَارِيرُهُ تُخبِرُ
٢١. ومِنْ حَوْلِهِ بَعْضُ أَترَابِهِ
يَخُصُّهُمُ بالذي يُضْمِرُ
٢٢. ويَهْذي عليهمْ بأَشعارِهِ
ولَمْ يَدْرِ يَنْظِمُ أمْ يَنْثُرُ
٢٣. وهُمْ غارقونَ بأوهامِهِ
وكُلُّهُمُ شاخِصٌ مُكْبِرُ
٢٤. ففي الحُبِّ يَدعُونَ: يا قَيْسَهُ
ويَدعُونَ في الكَرْبِ: يا عَنْتَرُ
٢٥. على أنهمْ وَدَّعُوا ماضياً
وأنتَ لِماضِيكَ تَستَحضِرُ
٢٦. عَرَفْتَ بهمْ كيفَ فِعْلُ النَّوَى
وكانَ بِبالِكَ لا يَخْطُرُ
***
٢٧. وجُلْ بخيالِكَ في صُورَةٍ
مَلامِحُها غَضَّةٌ تَبْهَرُ
٢٨. مُؤَطَّرَةٌ بسِياجِ السَّنا
وأَخفَى تَفاصِيلِها الأَظهَرُ
٢٩. وقُلْ لي أَتَلْمَحُ فيها امْرَأً
تَكادُ بَشَاشَتُهُ تَجهَرُ؟
٣٠. بِجانِبِهِ قَمَرٌ مِثْلُهُ
ولَكِنَّ هَالَتَهُ تُضْفَرُ
٣١. غَفَتْ راحَتَاهُ على كَفِّها
وحُلْمُهُما في المَدَى مُفْكِرُ
٣٢. هُما اثنَانِ يَعتَنِقَانِ الهَوَى
وهَمسُهُما فيهِ مُستَشعَرُ
٣٣. بَرِيقُ شِفاهِهِما يَنطَوي
على سِرِّهِ الحَادِثُ الأَخطَرُ
٣٤. ويُوحي تَثَاقُلُ طَرْفَيْهِما
بأنَّ رِضَابَهُما مُسْكِرُ
٣٥. على أنّها… أنّها… أنّها…
إخَالُكَ تُدرِكُ ما أَسْتُرُ
٣٦. عَرَفْتَ بها كيفَ تَبكي دَماً
ودَمعُكَ مِنْ قَبْلُ لا يَهْمِرُ
***
٣٧. أُضَاعِفُ شَجْوَكَ؟ أم أكتَفي؟
فثَمّةَ في صَفحَتي أَسْطُرُ
٣٨. تُرَاكَ تَرانيَ مُستَهزِئاً
وأنّي لِشَجْوِكَ أَستَصغِرُ؟
٣٩. أَجِبْني، أَلَمْ تَجْنِ مِمّا مَضَى
لَذائذَ كالصُّبْحِ لا تُنكَرُ؟
٤٠. ففيمَ تُطِيلُ الأسَى؟ والذي
سَعِدتَ بأفرَاحِهِ أَكثَرُ!
٤١. وها أنتَ تَختَالُ في عِيشَةٍ
تَغِيظُ القَنُوعَ وما تَشكُرُ!
٤٢. أَمَانِيكَ دَانِيَةٌ، والسُّها
يُنَاجِيكُما طَرْفُها الأَحوَرُ
٤٣. وهذانِ شِبلاكَ.. هل أَجدَبَتْ
دُنَاكَ وأُنسُهُما مُثْمِرُ؟
٤٤. وما زالَ شَعْرُكَ في عُتمَةٍ
فكيفَ إذا أَسفَرَ المُسْفِرُ؟
٤٥. تُرَى لَوْ شُجِيتَ بِصِرْفِ الأَسَى
أَكُنتَ تَحِنُّ لِمَا أَذكُرُ؟!
فواز بن عبدالعزيز اللعبون