Image title


لا يخفى على أحدٍ أنّ الشعب العراقي أكثر الشعوب العربية عاطفية، و أشدها تشبثاً بالمعتقد، والموروث الدّيني و التقليدي، علاوة على أن العراقيين ثائرون بطبعهم. 

ما جعلهم على مدى ١٤ قرناً وقوداً لكل الصراعات السياسية، التي تخفّت بعناوين دينية و مذهبية، و ذلك من خلال ربط أي مطلب معيشي ، خدمي ، سياسي أو حتى إحتلالي بـ "المشيئة الإلهية". 

ومن هنا لا نستغرب الإلتفاف الشعبي غير المسبوق حول شخص السيد مقتدى الصدر "المصلح الإلهي"، 

فالسيد مقتدى الصدر و إن كان قد ورث عن والده الشهيد تياراً جماهيرياً جارفاً من فقراء العراق بفئاتهم المختلفة، لكن هذا لا يُلغي حنكته السياسية التي لا يمكن نكرانها. وذلك من خلال خطواته العجيبة المفاجئة، وإنسحاباته التكتيكية بين الفينة و الأخرى، التي تجعل كل من محبيه و مخاصميه يضربون أخماساً بأسداس! 

ومن هنا أعرج على لقب "المصلح الإلهي" الذي لم يُطلق عليه إعتباطاً، بل بشكل مدروس منه، وبالإيعاز إلى قيادييه لإستنهاض الغيرة العقائدية لدى محازبيه، وكسب ما تيسّر من جمهور أخصامه من جهة، وإضفاء الشرعية الإلهية على خطواته المماطلة التسويفية من جهة أخرى، 

دونما إعتراض أو تخاذل ممّن سار في ركب "قافلة الإصلاح". 

مُثقفوا المجتمع ونخبه من علمانيين ومدنيين، كانوا من أوائل المنظمين للتظاهرات المطلبية، وممن إلتفوا حول التيار الصدري، الذي أصبح الراعي الرسمي لهذه التظاهرات فيما بعد. 

وذلك لحاجتهم لظهر قوي يسند حراكهم، ويدعمهم حكومياً مهما كان الشرخ الايديولوجي كبيراً بين الفرقتين. طبعاً دون التغافل عن الشريحة الواسعة من الشباب المثقف النخبوي الثائر ضمن التيار ممن هُمِّشوا قيادياً ضمن البيت الصدري و سُحِقوا حكومياً من الطبقات السياسية الشيعية الحاكمة بعد عام ٢٠٠٣.

ومن هنا ندرك كيف يستمر هؤلاء ممن تُحركهم عقولهم، بالسير دون مناقشة، خلف دعوات التظاهر التي أُفرِغت من جدواها بالتقادم، والتسويف دون رفدها بخطوات أكثر نجاعة، وأشدّ إيلاماً للخصم المتشبث بكرسي الحكم بأسنانه قبل يديه. 

فهذا الشاب العراقي، الذي أمضى عقدين أو ثلاث من الزمن يُنقّب عن أحلامه الغائرة في كهوف المحسوبيات، والسرقة، والكيدية، و الظلامية، والموت المُتربِّص على طريق لقمة العيش المُغمّسة بالدّم، لم يعد أمامه ما يفقده. 

ولم يبقى له ما يربطه بوطن أثقلهُ جراحاً، سوى نور الله المُنبعث من قباب الأئمة، ومساجد الرحمة، وكنائس المحبة، و معابد التسامح. وعليه لا ضير في التظاهر، وإن كانت الوقائع أمامه تُثبت فشل ما يقوم به، لكن أملاً ببصيص النُّور الإلهي الذي غُلِّفت به هذه الإصلاحات أو التظاهرات من جهة، و قناعته الراسخة أن من يحكمه بإسم علي، و شريعة معاوية، لا يختلف كثيراً عن أشقياء التاريخ ممن عاثوا في الأرض فساداً، فلاقوا جزاء ما كانوا يصنعون من جهة أُخرى. 

واثقاً بالله ناصر المظلوم، كثقة حامل المظلة في قوم جمعهم شيوخهم لأداء صلاة الإستسقاء. 

وأخيراً.. لا تلوموا شهيداً إرتقى إلى ملكوت ربّه إن لم يُتقِن بريستيج الموت على أسوار خضرائكم.. 

بل عليكم بلعن الفقر و أسبابه، والمتاجرين به، من سياسيين مارقين إتخذوا من كراسيهم متاريس، وأطلقوا نيران جشعهم على فقير ثائر استُشهِدت أحلامه مراراً قبل أن تستشهد روحه. 

ومن مستغلين له، وصاعدين بإسمه، ومتباكين على نعشه، والفرحين بما سيكسبون من دمه، في صناديق الإقتراع القادمة. 

فطوبى لمن حمل (الأمل) سلاحاً، و سقط على مذبحه شامخاً ليكون شهيد الأمل لا شهيد الإصلاح. 

#ريم_نوفل