القتل .. مالقتل ! هو إزهاق النفس وقطع صلتها بالحياة .. وكما يكون حسيا فيمكن أن  يكون معنوياً , كقتل الأرواح ومنعها من الاستمتاع بملذات الحياة ..


وهل تتصور أيها القارئ الكريم أن من بيننا قتلة !


لاقتلة دم ! إنما قتلة مشاعر وأمل ؛ يمتهنون قتل الأرواح ؛ ويقطعون الطريق دون تحقق الطموح والأفراح .. لاتتعجب فهؤلاء القتلة يأتونك بصورة معلم أحمقِ ؛ وأب جاهل , وأخ كظاظ , لايبالون بما يقولون ؛ ولايعوون مايفعلون .. فكم من معلم أطلق رصاصة جارحة أصابت قلبَ طالبٍ فقتلت إبداعه , وكم من أب بتر بشفرته مواهب ابنه .. ألا تعد أمثال هذه العبارات رصاصات جارحات قاتلات ( أنت غبي ! أنت لاتفهم ) وهلم جرا ..

أحدهم يتحدث وهو يغالب الحزن ويتحسّب على معلمه الذي تسبب في نحر طموحه ونفوره من مدرسته , حيث تلقى صفعة على وجهه أمام التلاميذ على شيء تافه , فكان ذلك الموقف حجر عثرة في تعليمه و مسيرته  .. وآخر يقول لازالت سخرية أبي مني في صغري تسري في حياتي سريان السم في الدم , فكلما طرقت بابًا للعلم بدت لي سياط نقده ولاحت لي ذكريات استهتاره وقوله بأن أخي فلان أفضل مني ..

ألا أيها المتماوتون على إماتة الإبداع في نفوس المبدعيــن , إرحلوا بعيداً قاتلكم الله .. وكفّو نصالكم وأغمدوا حماقات ألسنتكم ؛ فكم تعرقلت مسيرة العلم والإبداع بسببكم , وكم تهاوت عروش السمو والطموح بأفعالكم وكلماتكم ..

أين أنتم ! أين أنتم من خُلاّق الإبداع ؛ وصناع التميز ؛ ممن ينفخون روح الموهبة فيمن حولهم ..

ومن سبرَ السيرة ونظر فيها بعين البصيرة تجلت له عناية سيد الخليقة عليه الصلاة والسلام في ذلك ..

فلم يكن ابن عباس رضي الله عنه حبر للأمة إلا بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم فقّه في الديـن وعلمه التأويل ) وعبدالله بن عمر رضي الله عنه لم يترك قيام الليل بعد أن رأى رؤيا فقصها عليه فقال عليه الصلاة والسلام ( نعم العبد عبدالله لو كان يقوم من الليل ) ..

 وهذا الإمام البخاري ذكر ثلاثة أسباب لتأليف سِفره المشهور (صحيح البخاري) أشهرها أنه كان في حلقة إسحاق بن راهويه وأن اسحاق قال محفزا طلابه لجمع الحديث الصحيح: ( لو أن أحدكم يجمع كتابا فيما صح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم) ..جملة واحدة قالها إسحاق فوقعت في نفس البخاري فصنف ذلك الكتاب الذي انتشر في الآفاق.

وكذلك ذكرَ الإمام الذهبي .. إمام زمانه حفظا ، وذهب عصره معنى ولفظا ، أن سبب طلبه لعلم الحديث كلمة واحدة .. شحذت همته وملأت قلبه وعقله، كلمة سمعها من معلمه الإمام البرزالي، قال الذهبي : لما رأى الإمام البِرزالي خطي قال لي مستحسنا : إن خطك هذا يشبه خط المحدثين . فحبب الله لي علم الحديث .. أرأيتم كيف أحدثت هذه الكلمات من تغييرات , لم لايستغل الناشئة بتحفيزهم وتطوير ذواتهم  ..

إن من شر القتلِ قتل السمو في النفوس , ونحر الإبداع من الأفئدة ..


والسلام .