تعمل الحكومات الوطنية والقيادات الحكيمة والاحزاب السياسية النزيهة في دول العالم ؛ على حماية البلاد والمحافظة على ارواح العباد , والابتعاد قدر الامكان عن ويلات الحروب والصراعات العسكرية وحروب النيابة والوكالة والمعارك غير المتكافئة , وتتجنب كافة عوامل الاضطرابات والمؤامرات والمخططات التي تستهدف الامن المجتمعي والسلم الاهلي , وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم والحكمة والسياسة الوقائية ، وتتذرّع بالوسائل السلمية والمساعي الحميدة والحوارات والفعاليات الديبلوماسية والمعاهدات الدولية , بالإضافة الى تطوير المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء... ؛ واشاعة الاجواء الديمقراطية , ومكافحة ظواهر الجهل والتخلف والدجل والشعوذة والمحسوبية والفساد والعنصرية والطائفية ... , وتحقيق مستوى أعلى للمعيشة والرفاهية والاستقرار والازدهار ... الخ ...؛ لذلك أكد بعض الخبراء على ضرورة تقيد الحكومات بالمعايير التسعة وتطبيقها على ارض الواقع ؛ وهي المنطق، والأمن، وحقوق الإنسان، والمساءلة، والشفافية، والعدل، وتكافؤ الفرص، والتجديد، والمساواة بين الجمع ... ؛ وقد يفضي غياب بعض هذه المعايير أو كلها إلى ضعف أداء النظام أو تداعيه كليا وسقوطه .
ومما لاشك فيه ان الكلام السابق ينطبق على الحكومات الوطنية الشريفة والتكنوقراطية والتي يكون فيها الحكم للمتعلمين أو الخبراء الفنيين ؛ بحيث يكون فيها الأشخاص المهرة أو المتمرسون في مجالات خبرتهم في التكنولوجيا هم من يتحكمون في جميع عمليات صنع القرار... ؛ او الحكومات والدول التي يتزعمها الساسة الناجحون والزعماء الوطنيون والقادة النزيهون والاحزاب الوطنية الكفوءة ... الخ .
واصبح من الواضح لديكم ان الكلام – انف الذكر – لا ينطبق على الحكومات والاحزاب الفاشلة والجماعات المفككة والجاهلة ؛ و للدولة الفاشلة علامات : أولها أن تفقد السلطة المركزية القوية , و قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها أو أن تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها... ؛ وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها... ؛ وثالثها عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة ... ؛ ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية ... ؛ و تندرج الخدمات البلدية والصحية والتعليمية ضمن قائمة الخدمات الأساسية والتوزيعية. كما تندرج مستلزمات إقامة وإدامة أسس التوافق على شرعية الدولة كراعية لمصالح جميع سكان البلاد وليس مصالح فئة أو فئات معدودة منهم ... ؛ وبالمقابل لم تعد مسؤولية الدولة ولا شرعيتها محصورة خارجياً في الحصول على اعتراف الأسرة الدولية الشكلي بها... بل تتزايد مستلزمات ذلك الاعتراف الدولي كما تتزايد التحديات الخارجية والتي تتطلب موقفا قويا دوليا داعما لها ... ؛ ومع شديد الاسف عد العراق من اكثر الدول الفاشلة في العالم وفي اكثر من تصنيف دولي .
ومن البديهي ان الحكومات الفاشلة هي تلك التي تعتمد على الاداريين الفاشلين والموظفين الفاسدين وانصاف القادة والمتعلمين ... ؛ من الذين يتبؤون مواقع مهمة في الدولة والمجتمع ؛ عن طريق المحسوبيات ( الواسطات ) والانتماءات الحزبية والفئوية والطائفية والعرقية ... ؛ ومما لاشك فيه ان هؤلاء الشراذم وتلك ( الشلل ) تعمل وتتصرف وتتخذ قرارات وفقا لمصالحها الضيقة واهواءها واراءها وبغض النظر عن رأي الحكومة المركزية او النخب الوطنية او الاغلبية والامة العراقية ؛ مما يعرض امن الوطن والمواطن للأخطار والتهديدات المستمرة , ويؤدي بالعراق الى الهاوية ... ؛ لان هؤلاء ولاءاتهم خارجية اولا , ولا يمتلكون اية مؤهلات سياسية او علمية او ادارية تمكنهم من اتخاذ القرارات الوطنية الصائبة ثانيا ؛ وثالثا عدم ايمانهم بالهوية الوطنية العريقة والامة العراقية العظيمة .
لذا تراهم لا يحسنون شيئا ذي بال ؛ سوى الشعارات الطوباوية والخطب الفارغة والعبارات الهلامية ؛ والاهمال لاتباعهم وقواعدهم الجماهيرية وعدم تقديم الخدمات لهم او محاولة رفع مستواهم المعيشي والثقافي والفكري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي ... الخ , و لا يتقنون امرا سوى الخراب والدمار والصراعات الداخلية والمناكفات والمناوشات الحزبية والفئوية وخوض النزاعات المحلية والجانبية , والصراخ والتراشق والعويل الاعلامي المشوه , والحروب والمعارك التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل , والبؤس والتخلف والبيروقراطية و ( اللطلطه والطفكه والهوسه ) ؛ وهم اشبه بالظاهرة الصوتية الفارغة من كل عناصر القوة الواقعية ؛ والمشكلة انهم لا يعرفون ماذا يريدون بالضبط ؛ فكل يوم هم في شأن ؛ تارة ( اسلاموية وحدوية ) وتارة اخرى ( اسلاموية طائفية ) وثالثة ( قومية وعروبية ) ورابعة ( علمانية وليبرالية ) وخامسة ( دعاة وطنية ) ... الخ ؛ لا يثبتون على رأي , ولا يؤمنون بعقيدة وطنية اصيلة ثابتة , ولا يقدمون مصالح الوطن والشعب على من سواهما , ولا يفقهون ابجديات العمل السياسي ؛ ولا يدركون خطورة التحديات الدولية ومخاطر الانزلاق نحو المواجهات العسكرية مع القوى الكبرى من دون تحضيرات واقعية واعداد مستلزمات المعركة المتكافئة ... الخ .
وها هي السياسة الايرانية كما ترون ؛ سياسة برجماتية وواقعية وتنطلق من المصالح الايرانية الوطنية العليا ؛ ولا تسيرها العواطف الجماهيرية او الشعارات الدينية او القراءات الطوباوية والتحليلات السياسية القشرية ؛ فعلى الرغم من قوة ايران الاقليمية ونفوذها الدولي منعت الاجهزة الامنية أحمدي نجاد من السفر إلى غواتيمالا للمشاركة في مؤتمر دولي , وعللوا قرار المنع : بأنه لا توجد لإيران سفارة نشطة في غواتيمالا، ومن ناحية أخرى، ينشط الكيان الصهيوني وبعض الجماعات أيضاً في هذا البلد ...؛ و الأوضاع السياسية الهشة في غواتيمالا والتقارير عن احتمال حدوث أوضاع أمنية في هذا البلد ؛ وقالوا : إن الالتزام بالجوانب الأمنية لكلٍّ من المسؤولين الحاليين والسابقين، بغضّ النظر عن مواقفهم السياسية، هو إحدى القضايا التي تهتم بها الأجهزة الأمنية عادةً ... ؛ ورغم الانتقادات الحادة التي وجهها أحمدي نجاد إلى السلطات، فإن المرشد الإيراني الاعلى السيد علي خامنئي جدد عضويته في مجلس تشخيص مصلحة النظام، بينما استبعد الرئيس السابق حسن روحاني... ؛ وان دلت تلك الاجراءات على شيء فإنما تدل على الحنكة السياسية والمعرفة الواسعة بما يدور في العالم والاستفادة من تلك المعلومات في حفظ امن البلاد وتحقيق مصالحها ؛ والتعامل الحذر والذكي مع التحديات الداخلية والخارجية , وعدم التهور والانجرار خلف العواطف والشعارات والتصرفات الفردية لهذا السياسي او ذاك .
وقد قالت صحيفة "كيهان" ، المقربة من المرشد الاعلى السيد علي خامنئي، إن "إيران لن تخوض حربا بدلا عن أي شعب آخر"، وكتبت ايضا : "خطاب الثورة الإيرانية يقوم على صحوة الأمم وتقويتها، وهو بالطبع يدعم ويقوي كل شعب مظلوم ومضطهد لديه الإرادة في التحرر، لكنها لا تذهب إلى الحرب بدلاً من أي شعب آخر"... ؛ وكتبت الصحيفة محتفلة بما أسمته "انضمام أنصار الله إلى حزب الله" : "في الواقع فإن دخول اليمن في حرب غزة سيغير الاستراتيجيات وسيخلق نهاية مختلفة للحرب".
نعم قادة ايران وساسة النظام الاسلامي قد يدعمون الشعوب والجماعات المستضعفة والتي تريد التحرر الا ان هذا شيء , ودخول ايران للقتال نيابة عن تلك الشعوب والجماعات شيء اخر مختلف تماما , فليس من مصلحة ايران الوطنية خوض الحروب الخارجية المباشرة في الوقت الحاضر ؛ لأسباب كثيرة هم اعرف بها منا , فأهل مكة ادرى بشعابها .
وقد حذر المحلل السياسي والسفير الإيراني السابق في روسيا نعمت الله إيزدي النظام الاسلامي الإيراني من تبعات الانخراط في الحرب مع إسرائيل في ضوء التطورات الجارية في قطاع غزة ورأى أن روسيا تحاول جر إيران إلى هذه الحرب... ؛ وأوضح إيزدي : "في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن احتواء الوضع ومنع توسع دائرة الصراع، نجد موسكو في المقابل تعمل جاهدة على توسع نطاق جبهات الحرب لأنها تستفيد بشكل كبير من الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس"... ؛ وقال السفير الإيراني السابق في مقابلة مع صحيفة "ستاره صبح" إنه لا شك أن روسيا قد استفادت مما قامت به حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لكن لا يوجد حتى الآن دليل قطعي يثبت أن ما قامت به حماس هو بتحريك من روسيا... ؛ انظروا الى ذكاء السفير الايراني فقد نأى بإيران عن التصريحات النارية التي تثبت دعمها المباشر للمقاومة الاسلامية ( حماس ) في فلسطين ؛ وحذر من محاولات روسيا لدفع ايران للمواجهة العسكرية المباشرة , بل و رمى الكرة في ملعب الروس ؛ والمح الى تدخلهم المباشر في معركة غزة الاخيرة ؛ ولكن بصورة ذكية وطريقة ناعمة .
وقرأت في مواقع التواصل الاجتماعي تصريح منسوب للرئيس الايراني السابق محمود أحمدي نجاد ؛ لـ BBC : (( إذا أطلقت إيران صاروخاً على إسرائيل ، حينها ستدمر الولايات المتحدة والأوربيون مدن بلادي كلها ، لسنا مجانين في إيران ، كي نذهب إلى هذا الحد ، إنه سلاح من الماضي )) وبغض النظر عن صحة هذا التصريح الا ان واقع السياسة الايرانية وعقلية الساسة الايرانيين ولسان حالهم الواقعي ؛ يؤكد هذه الآراء والسياسات الخارجية , فإيران تتصرف بمنطق الدولة التي تعي مصلحتها القومية وتدرك حجم الاخطار الخارجية والتحديات الدولية ، لا بمنطق الثورة والانفعالات العاطفية والجماهيرية ... ؛ ولكن هذا لا يعني عدم وجود ساسة يدعون للحرب ومواجهة الصهاينة في ايران ؛ الا ان الحكمة والحنكة السياسية تبقى سيدة الموقف والقرار السياسي الايراني .
وعلى الرغم من تبني النظام الاسلامي لخطاب المقاومة ومقارعة الامريكان والصهاينة ؛ و حرص وسائل الاعلام الرسمية على تثقيف الشعب الايراني بثقافة المقاومة والممانعة ؛ الا انها في الوقت نفسه تحترم اراء بعض الايرانيين من الذين لا يؤمنون بهذه السياسة وتلك الشعارات ؛ واليكم شاهد من هذه السياسة الداخلية الحكيمة ؛ فقد هاجمت صحيفة "جمهوري إسلامي" من أسمتهم المتظاهرين بالحرص للدفاع عن النظام واعتمادهم في سبيل ذلك على طرق "غير قانونية وغطرسة وانتهاك حقوق المواطنين وسلب حرياتهم المشروعة"، مؤكدة بالقول: لا يصح انتهاك حقوق المواطنين وسلب حرياتهم بحجة الدفاع عن النظام ... ؛ فعلى الرغم من خروج المتظاهرين المؤيدين لشعارات وسياسات النظام الاسلامي ؛ شجبت تصرفاتهم الصحيفة واعتبرت افعالهم مخالفة للقانون والروح الوطنية الايرانية ؛ لانهم اعتدوا على مواطنين ايرانيين يختلفون معهم بالرأي والفكر والتوجه السياسي ... ؛ بينما تنتهج بعض الجماعات المنكوسة في العراق سياسيات مشبوهة تعمل على احتكار رأي الاغلبية والامة العراقية وفرض سياسة الامر الواقع على الشعب العراقي ؛ وخنق الاصوات الحرة , واتهام المعارضة الشريفة والوطنية بشتى التهم الجاهزة , بل واغتيال احرار الشيعة بحجة معارضتهم للحكومات العراقية واتهامهم بالتواطئ مع الجهات الخارجية زورا وكذبا ؛ ولكن هذا لا يعني خلو المعارضة من عملاء وخونة الا اننا هنا نتكلم عن الاصوات الوطنية الشريفة لا غير .
واما بخصوص سياسة حزب الله اللبنانية ؛ فهي تحذو حذو السياسة الايرانية الحكيمة ؛ فعلى الرغم من احداث غزة الاخيرة ؛ التزم السيد حسن نصر الله الصمت , ولم يكن صمته ناتج عن ضعف او لكونه عي اللسان وضعيف البيان ؛ بل انه صمت الحكيم الاريب الذي يتابع الاحداث ويقرأ مجريات الامور بعقل وتروي وفطنة , ولا يستعجل أطلاق الشعارات او التصريحات النارية او يتخذ القرارات المصيرية بصورة متهورة ؛ ولا يهتم للنقد الهدام وهجمات الاعلام والاعداء ؛ فهو واثق الخطوة , ويعرف كيف يخطط ويتلك ومتى يتكلم ومتى يصمت ؛ وكيف يحارب وبأي وقت ... ؛ لا تهزه رياح السباب والشتائم والتنمر والاستهزاء الخبيثة والطائفية والاعرابية الحاقدة , ولا تستخفه الشعارات العاطفية والمظاهرات الجماهيرية والدعوات الساذجة ؛ وبعد طول انتظار ؛ خرج السيد حسن نصر الله للجماهير وتكلم في خطابه الاخير حول احداث غزة والمقاومة الاسلامية وجرائم الصهاينة ؛ و نفى صلة ايران او حزب الله المباشرة بهجوم المقاومة الاسلامية ( حماس ) الاخير على اسرائيل ... ؛ ولم يعلن الحرب على اسرائيل ؛ فما دامت اسرائيل لا تحاول اجتياح الحدود اللبنانية او العدوان الشامل على لبنان ؛ فالسيد نصر الله ولبنان من خلفه ؛ لا تشن الحرب ؛ وهذه السياسة لا تعني الضعف بقدر ما تعي التحديات الدولية والتي كشف عن حقيقتها السيد نصر الله ؛ اذ خصص السيد نصرالله جزءاً من خطابه للولايات المتحدة ، قائلاً إن تهديدها لحزب الله بأساطيلها لن يخيفنا قائلاً : "أساطيلكم أعددنا لها عدتها أيضاً"... ؛ وطالبها بوقف الحرب على غزة قائلاً : "تستطيعون وقف العدوان على غزة لأن إسرائيل مجرد أداة، ومن يريد منع حرب إقليمية يجب أن يسارع إلى وقف هذا العدوان"... ؛ فالحرب ليست مع اسرائيل فقط بل مع امريكا والعالم الغربي كله , ومع كل هذه التحديات العسكرية الكبرى ؛ حزب الله لا زال يقاوم ويقدم الشهداء ؛ وهو مستعد لمواجهة اي عدوان اسرائيلي محتمل ؛ وطالما لقن الصهاينة دروس مؤلمة لم ولن تغيب من الذاكرة الاسرائيلية ولعل حرب 2006 من اقوى الشواهد على ذلك ؛ وقد صدم الاعداء من خطاب السيد نصر الله ؛ وبدأ الاستهزاء والتنمر والهجمات الاعلامية الكبيرة والكثيرة ومن مختلف الجهات الامريكية والصهيونية والغربية والعربية ؛ ولعل ردة فعلهم الهستيرية هذه ناتجة من خيبة امالهم وتوقعاتهم ؛ فقد كانوا يتمنون دخول حزب الله الى المعركة , وتعريضه لأكبر هجوم عسكري صهيوني وغربي متوقع وتدمير لبنان وقتل اللبنانيين , والقضاء المبرم على حزب الله وقواعده الجماهيرية , وقد صرح الاعداء والاعراب والنواصب بذلك علنا في مواقع التواصل الاجتماعي و وسائل الاعلام المختلفة , وقد خاب ظنهم وتبددت احلامهم , اذ لم ينجرف حزب الله مع العواطف والشعبوية والحماسة غير الواقعية كما انجرف جمال عبد الناصر سابقا ؛ وعرض مصر للهزيمة والانكسار والخسائر الفادحة والتي عانت منها مصر لعقود من الزمن , نعم فقد كان باستطاعة السيد نصر الله كسب ود مئات الملايين من العرب والمسلمين لو انه اقدم على هذه الخطوة غير المدروسة , الا ان السيد نصر الله لا يعير اهمية للإعلام والمعجبين والمؤيدين العاطفيين ؛ فحفظ الدماء وارواح الابرياء وسلامة لبنان والشيعة في نظره اهم من هذه الامور ؛ فهو قائد حقيقي وزعيم غيور ؛ وليس اعلاميا او سياسيا فارغا يسعى للشهرة الاعلامية والتأييد الجماهيري العاطفي كما كان يفعل المجرم التافه الفاشل صدام ... .
وكلامي السابق يعد توطئة لما اريد قوله الان , ومقدمة لهذه النتيجة ؛ اذ ارى البعض في العراق يهرول الى الحروب كالمجنون , ويحشر انفه في الشؤون الخارجية لهذا البلد او تلك الدولة على الرغم من قلة العدة والعدد وعظم المشاكل والاخطار والتحديات الداخلية ؛ وكما يقول اهلنا في العراق : (( متملطخ بدم المجاتيل )) , حتى ان البعض منهم اصبح اضحوكة للقاصي والداني ؛ اذ طلب من بعض الدول فتح حدودها البرية للوصول الى غزة ؛ علما ان هذه الدول لا تمتلك حدود برية مع غزة ؛ وهذا يدل على ان البعض لا يعرف موقع غزة على الخريطة ...!!
فليس من المنطقي والمقبول ان يختزل هذا المكون او الفصيل او تلك الجماعة قرار اعلان الحرب واحتكار قيادة الاغلبية والامة العراقية ؛ فهنالك مرجعيات دينية واحزاب وجماعات سياسية ونخب مثقفة وطنية وجماهير عراقية ومكونات اجتماعية ... الخ ؛ يجب أخذ رأيها في هذه القرارات المصيرية ؛ فالعراق ليس ملكا لاحد ؛ بل هو وطن الجميع , والاغلبية الاصيلة ليست مطية يمتطيها كل من هب ودب , واتخاذ قرار الحرب يتطلب الاعداد لها وتوفير مستلزماتها ومعرفة اهدافها , ومن المؤلم ان تتخذ هذه القرارات الصعبة من قبل بعض الحركات والجماعات التي لها تأريخ سيء ومؤلم بالتعامل مع الشهداء و ذوي الشهداء ؛ اذ لم يعطوهم حقهم ولم يكرموا ذويهم وهم الاكرم منا ؛ فالجود بالنفس أقصى غاية الجود ؛ واليكم هذه الحادثة التي تكشف حقيقة بعض القيادات المنكوسة والجاهلة ؛ فقد كانت ايران ترسل مساعدات مالية لعوائل الشهداء في العراق ومقدارها 500 دولار بما يعادل 600 الف دينار ؛ وعندما كانت تصل ( للفلاني ) يقوم بإعطاء ذوي الشهيد 115 الف فقط ان كان متزوجا و 90 الف للأعزب ؛ فأعترض عليه اثنان من ابناء الاغلبية ؛ فقال لهم بالحرف الواحد : (( اني كايلهم يستشهدون , داز عليهم ... !! )) وعندما اعترض البعض على هذه العبارة القاسية ؛ غيرها فيما بعد , وقال : (( انا اعرف بالمصلحة العامة ...!! )) ليت شعري اين المصلحة الوطنية او الدينية او الانسانية بسرقة 500 الف دينار من كل عائلة شهيد واعطاءها 100 الف فقط على الرغم من قسوة الظروف ...؟! .
ولا يفهم من كلامي هذا تثبيط الهمم , او الفرار من الزحف ؛ بل ادعو الى اتباع الحكمة وعدم الانفراد بالرأي او احتكار قرار الاغلبية والامة العراقية من قبل هذا او ذاك , والحفاظ جهد الامكان على سلامة البلاد وارواح العباد ؛ وفي نظري القاصر ارى من الضروري الاحتفاظ بكامل قواتنا المسلحة وابناءنا الغيارى وادخارهم لحماية العراق وحدوده , لان الاخطار المحدقة بالعراق كثيرة وكبيرة , فنحن نحتاج هذه الدماء الزكية لحماية العملية السياسية والتجربة الديمقراطية ؛ فلو اقدمت الدول الغربية والولايات المتحدة الامريكية والصهاينة على زعرعة استقرار العراق واسقاط التجربة الديمقراطية والرجوع الى المربع الاول حيث الدكتاتورية والجور والظلم والجوع والحرمان والبؤس والعذاب والقتل وحكم الغرباء والدخلاء ... ؛ فلا خير في الحياة ؛ وعندها كلنا نردد بصوت واحد : حي على الجهاد حي على الدفاع حي على القتال ؛ وصدق من قال :
فإمّا حياة تسرّ الصديق * * * وإمّا مماتٌ يغيظ العدى
وخير ما اختتم به مقالتي قول خوسيه مارتي : (( مجرم من يخوض حرباً يمكن تفاديها، ومجرم من لا يخوض حرباً لا يمكن تفاديها )) .