لقد أُخذنا غير مستعدين
هذا الموضوع مبني على اقتباسات من كتاب (We Were Caught Unprepared: The 2006 Hezbollah-Israeli War بالعربية (لقد أخذنا غير مستعدين) أو (لقد تم القبض علينا غير مستعدين) ولكن أفضل مصطلح أخذنا من تأليف المؤرخ مات إم. ماثيوز Matt M. Matthews والذي يتناول الحرب ما بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006 هذا الكتاب هو نتاج توثيق معهد الدراسات القتالية التابع للجيش الأمريكي للدروس المستفادة من صراع عام 2006 في جنوب لبنان. يُستخدم هذا الكتاب وهو في الواقع أشبه بتقرير في دورة التفكير النقدي لضباط أركان الجيش الأمريكي وقادة المستقبل في كلية القيادة والأركان العام (CGSC) هذا الكتاب الذي هو على شكل تقرير كنت قد استعرضته قبل عدة سنوات وإلى الآن استغرب انه كيف لم تجر الإشارة له خلال هذه الحرب حيث إن ما ورد في الكتاب يتكرر الآن حرفيا حيث كل ما عليك فعله هو إزالة كلمة حزب الله من الكتاب ووضع حماس،
كنت قد ترجمت بضعة نصوص من هذا الكتاب رغبة في مشاركتها وذلك في أول أسبوع من الحرب الجارية الآن في غزة ولكن في الحقيقة قد تراجعت كونه لم تكن لدي قناعة بأن إسرائيل ستكرر نفس الأخطاء وستقع في نفس الحماقات وكنت أظن أن الحروب السابقة وخاصة 2006 قد كانت درسا جيدا لها, وكوني دائما أؤمن بصوت العقل والمنطق وابعد ما أكون عن العواطف المدفوعة بأي اعتقادات أيديولوجية أو غيرها وحساباتي دائما قائمة على الربح والخسارة وبالأحرى حساب الخسارة قبل الربح, بسبب كل لذلك كتبت هذا التقرير الا أنني لم يغلبني الظن بواقعية ما كتبته.
وفي الحقيقة من متابعتي لما يجري على ساحة مواقع التواصل والقنوات الإخبارية كنت أظن أن الكلام من قبيل أن الجيش الإسرائيلي لديه إحساسًا بالتفوق على الجيوش العربية في المنطقة على أساس افتراض أن العرب كانوا يُعتبرون متأخرين تكنلوجياً وتنظيمياً هو كلام بروغاباندا أبعد ما تكون عن أرض الواقع وكنت أرى أن دولة لديها صادرات تقدر ب 50 مليارا من التكنلوجيا الفائقة ستكون بعقلية فائقة أيضاً لن تقع في هذا الفخ (عقدة التفوق), و على اعتبار من الجيش الإسرائيلي كان يعتبر الجيش الأكثر تقدماً في الشرق الأوسط (على الصعيد التكنلوجيا والتسليح) ، كنت أرى أنه من قبيل الملازمة أن يكون لديهم من التدريب النفسي والتفكير العقلاني والعقيدة القتالية السليمة ما يلازم هذا التفوق لكن تبين لي لاحقاً أنه ليس فقط إسرائيل تقبع في وسط الفخ ولكنها انغمست فيه مما ظهر جلياً في مستوى التدريب والقدرات للوحدات المنتشرة على غلاف غزة وبالتالي أرى ان الجيش الإسرائيلي يشعر بالرعب حينما أدرك أن حماس ليست مجرد مجموعة من المقاتلين بلا أي تنظيم، بل على العكس، إنهم مجموعة متخصصة قوية مدربة على مستوى عال من التنظيم.
""في حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله قامت ردة الفعل الإسرائيلية على حزب بالله بالاعتقاد بأنه بعد القصف الجوي لمدة شهرين او ثلاثة سينهار حزب الله، ومع ذلك تبين انهم مخطئين تماما!!.""
ما مدى سهولة هزيمة حركة مقاومة في حرب عصابات ؟
إذا كانت إسرائيل تسعى لتدمير حركة حماس، يتوجب عليها إجراء غزو بري جديد وشامل في قطاع غزة، ولا أقصد بذلك ما يجري الآن من توغل محدود في شمالي القطاع، وهذا يعني تحمل الكثير من التكاليف بالنسبة للقوات الإسرائيلية، في حين أن إسرائيل فضلت بوضوح القوة الجوية في صراع عام 2006، حيث أنه لم يكن لدى إسرائيل أي استعداد لتحمل خسائر في صفوف الجيش والتي كان من المؤكد حدوثها في أي غزو بري تم التخطيط له منذ البداية حيث أشار الكاتب الى ذلك صراحة في تقريره:
""كان الأداء الباهت للجيش الإسرائيلي في الحرب بين حزب الله وإسرائيل عام 2006 نتيجة لعوامل متعددة. أدت ثقة [رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي] الثابتة في القوة الجوية، إلى جانب ازدرائه للحرب البرية، إلى زيادة قوة سلاح الجو الإسرائيلي على حساب القوات البرية."
حماس تمتلك عدة صواريخ وأسلحة وقنابل وقاذفات وقناصات وهذا ما نعلمه فقط، بالإضافة الى أنهم يستطيعون الوصول إلى المدن الإسرائيلية بالصواريخ وتدمير الدبابات الإسرائيلية بقذائف الياسين 105, نعم بالطبع، تمتلك إسرائيل تكنولوجيا عسكرية فائقة، ولكن عندما تواجه مقاومة منظمة في حرب عصابات تمتلك ترسانة قوية من الأسلحة المؤثرة يكون الوضع تحديًا. بالطبع، يمكن لإسرائيل أن تستمر في قتل المزيد من مقاتلي حماس يجب ان نكون عقلانيين في حساباتنا، ولكن بأي تكلفة يجب أن يتحملها الجيش الإسرائيلي للاستمرار في هذا الغزو البري؟ وإذا تسببت هذه العملية في قتل المزيد والمزيد من المدنيين، فسيؤدي ذلك إلى تزايد الاحتجاجات من جميع أنحاء العالم. إنها ليست مجرد لعبة كمبيوتر حيث يمكن لإسرائيل الاستمرار في إطلاق النار على الناس وتحقيق نقاط فقط، فمع وصول عدد الشهداء في غزة الى 11000 شهيد نرى حرفيا جميع شعوب العالم قد انقلبت على إسرائيل فإلى متى قد يتحمل قادة هذه الشعوب معاداة رغبات شعوبهم؟
وهذا ناهيك عن ما يطلق عليه "الشعب الإسرائيلي" الى متى سيصبر على نتنياهو المتهم في عدة قضايا فساد بالإضافة الى احتمالية انفجار الجبهة الشمالية في أي وقت وزد على ذلك أن لغاية الآن الحرب لم تؤد الى الهدف الرئيسي لها وهو وقف الرشقات الصاروخية تجاه المستوطنات وتل ابيب وتحرير الأسرى.
اسقاط الواقع على الكتاب
"ولم تتمكن الحملة الجوية من تدمير صواريخ الكاتيوشا (التي تسقط على شمال إسرائيل بمعدل حوالي 100 صاروخ يومياً)، ومن المؤكد أن الغارات الأرضية المقترحة لن يكون لها تأثير يذكر" ص43
"وهذا اقتباس آخر لأحد الضباط الإسرائيليين المذهولين "لم يكن هذا منطقياً على الإطلاق. إما أن تقوم بتمشيط الأرض وتحتل منطقة إطلاق الصواريخ بأكملها، أو لا تفعل ذلك، ولكن ليس هناك أي معنى للغارات الجوية على الإطلاق. لم يوقفوا الصواريخ، ومع ذلك يمكن أن يُقتل الجنود. إنها مخاطرة بلا مكافأة." أخذنا غير مستعدين ص 43
وهذا ما نراه الآن في غزة حيث في ظل الاشتباكات الدائرة في شمال غزة لا زالت اليوم فصائل المقاومة تستهدف تل ابيب ومستوطنات غلاف غزة بالمزيد من الرشقات في كل يوم تقريباً وأن قدرة الجيش الإسرائيلي على تمشيط الأرض أبعد ما تكون متاحة الآن على أرض الواقع فلا مبرر للغارات الجوية سوى قتل المدنيين واستهداف المنازل
وحتى في المناطق الشمالية المحدودة التي توغل منها الجيش الإسرائيلي ما اشبه اليوم بالأمس حيث في عام 2006 كانت القوات الخاصة الإسرائيلية محاصرة من قبل حزب الله وتحتاج إلى الإنقاذ، ويرجع ذلك إلى انخفاض معايير التدريب المعتمدة في الجيش الاسرائيلي منذ الثمانينيات. حيث لم يتوقع الجيش الإسرائيلي خوض حروب فعلية كبرى بعد عام 1973 , وهذا ما جاء في الكتاب (التقرير) المشار اليه نفسه.
اليوم نسمع عن القتلى والمصابين من الجنود الإسرائيليين في شارع النصر في غزة حيث تواجه إسرائيل صعوبة بالغة من انتشالهم حتى أن الاخبار تواردت بأن أمريكا ضغطت على حلفائها العرب لهدنة طارئة فقط من أجل سحب المصابين والجرحى من الجنود الإسرائيليين
واقتبس حرفياً من الصفحة 63 من الكتاب
"كان أداء القوات البرية للجيش الإسرائيلي غير مرض. على سبيل المثال، كشف القتال في وادي السلوقي عن فشل قادة الدبابات وأفراد الطاقم في استخدام أنظمة حجب الدخان، والافتقار إلى مهارات إطلاق النار غير المباشر، والغياب التام للكفاءة في استخدام الأسلحة المشتركة. لقد فقد جيش الدفاع الإسرائيلي العديد من هذه المهارات القتالية القابلة للتلف خلال سنوات طويلة من عمليات مكافحة التمرد ضد الفلسطينيين." أخذنا غير مستعدين ص 43
وقد تبين لي لاحقا أن المجتمع في إسرائيل كان على علم بهذه القضايا، ولم يكن ذلك سرا. تحدث أحد الجنود الإسرائيليين عن هذا الأمر مع أحد مراسلي الأخبار، حيث قال للمراسل واترجم بشكل حرفي نص المقابلة الواردة في الكتاب
"في السنوات الست الماضية حصلت على تدريب لمدة أسبوع فقط. وبعد وقت قصير من وصولنا، تلقينا أمراً بالاستيلاء على قرية شيعية قريبة. كنا نعلم أننا لم نتدرب بالشكل المناسب لهذه المهمة. قلنا لقادتنا إننا نستطيع السيطرة على القرية بقوة النيران، ولا داعي للاستيلاء عليها والقتل هباءً. ولحسن الحظ تمكنا من إقناع قائدنا. . .. على مدى السنوات الست الماضية كنا منخرطين في مهام شرطية غبية في الضفة الغربية. . .. نقاط التفتيش، ومطاردة الأطفال الفلسطينيين الذين يلقون الحجارة، وأشياء من هذا القبيل. وكانت النتيجة أننا لم نكن مستعدين لمواجهة مقاتلين حقيقيين مثل حزب الله." أخذنا غير مستعدين ص 48
فشل استخباراتي
على الرغم أنني كنت اعتقد بأن إسرائيل لديها علم مفصل عن ترسانة حماس، ولكن اثبتت لنا حماس اليوم عبر قذائف ياسين 105 أن هناك فشل ذريع في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في تقدير القدرة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية وكتائب القسام، حيث وقعت ميركافا 4 فريسة " لن أقول سهلة" لقذائف الياسين بعد عشرات السنين والمليارات من التطوير.
جاءت معركة "طوفان الأقصى" لتفاجئ الاحتلال بقوة الاستخبارات لحركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، وكشفت عن فشل تراكمي في استخبارات الجيش الإسرائيلي وهذا الأمر أبرز قدرة جهاز الاستخبارات والترسانة العسكرية لحماس، حيث تم تطويره بعيدًا عن رقابة الجيش الإسرائيلي والمراقبة الأمنية الإسرائيلية.
وبالعودة للكتاب نجد ان هذا الأمر قد تكرر تقريبا في نفس السيناريو وذلك كما أوضح أحد جنود القوات الخاصة الإسرائيلية من كتيبة ماجلان حيث جاء على لسانه حرفياً:
"أصيب جنود القوات الخاصة بالذهول من حجم إطلاق النار وعناد مقاتلي حزب الله. وقال عنصر آخر: "كنا نتوقع وجود خيمة وثلاثة بنادق كلاشينكوف" كانت تلك هي المعلومات الاستخبارية التي حصلنا عليها. وبدلاً من ذلك، وجدنا بابًا فولاذيًا هيدروليكيًا يؤدي إلى شبكة أنفاق مجهزة تجهيزًا جيدًا. بحلول صباح اليوم التالي، كانت كتيبة ماجلان محاصرة فعليًا." أخذنا غير مستعدين ص 44
"وورد من المقر الشمالي أن قائد القطاع الشمالي لجيش الدفاع الإسرائيلي، الفريق أودي آدامز، بالكاد كان يصدق أن بعض أفضل جنوده قد حوصروا بهذه السرعة" أخذنا غير مستعدين ص44
عصيان الأوامر
حتى على سبيل عصيان الأوامر نرى الأمر يتكرر ففي عام 2006 رفض بعض الجنود الإسرائيليين أن تطأ أقدامهم لبنان خوفاً من الموت حيث جاء في الكتاب
ورفض ضابط هندسة احتياطي أُمر بإخلاء طريق يؤدي إلى بنت جبيل، واشتكى رجاله من أن "10 جنود ماتوا هناك بالفعل". قام قائد اللواء باعتقال الفصيلة بأكملها ونقلها إلى السجن. أخذنا غير مستعدين ص 49
وقد رأينا عدة بوادر على هذا الأمر في العدوان على غزة حيث كان هناك اخبار عن تمرد وعصيان داخل بعض وحدات الجيش، ولكن في التكتم الشديد الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية أصبح من الصعب تسريب هذه المعلومات.
فشل آخر
وبناء على ذلك. تستطيع أن تدرك. أن حرب اليوم. لن تختلف كثيرا عن حرب عام 2006. حيث إنه. مع أنظمة حزب الله الدفاعية القوية المفاجئة مثل المخابئ والقواعد المخفية مجتمعة مع تراجع قدرات إسرائيل الاستخباراتية وسوء فهمها للوضع سيفشل الجيش الإسرائيلي لا محالة في تحقيق هدفه المتمثل في هزيمة حماس بشكل حاسم في المعركة وإذلاله. وهذا باعتراف ضباط الجيش الإسرائيلي. حيث ورد. على لسان. الضابط الإسرائيلي رون تيرا:
"لقد فشلت إسرائيل على المستويات الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية. ولم تنجح إسرائيل في إحداث قطع الرأس، أو الشلل، أو العمى، أو أي تأثير آخر يلحق ضرراً كبيراً بإرادة أو أداء مستوى القيادة والسيطرة في المنظمة. كما أنها لم تنجح في قمع الفعالية العملياتية لمجموعات حزب الله القتالية وتشكيلاته الصاروخية الخفيفة أرض-أرض. وفي نهاية المطاف، لم تخل إسرائيل بتوازن نظام حزب الله، ولم تخلق شعوراً بالعجز والضيق، ولم تدفع المنظمة نحو انهيار معرفي استراتيجي وتوجه لإنهاء الحرب فوراً بشروط إسرائيل." أخذنا غير مستعدين ص61
وهذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه جيش الدفاع الإسرائيلي والجيش الأمريكي، بأن الحرب كانت انتصاراً لحزب الله وأن إسرائيل فشلت في تحقيق كل هدف من أهدافها. وشكل صريح ألقى الجيش الأمريكي في تقريره الوارد في هذا الكتاب اللوم على الجنود الإسرائيليين من حيث المهارة والتدريب وأشار ضمنيًا إلى وجود عقدة التفوق لدى جنود الجيش الإسرائيلي.
لا ينبغي التقليل من قدرات حركة حماس، حيث أظهروا قدرتهم على تنفيذ هجمات والمشاركة في صراعات مع إسرائيل، ولكن لنكن عقلانيين تعد المواجهة المباشرة ضد إسرائيل، سواءً من قبل جيش رسمي أو جماعة مقاومة، مهمة صعبة ومعقدة نظرًا لتفوق الجيش الإسرائيلي الذي يمتلك تقنيات متقدمة وقوة جوية، إلى جانب تدريب وتجهيز متميز، ونظام دفاع صاروخي فعّال حيث تجدر الإشارة الى نقطتين لصالح الجيش الاسرائيلي
1. القوة العسكرية الإسرائيلية: إسرائيل تحتل مكانة بارزة بفضل جيشها القوي المجهز بالأسلحة الحديثة والتكنولوجيا المتطورة والقدرات الاستخباراتية والدعم الغربي اللامحدود.
2. تأثير على المدنيين: الصراع يمكن أن يسفر عن خسائر كبيرة بين المدنيين، خاصةً في ظل تواجد حماس في أكثر بقاعة كثافة سكانية في العالم فمع 11000 شهيد الى الآن لا يستطيع المرء التنبؤ بعدد الضحايا المدنيين اللذين سيسقطون غي هذا العدوان وهذا يشكل ضغطا على المقاومة على عكس إسرائيل حيث أن خسائرها من المدنيين قد توقفت من السابع من اكتوبر
في النهاية، يظل من التحدي توقع نتائج هذا الصراع صعبًا، ويعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك قرارات جميع الأطراف. الدبلوماسية الدولية تسعى جاهدة لتجنب تصعيد الصراعات بما أن تداول الضربات قد يكون له تأثير كارثي على جميع الأطراف المعنية.