Image title


تحرصين على مواكبة عصرك بأحدث الملابس والحلي والأثاث، وتفاصيل السفر المرفّه، وطرق تقديم الطعام المبتكرة والمحدثة، تعيشين زمانك وحُقّ  لك ذلك، فما الذي يجعلك تعيشين زمن جدتك وأمك؟ تحرصين على أن تواكب ابنتك معايير الجيل الجديد ولاتتخلف عنها، ولاترضين أن تقارَن متطلبات ابنتك اليوم بمتطلباتك أنت عندما كنتِ  في عمرها، فالزمان مختلف، والمرونة العقلية مطلب هام، وأنتِ  بالطبع سيدة مرنة تعي اختلاف الأزمنة، ومايتطلبه ذلك من اختلاف الآليات.

جميل هذا المنظور -مع التحفظ على إطلاقه- إلا أن هذا النوع من السيدات يفاجئك كثيرا، بردة فعل معاكسة، ورؤية مغايرة عندما يتعلق الأمر بطلب العلم والمعرفة، والتثقف في شؤون الأسرة والتربية وتحديات العصر الأكثر تعقيدا، فهي ترتد عن مفاهيم الحداثة هنا بشكل مفاجيء وتطالعك بغرابة قائلة: لماذا نقرأ؟ ولماذا نتثقف تربويا؟ ولماهذه الفلسفة التي لاداعي لها؟ لدينا ما يكفي، وماضرّ أمهاتنا وجداتنا كونهن أمّيات لم يقرأن حرفا، ولم يُمسكن كتابا، ولم يسمعن لمتخصص، لقد ربيننا أفضل تربية، وخرّجن أفضل جيل!

وللرد على هذا النوع من الحديث الذي يتردد أمامي كثيرا، ولسنوات عدة، وتنسف فيه جهود المؤلفين والعلماء في مجالات عدة، ويثبط المجتمع عن الاستفادة منها،  أقول باسم الله:

أولا: من قال لك -سيدتي الكريمة- أنك تلقيت أفضل تربية وأنه يصح وصفك بأنك منتمية لـ " أفضل جيل"؟

هذه تزكية سافرة للنفس، وكأنك تقولين: أنا مثال حي للمسلم النموذجي الذي يجب أن يمتلئ المجتمع به، وبما أنني تلقيت تربيتي دون حاجة والديّ للتثقف، فسأفعل الشيء ذاته مع أبنائي، ليكونوا نسخة من أمهم العظيمة: أنا، اصدقيني القول عزيزتي: هل تؤمنين بهذا حرفيا؟ 

ثانيا: إن الزمن الذي رباك فيه والداك، لايشبه زماننا الحالي إطلاقا، كانت التربية بسيطة جدا، لم يكن أحد يشارك الوالدين والأسرة في التربية، لم يكن الطفل يتلقى قيما في المنزل، وقيما مضادّة في وسائل الإعلام، كانت بيئة التنشئة آمنة جدا، والساحة راكدة، فالصواب عند أمك هو الصواب في عين المجتمع كله، ومع ذلك، لم تكن الأجيال السابقة مثالية كما نردد، بل اختلفت التنشئة من أسرة لأخرى كما هو واضح، وقد استمرت البشرية في ذلك قرونا متطاولة، أما في عصرنا الحالي، فالأمر مختلف جدا، لايشبه الحياة الماضية البسيطة أبدا،  فرق معنوي شاسع أكبر بكثير من الفرق المادي بين بيتك وبيت جدتك، وبين طعامك وطعامها...الخ، أنتِ  مستعدة للقيام بعبء سد الفجوة المادية بين الأجيال، بمواكبة عصرك ماديا، وبذل النفس والمال والوقت والجهد بطيب نفس ثمنا لذلك، لكنك غير مستعدة للتغيير المعنوي وطلب العلم الذي تستطيعين به مجابهة تحديات عصرك، ففي هذا الجانب يسعك ماوسِع أمك وجدتك، ولا داعي للترف!!

صدقيني هذا ليس ترفا، بل ضرورة أشد إلحاحا من استخدام جوال ذكي، أو صنع طبق حلوى مبهر، أو ترتيب أثاث بيتك بما يتوافق مع متطلبات زمانك، أبناؤك يحتاجون أُمًّا قوية إيمانيا، مؤصلة عقديا، واعية بمايموج في الساحة الفكرية، قادرة على قراءة أفكارهم ومناقشتهم في ما يطرأ من شبهات وأفكار والرد عليها، يحتاجون أما تنتمي لعصرهم، وتعرف أفكارهم، وتجيب عن تساؤلاتهم بعلم غزير وفقه للواقع، لايريدون أُمًّا ترتدي قميص (بيربري)، وتتقن أدق تفاصيل الحياة المادية المرفهة،  لكنها فقيرة معنويا، تتشرب الأفكار الوافدة من شهيرات السناب دون إدراك حقيقي لما تمارسه وسائل الإعلام من تغيير مجتمعي ناعم، تعيش وسط أمواج تحديات متلاطمة ظانّة أن مركب جدتها البسيط سيقيها الغرق، إذا كنت مصرّة على ركوب قارب جدتك وعدم إبداله بسفينة قوية، فعودي بأسرتك إلى الوراء، وأبحري في نهرها الهادئ، عيشي في بيت الطين، بلاتقنية، حيث لايدخل المنزل إلا حكايا نسوة الحارة الطيبات.