من المُسلّمات طبعاً أن المجتمع كلما إتجه نحو الثقافة ومواردها، فإن لذلك التوجه مردود إيجابي وطيب، وله نتائج مثمرة على مستوى الفرد والمجتمع.

هذا ما لاحظته فيسبوكياً في گروب (دعوة للقراءة – للعراقيين فقط)، فالقائمين على هذا المشروع هدفهم رفع نسبة القرّاء، وخفض نسبة الجهل، وطرح كل ما ينفع الشباب، من توفير الكتب إلكترونياً وورقياً، وتعريفهم بالكتّاب وعقد لقاءات أسبوعية، والتعاون سمتهم البارزة، اتمنى لهم التوفيق والنجاح خدمةً للعراق و للشباب العراقي.

من هذا النقطة الايجابية، اود الانتقال إلى نقطة سلبية افرزها واقع القراءة والكتابة هذه الايام. فأود أن أشير إلى أن الكثير من الكتابات على مواقع التواصل الإجتماعي وفي الصحف الورقية والإلكترونية، تحوي كثيراً من المصطلحات الفلسفية التي رغم قِدَم نشأة معظمها، إلا أنها لم تنتشر في عالمنا العربي سوى في وقتنا الحالي، بسبب ما يحدث في منطقتنا من إنفتاح واتجاه للمطالعة، إضافة إلى الصراعات والثورات، التي جعلت الكثير يتجه لحلول للأزمات عبر الفلسفة.

وللأسف فإن معظم هذه الكتابات تكون مليئة بالغموض والألفاظ المُعقدة – دون أن يذكر الكاتب معناها – وإستخدام مُفرِط للمصطلحات الفلسفية دون حاجة، مثل "براجماتيّة .. بنيوية .. شيفونية .. برجوازية .. طوباوية .. نوستالجيا، كما فعلته أنا في مقال سابق أسميته بهذا المصطلح"

مما يجعل هذه الكتابات مثل الوجبة الثقيلة على المعدة والدسمة صعبة الهضم.

يقع بعض أصحاب هذه الكتابات في خطأ كبير، إذ يظنون أنهم بذلك ينشرون الثقافة في المجتمع، و يُشجّعون الناس على القراءة، والتبحُّر في العلوم و الفلسفة، لكن ما لا يعلمه هؤلاء أنهم بذلك يُبعِدون الناس أكثر عن القراءة، ويُبَغّضون الفلسفة إلى الناس، فضلاً عن أن النزر اليسير منهم "كما آمل" يقصد تعقيد كتاباته حتى يظهر أمام الناس بمظهر المثقف العميق.

بعض الكتاب يقولون: نحن نستخدم هذه المصطلحات أثناء الكتابة لانها تختصر الكثير من الكلام، وهذا شيء صحي، لكن لابد أن يعلموا أن المقال يقع بيد الجميع، والهدف الوصول إلى الجميع سواء أكانوا اكاديميين او كسبة بسطاء، فلا نريد ان نتعبهم بالبحث عبر موقع "ويكيبيديا" عن معنى هذه المصطلحات، يكفي أن نضع أشارة بجانب الكلمة تشير إلى هامش اسفل المقال لتبيان معنى هذا المصطلح.

وإذا ألقينا نظرة سريعة على أسلوب كلام أي عظيم من العظماء، سنجده على العكس من ذلك، يتميز بالبساطة والايجاز والاختصار، دون إخلال بالمعنى.

وإليك أيها القارئ الحبيب بعض الأمثلة لتقريب المعنى، ولنا في رسول الله (صلّ الله عليه وآله) أسوة حسنة، فقد كان كلامه بسيطاً واضحاً مليئاً بالأمثلة، ومن كلماته الطاهرة التي تحتوي الأمثال:

«قال رسول الله (ص) : يا علي مثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق».

فنلاحظ البساطة في اختيار المفردات، والتي أدت الغرض المطلوب بكل سلاسة ووضوح.

كما أنه (صلّ الله عليه وآله) كان كثيراً ما يبدأ كلامه بالسؤال حتى يلفت إنتباه الناس إليه ويوقِد ذهنهم حتى يفكّروا في الإجابة مثل:

«قال رسول الله (ص): ألا أُحدّثكم عن أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم يوم القيامة الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله على منابر من نور؟ فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال (ص): هم الذين يحبّبون عباد الله إلى الله، ويحبّبون عباد الله إليّ».

وختامه علي (ع): «كثرة الكلام تبسط حواشيه، وتنقص معانيه، فلا يرى له أمد ولا ينتفع به أحد». وقال (ع) كذلك: «آفة الكلام الإطالة».

#مرتضى_المياحي