بين الكتب: وياله من مكان غير مريح للغاية.

من جهة عندما أنتهي من قراءة جيدة ومثيرة فإنني فعلا لا أريد تركها بسرعة والمضي قدماً؛ أريد هضمها والجلوس حدادا على فقدها؛ أن أتلمّس رقة عالمِها، وأتفقد شخوصها.

سيكون الألم صارخا عند محاولة اهمال ما سبق، وفتح رواية أخرى، والاستشمار مجدداً وبإخلاص ذهنيا وعاطفيا.

ولكن ومع مرور الوقت، أشعر برغبة عارمة وبحنين شديد إلى الهروب نحو شغف جديدٍ وانغماس تامٍ لا يستطيعه إلا كتابٌ جيد. وعندها أتساءل: هل يا ترى سأذوق تلك اللذة التي لا تقاوم مجددا؟ هل سأعيش المتعة التي عشتها قبل أيام قليلة مضت؟! هل قراتُ كل كتاب جيد في هذه الدنيا -ياترى؟!

وهناك بلا شك في الكفّة الأخرى كتب غبية لا تستحق وقتا ولا تحدث أثرا؛ والأسوأ مطلقا تلك التي تحمل تلك الافتتاحيات الرديئة. وهناك محاولات يحاول فيها الكاتب استنساخ آخر ما قَرَأ!

وللملول والعاجز عن الالتزام هناك مقالات، وقصص، وقصائد، ورسائل، ومختارات، للمرور السريع عندما تقبل النفس. أحتفظ شخصيا بكومة سمينة منها بجوار سريري للأيام العجاف، أيام الكسل.

ويبقى ضغط القراءة مستمرا تحت وطأة ما تجب قراءته ولمّا يحدث بعد؛ أوذاك الذي كتبه الأصدقاء أو أوصوا به. ولكن هذا "الضغط" يبقى ادعاء فماذا إن لم أحبها فعلا؟!

لكن طالما أنني لمّا أبدأ بقراءةٍ ما، فأنا لم أفشل بها، ولم تفشهل هي نفسا بكل تأكيد. كل كتاب لم يقرأ يحمل في طياته احتمالا حقيقياً للتأثير؛ وبإمكانه ولاشك تغيير حياتي؛ وهذا احتمال قوي ومخيف جدا.

وكأنها حالة من الشلل تصيبني عند محاولة اختيار عنوان ما؛ هي لحظة خطرة؛ هل أغامر؟! أأذهب أتجول في المكتبة؟! أداعب غلافا هنا، وأطارد عنوانا هناك ... أأترك كتابا على أحد الرفوف قبل الوصول للمحاسب هاربةً بسرعة؟! إنها حالة الخوف المتواجدة رغم طول العلاقة مع الكتاب؛ فبرغم كل تلك الكتب التي قرأتها، يبقى الخوف والتوجس مستمرا...

- الكاتبة الأمريكية سايدي ستاين The Paris Review 2015