برنامج طبخ ممل جداً على قناة " المجد " بتلفاز خشبي يملئه الملل أكثر مني .. وفي آخر الغرفة المظلمة التي تحتضن أربعة سرائر في قسم التنويم بالمستشفى كنت أحاول النوم لينتهي هذا الملل .. لم أكن أشكوا من أي علّة صحية .. كنت فتى ب  ١٦ تقريبا .. تم دعس ساقي من قبل شفر كلاسيكي مُعتق بإحكام .. وكان كسراً بليغاً جداً .. وكانت هذه المرة الأولى التي يرتبط فيها اسمي بقسم الطوارئ .. تم نقلي لقسم التنويم .. وحدي بغرفة كبيرة مفعمة بالظلام .. وبالغرفة المقابلة شخص مع عدة أشخاص وكان يأّن بشكلٍ يدعوا للخوف .. كان أنين رجل .. ولم أسمع بأنين الرجل من قبل ، وإن لم تسمع أنين الرجال فهو الضعف والوهن الذي يجرح الأرض ويمزّق كل القوى .. بعد ذلك تبيّن لي أن هذا الرجل بمنتصف الثلاثينات من عمره .. وكان يبكي أحيانا ويبدوا أن الذين معه بالغرفة قد ألِفوا بكائه .. كل ليلة ينادي " يا فلانة .. يا فلانة .. " وربّما اسم زوجته أو امه لا أعلم المهم تأتي الممرضة وتسأله مالذي تريده ؟ .. يقول : " لم أنادي أحداً ! " .. " بطني .. بطني .. دكتور .. بطني .. آه " حفظتها عن ظهر قلب تعداد مازارتني كل ليلة .. ولكن بالصباح لم يأنسني إلا حديثهم .. خصوصا لفتى أحمق مثلي يستمع لحديث من هم أكبر منه سناً.. كان الرجل ضحوكاً جداً جداً ..حتى في بداية المساء كان أنيساً ضحوكا.. أتذكر كانت مباراة بين الهلال وهجر .. تابعتها معه .. هو ذلك الرجل الذي يملك شهية الضحك.. لا يمنعه شيء من الضحك.. ولو كان ذلك الألم الذي يفتك حتى بعقله .. بعد فترة العلاج الطبيعي كنت فعليا تخرجت من المتوسطة .. فترتي الثانوي دخلت قسم الطوارئ مرتين .. الكثير من الغرز وعدة كسور .. المعدل بدأ بالنزول .. قررت وبعد مشاورة طويلة وعبارة عن تراكمات فكرية سابقة أن اذهب للعسكرية .. توضيح نستبق فيه بعض الأشياء : يجب التفرقة بين البدوي الذي انتهى بوجود المدن .. وبين المبادئ والعرف والسلْم القبلي .. وبين المطعسة .. الأولى كما قلنا انتهت .. الثانيه اصل الشعوب والموروثات المعنوية التي يجب على الجميع احترامها .. الثالث .. هذا انا .. العلم فالراس موب بالقرطاس زي ما يقولون .. ولله في خلقه شئون .. كيف يستيقظ العدم .. وتنهض الحياة وتحملك على كتفيها لمعالم وأفكار جديدة .. السلام على ذاك العبدالرحمن الأحمق .. أصدقه القول أنني الآن بتّ تقريبا بنصف حماقته..وكيف لا أعشق نفسي وهي من أهدتني عبدالرحمن من جديد ؟