بسم الله الرحمن الرحيم

" الـغـرباء "

هناك أشخاصٌ يـُـغْـنِيكَ حديـثـُهُـم ، و لا يمكن أن تكونَ بعدَ الاستماعِ اليهم – أو القراءةِ لهم - كما كنت قبلَ الاستماعِ ، أو قبلَ القراءة :

انهم أولئك الذين يخاطبون عـقـلَكَ ، و يؤججون عواطـفَـك ، و يـسـمـونَ بروحِك ...

انهم أولئك الذين يُـرَسِّـخون في وعيكَ ، تلك المبادئ السامية التي غيبها ركامُ المصالح ، و سُـعارُ الشهوات ، انهم أولئك الذين يُذَكِّرونك بأبسطِ الحقائق ، و أوضحِ الأفكار ، تلك الحقائق و الأفكار ، التي غُـيِّـبَـت و زُيـِّـفَـت و شـوِّهَـت ، هي ، و من يروج لها ، و ما أقـلَّهم الـيـوم ... !

انهم التاريخُ المَجِـيـدُ لأمتِـنـا العربية ، مُـشـَـخَـصاً في أشخاص ، انهم أحلامُ التغيير و النهضة و التحرير ، متوقدةً في صدور مثـقـلة بالنكباتِ و النكساتِ و الخيباتِ ... و ما أكثرها ! .

انهم الحاضرونَ الـغـائِبون ؛

 تـبحث عنهم في الزحامِ فلا تكاد تراهم ، و تـنصتُ  باحثاً عن صوتهِم ، و الضجيجُ عال ، فلا تكاد تسمعُ لهم صوتا ... فتضطر أنْ تـتـقفى آثارِهِـم تـقـفياً ، و أنْ تـتلمس أخبارهم تلمساً ...

انهم الغائبون ؛

 الهاربونَ من الاضواء ، المعتكفونَ في محاريبِ العلمِ و الفكرِ و الروح ، بالكاد تـعـثـر على لقاءٍ مع أحدِهم ، أو مقابلةٍ مع آخر ، أو حتى صورةٍ أو تصريح ، بالكاد ! .

فأين أنتم أيها الغائبون ؟

 نعم أعذركم ؛ فقد ركضتم و تعثرتم ، وقمتم فأُقْــعـِـدتـُـم ، و صرختم فأُسْـكِـتـُم ... نعم ، لقد حورِبْتُم بشراسة . و لكنها سنةُ الله في المناضلينَ ماضية ، أم أنكم يـئِـسـتُم ؟ و اقـتـنعـتُـم بتلاوة قصصِ انتصاراتـنا ، و حكاية رواياتِ خـيـبـاتـنا في منتدياتكم ؟! و ما أقلها ! .

أين أنتم ؟ هل غِـبْتُم طوعاً أَمْ كـرها ؟ أم أنكم غِـبْتُم طـوعاً و كرها ؟

غـيَّـبَكُـم مالُ الــنَّـفـط ، و ارتفاعُ أصواتِ أنصافِ المُثـقـفـينَ و أشـبـاهِ المُـتَـعَـلِّـمـين ،

هل غـبـتـم أَمْ غـيَّـبَـكُـم "تـزيـيـفُ الوعي" الـمُـبَـرْمَج ؟

هل غـبتـم أم غُـيِّـبـتم ؟ غَـيَّـبَتْكُم " الثورات المضادة " ، و  المؤامراتُ المستمرة  .

أين أنتم ؟ أجيبوني بالله عليكم ، فنحن بحاجة اليكم :

أنا و جيلي ، و الثائرون المُجْهَضةُ ثورتهم في تونس و مصر ، و المنكوبون في سوريا و العراق و ليبيا و اليمن ، كـلُّـنـا ، بحاجةٍ اليكم ، الى خبرتكم ، الى تذكيرنا بذواتـنا ؛ يا ذواتـنا ؛ فأنتم نحن ، نحن التي لا نعرفها ، أنتم هويتـنا الضائعة ، أنتم أبجديتـنا ، أنتم تاريخنا ، و أســس نهضتِـنا ... فأين أنتم ؟ .

هل تصدقون - أيها الغائبون  المُغَـيَّـبون -  أننا أصبحنا بحاجة ملحة لتذكرِ الحقائق التي أملتها علينا "حركتنا التاريخِية" ، و فرضتها على أمتِـنا "معطياتُنا الجغرافية" ؟ :

  • هل تصدقون أننا أصبحنا بحاجة ملحة لنتذكر أننا أمة واحدة ، اذا اشتكى منها عضو "تداعى له سائرُ الأعضاءِ بالحمى و السهر " ؟ ؛
  • أن الاستقلال القومي منقوص ، و مهدد ، بدون الاستقلال ، و الاستقرار ، الوطني ،
  • و أن الحفاظ على استـقـلالنا الوطني ، مرهونٌ بالحفاظِ على استقلالِنا القومي ؟ ،
  • أنَّ المصري لن يبات "آمنا في سربه" اذا فزع ابن سوريا ؟  أن السعودي لن يهنأ بالراحة اذا صُعِق ابن اليمن ؟ ،
  • و أننا لن نتعافى – لا وطنيا ، و لا قوميا – و اسرائيلُ مزروعةٌ في قلبِ الأمة العربية ؛ ممزقةٌ لجسدها الى شـطـرين ، بل الى شطائر .
  • هل تصدقون أننا أصبحنا بحاجة ملحة الى من يذكرنا بأن المسيحيين ، و المسلمين ، - و غيرهم من الخيوط التي شـكـلـت ، و لا زالت تشكل – نسيج بلادنا العربية ، أخوة في الوطن و العروبة ؟
  • أن المسيحيين – و كم أنا آسف لأنني مضطر لهذه التصنيفات المُـنْـتِـنَة– في فلسطين و مصر و سوريا ، وقفوا الى جانب اخوانهم (المسلمين) ضد المستعمرين (المسيحيين) ؟

هل تصدقون ذلك  ؟! هل تصدقون ؟!

أعلمتم لم نحن بحاجة اليكم ؟ لأن صوتَكم – و هو ذاته صوتـنا – أصبح نشازاً في هذا الزمن العربي ، لأن ألحانَكم – و هي ألحاننا – ما عادت تطربنا ، لأنكم – و يا للعار – أصبحتم كالغرباء !  و " طوبى للغرباء " ، لكن أيُّ غرباء ؟

انهم " الذين يصلحون ما أفسدَ الناس " .

و ما أكثر الذي أفـسـده الناس ! .