طلب منيّ مديري في الشركة أن أذهب لأحضر إحدى مستلزمات الشركة من منطقة(العتبة) في القاهرة.
و رغم أنني قد استقلت الميترو لعشرات المرات.لكن هذه المرة كانت مميزة!
لنبدأ القصة من البداية،
بعد قضاء عدة سنوات في الحزن و التشاؤم,قررت أن أصبح متفائلاً!
لم يكن قراراً بين ليلة و ضحاها.بل جاء بعد قضاء عشرات الساعات في قراءة مقالات و كتب التسويق.علم التسويق ممتع بحق! خلق حاجة المستهلك بدلاً من الاكتفاء بتلبيتها يُعتبر تحدياً ممتعاً بحق.
و مع كل قراءة كنت أشعر أنني أفوّت على نفسي فرصة ذهبية لعيش دوري الحقيقي في هذه الحياة،و لذلك قررت أن أنظر لتحديات هذه الحياة بإيجابية،و كانت رحلة المترو إحدى التطبيقات العملية.
استغرقت رحلة الميترو 4 ساعات،ما بين الخط الأول و الثاني،و الانتظار و التوقف المتكرر له.كانت بداية تلك الرحلة مع عودة الناس من أشغالها:ساعة الازدحام العظمى،حيث لا تجد مكاناً للوقوف فضلاً عن الجلوس.و تصادف أن كان الميترو الذي نلت شرف ركوبه في رحلة العودة ذو مكيّف معطل!يا للروعة..
كانت أبواب الميترو تفصل بين عالمين:عالم الأوكسجين......و عالم الاختناق بأنفاس الناس و روائح عرقهم.
شاهدت مختلف أصناف الناس:فلتك عجوز تحمل أكياساً ثقيلة،تحملها و تمرّ بين أفواج الناس بهدوء.و ذاك شاب يرتدي ملابس رثّة يحمل بضعة علب من البسكويت يحاول تسويقها باستخدام عبارات منمّقة.
كنت أنا الآخر أحمل حقيبة ثقيلة و لا أدرِ كيف أحميها من أرجل الناس.
ثم ترجلت و تنفست الصعداء.و حين ركبت الحافلة التي ستوصلني لمنزلي جلست اتأمل حياة هؤلاء.
علمت أن مشكلتي،بحقائبي و أرجلي المتعبة،و طول الطريق،و ضيق التنفس الذي أصابني..كل ذلك قد انتهى.
لكنه لم ينتهِ بالنسبة لهؤلاء،و ربما لن ينتهي قبل أن يموت أحدهم مخلّفاً خلفه آثراً لشخصٍ عانى بصمت،و مات بصمت.
نحن نرى هؤلاء يومياً،و بعضنا يدفعه حزنه لكتابة مقال كهذا.لكن بالله عليكم أخبروني:هل سيأكلون بمقالاتنا خبزاً؟