بسم الله الرحمن الرحيم

شعرت دائما ان هذا الطريق لا ينتمي الى هذا المكان ، و أن المباني الضخمة الممتدة على اطرافه ، مقحمة في جغرافية المكان ، و مشوهة لتاريخه . 

لم أفكر يوما في دخوله ؛  كانت العلب الاسمنتية الضخمة على جانبه تثير اشمئزازي ؛ كنت اتخيلها وحوشا كاسرة تفترس بلا رحمة ، أراضينا الجميلة ، فتخلع الاشجار ، و تزرع مكانها أعمدة اسمنتية عملاقة و شاحبة 

لكنني دخلت ذلك الطريق يوما ، مكرها ، كان طويلا و عريضا ، و كان مرتفعا ، لا يزال الجو هناك نقيا ، بعض الاشجار لا تزال هناك ، هل كنت مخطئا عندما كرهت الطريق ؟ جاء الجواب بسرعة :

كان الجواب انعطافة حادة نحو اليسار قبل نهاية الطريق بقليل  ، تشعرك الطريق الخبيثة بأنها طويلة ، ممتدة ، فاذا بها قصيرة ذات نهاية خطرة ، انحرفنا يسارا مع الطريق، أصبح المشهد أكثر وضوحا ، و لكنه كان - كالحقائق - صادما :

كانت بقية المباني الضخمة تمتد على يسارنا ، و أمامها تماما ، كانت بعض المباني الصغيرة الفقيرة، مزروعة هنا و هناك ، بين ما تبقى من الاراضي الزراعية ! .

نزلنا و سرنا في طريق ضيقة طينية ، صوب المباني الفقيرة ، كانت بعض البيوت الصغيرة مسقوفة بألواح معدنية ، الواح تخزن الحرارة في الصيف ، و تمتص البرودة في الشتاء ، و ترحب ثقوبها الكثيرة الكبيرة ، بمياه المطر ، و ببعض الزواحف و الحشرات  ا! .

أما سكان هذه البيوت فهم (كساة عراة ) ! يلبسون - صغارا و كبارا - ما تيسر من رث الثياب ،  و لكن كبارهم يتفوقون على صغارهم في ميدان البؤس ، فقد كستهم سنين المعاناة اجسادا أنهكتها الأمراض . 

أما ما ارعبني أكثر ،  فهو تعبيرات وجوهم ، و نظرات عيونهم المتناقضة  ، كتناقض المباني بعد المنعطف ، نظرات فيها حزن و غضب  ، يأس و امل ، و لكنها بالتأكيد ، نظرات تحمل عتابا : عتابا لاخوانهم البشر ؛ شعرت أنهم يسألونني  : 

لماذا تعيشون هناك ، و نعيش هنا ؟ لماذا تلبسون و نعرى ؟ تشبعون و نجوع ، تتعافون و نمرض ، تسعدون و نشقى ... تعيشون و نموت ! لماذا ؟ .

خرجنا ، و تركناهم وراءنا .

و أمامنا ، كانت المباني المتوحشة .

ركبنا ، و سرنا ، و عند نهاية الطريق ، كانت نهاية البنايات الضخمة ، و البنايات الفقيرة  . و حتى تكتمل التناقضات ، كان هناك بناء يشيد ، و في قلب الواجهة الأمامية الضخمة ، غرس حجر ضخم ، و كتب عليه بخطوط فخمة اسم باني المسجد ! . 

و كأن الطريق الخبيثة اللعينة المضلة ،  تعلن مع نهايتها :

ان الناس اصناف ثلاثة :

صنف فقير  فقرا مهلكا ، و هذا صنف لا نصيب له في جنة الدنيا ، و غالبا ، لا نصيب له في جنة الآخرة ، فمن هذا الصنف يخرج الى الدنيا المتسولون و اللصوص و القتلة !.

و صنف متوسط الحال ، ينال شيئا من حظوظ الدنيا ، و ربما ينال شيئا من نعيم الآخرة ان تداركته رحمة ربه .

و صنف ثالث ، له الدنيا و الآخرة حتما ، فهو  عليم بجمع المال ، و هو  ، و ان ارتكب بعض المعاصي  ، مغفور له ، لأنه عليم بجمع الحسنات أيضا  ، و أي احسان أكبر ، و أكثر ، من بناء المساجد ؟! .