ن

طالبة ، طب الاسكندرية

مدة القراءة: دقيقتين

الرسالة ؛ الورقةالثالثة .

" ثم استقر بنا المُقام في مصر ، لم تكن تلك المرة الأولي التي زرت فيها مصر ، زرتها سائحًا مرة من قبل . أحببتها و أحببت أهلها . أهلها يحبوننا أيضًا ، يتبسمون حين نتحدث ، و نبتهج نحن حين يحاولون التحدث بلهجتنا .

و لأننا زرناها قبلا ، لجأنا إليها . و لكنّها لم تعد كما رأيتها ، تزاحمت الأجساد فيها حتى فاضت شوارعها كما تزاحمت الهموم علي أكتاف أهلها .

حين كنا في حلب ، تابعنا أخبارها منذ يناير ، ثورة و غضب ثم هدوء ثم غضب أخر ثم هدوء ثم أخر ثم ثم ثم .. حادث هنا و غرق هناك و تفجير بالجوار .

أيامٌ عجاف يتبعها رغدٌ قليل ، ثم تُعاد الكرة و تدور بها الأيام . لم تعد مصر جنةً كما كانت من قبل ، لم تكن الاختيار الأفضل و لكنه ما ارتاحت له كثير من الأنفس .

نزلنا بالقاهرة ، نحن و أسرتين من جيراننا و الفلسطينيتين . خيالي عن القاهرة كان من الأفلام و الدراما . و لكنها ليست بهذه المثالية و لكنها جميلة برغم حزنها و همومها .

وجدنا شقة صغيرة - بمساعدة بعض أهل الخير - و كذلك رفاقنا أقاموا بمكان ليس ببعيد عنّا . و ما إن استقرينا حتى أصابنا بعض ما أصاب أهل هذه البلد من الهموم .

اذكر أننا في ذلك اليوم لم نتحدث ، لم نجتمع علي الطعام كما كنا نفعل منذ أن عرفت كيف أُمسك بملعقتي . وُضع الطعام و رُفع دون أن تمتد إليه يد ، صغيرتنا رشا لم تقبل ثدي أمي أيضًا و كأنها في مهدها تدرك ما ألمّ بنا .

انفرد كل منّا إلى مكانه الذي اتخذه للنوم . لم أنم ليلتها ؛ تدافعت في رأسي الأفكار و الرؤي ، اندفعت وراءها حتى أُنهكتُ و خارت قواي و دموعي ، بكيت كما لم أبكي من قبل ، بكيت حلب و سوريا و جيراننا ، بكيت حالي و حال أمي ، بكيت عنزة جدتي التي هربت تهيم في حلب لا ندري ماذا حل بها ، بكيت تلك الدراجة التي تمنيتها منذ عشرين عامًا و لم تأتِ ، بكيت كل شئ ، كل من ماتوا و رحلوا و كل من بقي ، بكيت كل عزيز و خاسر ، كل رخيص و غالٍ ، بكيت حتى نضبت منابع الدمع فتوقفت لأصرخ !

فلم افعل ، قاومت حد الألم و لم أفعلها ، قمت من سريري هاربًا من نفسي لمخدع جدتي لعلي أَجِد عندها بعض السلوى .

لا أعلم كيف ألتمس عندها السلوى و هي صامتة و شردت عيناها منذ أن خرجنا من حلب !

هل ستريحني أم أنني سأزيد ما بها سوءًا . و لكني دخلت إليها ، وجدتها كما هي ، صامتة شاردة تقبض علي مفتاح بيتها بيديها الاثنتين . جلست الي جوارها و لم أدرِ بما حدث بعدها ، و لكنّي استيقظت صباحًا وجدت رأسي علي حجرها و يدها علي رأسي . تمامًا مثلما كنت طفلا أذهب إليها خائفًا أرتجف فتربت علي رأسي لأنام كما لم أنم من قبل ! "

ن

نورهان الصّباغ

طالبة ، طب الاسكندرية

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات