ذلك الصباح المدرسي، الذي انتبهت فيه على (حسين) ابن اخي، وهو يقف بباب البيت، مطأطئّ رأسه، ويشيح بوجهه عن المارّة، وهو يقف ملقي بثقله كله على الحائط، وكأنّ قدماه لا تقوى على حمله.

لاحظت أنه بغير حالته الطبيعية، فسألته: ها عمو شبيك؟ فلم يجبني، فلما ألحيت عليه بالسؤال، إلتفت إليّ، وقد إرتسمت تعابير الحزن على وجهه البريء، وقد اغرورقت عيناه بدموعٍ غزيرة، قال: أستاذ كاظم بريسم توفي! فلقد شاهدت قطعة النعي السوداء معلقة على باب المدرسة، وقد مرّ على موته عدّة أيام.

بقيت صامتاً للحظات، محاولاً استرجاع ذاكرتي لأعرف من هو أستاذ كاظم! لأني اعرف كل مدرسيه في المدرسة الإعدادية التي يدرس فيها اليوم، إذ لطالما ذهبت إليها متابعاً لمستواه الدراسي، وذلك عندما يكون والده في الواجب المقدس، فلم اهتدي إلى أن احدهم اسمه بهذا الإسم.

فلما شاهد حيرتي، بادرني بالكلام: عمو هذا استاذ كاظم المعلم اللّي درسني من الصف الأول للصف السادس الابتدائي، استاذ كاظم هو اللّي خلّاني أحب المدرسة، عمو هذا المعلم اللي تعلمت منه كل شي، علمني شلون أحب نفسي، وأحب زملائي واساتذتي وأحب الناس، عمو صح أنت وبابا وبقية عمامي علمتوني الصلاة والصوم، بس هو علمنا الفقه وبعض علوم القرآن وأحكام التلاوة، عمو استاذ كاظم علمني شلون أعبر عن حبي لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله، وزرع بداخلي بذرة الاستعداد للتضحية بسبيلهم، عمو استاذ كاظم بريسم كان يقطف لنا من كل بستان من بساتين الحياة زهرة معرفة، ويوصينا ان نغرسها بصحراء عقولنا حتى تورد، وكان بمثابة الأب الناصح، والعم الحنون، واليوم حزني عليه يشبه حزني بيوم استشهد عمي (ياسين).

ضممت حسين الشاب المهذب إلى صدري، وقلت له بعد أن أعطيته منديل كي يمسح أثر الدموع من على وجهه: يا حسين إعلم أن حزنك مبرر ومُستحَق، ولك أن تبكيه وتجاهر بحزنك عليه، وتنعاه وترثيه في كل محفلٍ، وفي كل مكان وزمان، المعلم رسالته عظيمة، فكيف بمن أوصل هذه الرسالة بكل أمانة وإخلاص؟ والآن جاء دورك أن ترد الجميل له، فقال كيف؟

فقلت له: الساعة الآن الثامنة والنصف صباحاً، الدرس الأول قد بدأ، وأنت للآن لم تذهب للمدرسة بحجة حزنك على معلمك، فقال لم أفهم، فقلت له:

(خيط الإبريسم، أحسن الحرير، لا ينقطع)

صمت قليلاً، ثم ابتسم، فقال: نعم.. سأرد الجميل لمعلمي "كاظم بريسم" وسأكون أنا وأمثالي خيط الإبريسم الممتد منه نحو النجاح والتفوق، ولن أنقطع في سبيل الجد والاجتهاد، والمثابرة.

فوقفنا معاً لقراءة الفاتحة على روح كل معلم مخلص فارق صفّه وتلاميذه، ودعونا الله أن يحفظ ويسدد معلموا ومعلمات العراق.

فذهب حسين إلى مدرسته، كاظماً حزنه، ناظراً نحو أفق النجاح بعين الاستبشار والأمل.

💐كل عام والمعلم العراقي بألف خير💐

#عيد_المعلم_العراقي

#مرتضى_المياحي