حرصت المملكة على أن يكون التوسط، والاعتدال لها شرعة، ومنهاجاً، فكانت في كل شؤونها، وحتى في نوازلها تحتكم إلى وسطية المنهج، وسياسة الاعتدال، ولا تحيد عنهما مطلقاً، إذ يتجلى ذلك في قيام دستورها على الكتاب، والسنة بفهم السلف الصالح؛ باعتبار أن الوسطية، والاعتدال، هما منهج، وفطرة، ونمط حياة، ومناط خيريتها، وتاج عزها، ولا تزال لها الريادة، والسيادة ما حافظت على هذه الخاصة المهمة؛ مما جعلها منقادة، ونحن في سياق ‏هذا التأصيل لمقاصد القرآن، والسنة النبوية؛ كونهما حاكِمَيْن على كل نص سواهما.


إبراز سياسة الاعتدال الإسلامي لهذا البلد، - إضافة - إلى سماحة الإسلام، ويُسر تعاليمه، والدعوة إلى سلوك طريق وسط لا إفراط فيه، ولا تفريط، هو المنهج الذي سارت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها في عهد - الملك - عبدالعزيز - رحمه الله -، وسار عليه، واقتفى أثره من بعده أبناؤه، حيث التزموا بهذا المنهج مهما كانت الظروف، ومهما تعددت الخطوب، دون أن يكون المفهوم ما بين عام مبالغ في العمومية، وغائم يفتقد للوضوح، وإنما من خلال تبنيهم سياسة الحوار، والتفاعل مع الثقافات المختلفة، وجنوحهم إلى دعوة العالم - بأسره - إلى التعايش الحضاري الواعي، ونبذ كل أسباب الفرقة، والتعصب، ومظاهر الظلم، والاستبداد، والسعي إلى الانفتاح حول سماع الآخر، وبناء العلاقات الإنسانية، ومد جسور التواصل، والاحترام المتبادل.


إن التأكيد على المنهج الوسطي المعتدل، وإبراز سماحة الإسلام، ويُسر تعاليمه، - إضافة - إلى نبذ الغلو، والتطرف - بجميع أشكاله -، يعتبر من السمات الدينية، والحضارية التي تطمح كثير من المجتمعات إلى الظهور بها. - وعليه - فإن عرض التجربة السعودية المعتدلة؛ لتعزيزها، والإفادة منها، وما يتمتع به قادتها من الحكمة، والحصافة، والوسطية التي ميزت منهج هذه البلاد الطاهرة، يمثّله المرتكز الأساس في جميع التعاملات، والعنصر الحاضر في التوجهات السياسية، والفكرية، والثقافية، وحتى الاقتصادية، من لحظة تأسيس هذه الدولة المباركة، والمتوافق مع المحيط الذي نشأت فيه، دون أن يكون ذلك مصحوبًا بأي نوع من أنواع النزاع، والصراع غير المفيد.


تتجلّى الشواهد - يوماً بعد يوم - على ما تتمتع به المملكة من فكر نيّر، ومنهج معتدل أكسبها مكانة مرموقة بين الأمم، فالاعتدال سنة إسلامية، والتوازن في الحياة مطلوب، ومرغب فيه؛ حتى تستقيم الحياة - نفسها -. وهذا يقودني إلى تحليل مضامين كلمة عبدالجليل بن سالم - وزير الشؤون الدينية التونسية المعزول من مهامه - بعد أن اتهم السعودية، بأن: «الإرهاب تاريخيًا متخرج منا»، دون أن يعي أن الإرهاب سرطان تفشى، وكل يوم تتسع رقعته، ولم يعد محصوراً في منطقة الشرق الأوسط، بل وصل حدود العالمية، ومتناسيا - مع الأسف - جهود المملكة في تبنيها لغة الحوار بين الأديان، والثقافات، والذي يعتبر خير منهج؛ من أجل الوقوف أمام ما يواجه العالم - هذه الأيام - من نزاعات، وحروب، وسفك الدماء، وتهجير؛ لأسباب عرقية، ودينية، وطائفية، وهو مجال رحب لمن أراد الوقوف على أصله، ومضمونه.