في البدء , اود الاشارة الى : انني لست من دعاة الطائفية او العنصرية العرقية او القومية او المناطقية ؛ بل ادعو الى قيام دولة مدنية ديمقراطية عادلة ؛ ترتكز على الهوية العراقية الوطنية العريقة ؛ و تلغى فيها كافة الامتيازات والفوارق الطبقية , ويسود فيها مبدأ المواطنة فحسب ؛ ولكن للوصول الى هذه المحصلة الحضارية الراقية , لابد لنا من المرور بمراحل المكاشفة والمصارحة والتي قد تكون مؤلمة وقاسية الا انها ضرورية للمصالحة الوطنية ؛ كضرورة اجراء العمليات القيصرية للمرضى والمصابين , وكما ان المريض لا يتمكن من الشفاء من دون علاج ؛ كذلك الشعوب والجماعات والاوطان والدول ؛ لا تستطيع السير قدما نحو تحقيق ذاتها وطموحاتها وتطلعاتها ما لم تعرف تاريخها وامجادها وسماتها وهويتها القومية والعرقية وثقافتها وعاداتها وتقاليدها الحقيقية والاحداث والهجرات والاحتلالات والتغييرات الديموغرافية التي حدثت ومرت بها عبر القرون والعقود والاجيال المتعاقبة , وصولا للحاضر وارهاصاته وتعقيداته ... الخ ؛ وعليه لابد من تشخيص الداء لمعرفة الدواء ؛ وتسليط الاضواء على مكونات وجماعات وشخصيات الامة العراقية سواء الاصلاء منهم ام الغرباء والاجانب والدخلاء , كي نميز الخيط الاسود من الابيض ... ؛ وقلتها واكررها دائما : لسان حالي في هذه المقالات لسان حال الامة العراقية بمختلف اقوامها واعراقها ودياناتها وطوائفها وقومياتها وشخصياتها ؛ فليس كل ما اذكره فيها يعني اني مؤمن بها ... الخ .
الا ان الحق يقال : فهذه الهجرات والتجنيس السياسي المشبوه والتغييرات الديموغرافية قد تسببت بإحداث شروخ اجتماعية عميقة ؛ وشيوع ثقافات اشكالية حيث تتضمن تناقضاتها داخلها ... ؛ والتي قد تنفجر في اية لحظة ؛ لأنها لا تنسجم مع الثقافات والعادات والتقاليد الوطنية وتتقاطع مع الرؤى والآراء والعقائد العراقية ؛ بالإضافة الى عدم انصهارها في البوتقة المحلية وعدم هضمها واستيعابها من قبل ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ ولان هذه الثقافات المنكوسة والاشكاليات الفكرية الحادة ليست لها القدرة على التواصل مع ثقافات وافكار ابناء الامة العراقية وبالتالي صعوبة التعايش السلمي مع العراقيين الاصلاء , مما جعل الغرباء والدخلاء والاجانب من ذوي الاصول غير العراقية ؛ يعيشون حالات النفاق والتلون وتبديل الجلود والوجوه كالحرباء , والتناقض وانعدام الاصالة والرؤية الضبابية وضياع الهوية الحقيقية ... ؛ فهؤلاء كالزيت الذي يرمى في النار ؛ كي تزداد لهيبا وحرارة , لذا اني ادعو الى وقف عمليات التجنيس المشبوهة والمنكوسة الحالية بل واسقاط كل عمليات التجنيس التي ابتدأت منذ العام 1921 ؛ لأنها مؤامرات منكوسة ومخططات سياسية مشبوهة ؛ اضرت بالعراق وابنائه الاصلاء , ولا زلنا نعاني من مخرجاتها الخبيثة وتداعياتها السلبية .
وسوف اذكر لكم مثالا يوضح حقيقة الامر ؛ ففي السعودية يطلقون لقب او صفة ( المهجن ) على كل مواطن مولود لاب سعودي وام غير سعودية , وغالبا ما تكون زوجة السعودي – غير السعودية – صغيرة وجميلة ومن بيئة فقيرة احيانا , لذا يفضلها السعودي لأنها تلبي رغباته ولا تمثل له عبئا ثقيلا مقارنة بالمرأة السعودية ... ؛ الا ان ابن الزوجة غير السعودية ؛ قد يعير حتى من قبل اقرانه الصغار بعبارات سوقية وجارحة : (( امك غريبة – ايش جنسية امك – امك خطافة الرجال – الخ ؛ وما شابه تلك الالفاظ )) باختصار هنالك حقد عام من المجتمع تجاه المهجنين في جميع المراحل الدراسية في السعودية , ويظهر هذا الحقد من خلال التصرفات والسلوكيات الاجتماعية للسعوديين تجاه الاولاد المهجنين , وهذه الظاهرة اشبه بظاهرة تعيير الفتى في الجاهلية ان كانت امه جارية – ملك يمين وليست حرة - , وغالبا ما يكون ابناء الزوجة غير السعودية مختلفين عن السعوديين من حيث الشكل والهيئة والبنية الجسدية فهم اكثر جمالا و وسامة من غيرهم مما يلفت الانظار اليهم , حتى انهم في الجامعات عندما يشاهدون البنت الهجينة يتكالبون عليها كالذباب وهم يعتقدون انها قابلة للإغراء باعتبارها هحينة وامها رخيصة او بلا اخلاق ومبادئ بالإضافة الى كونها غنية بسبب ثروة ابيها السعودي ؛ فتكون مادة اغرائية للفاسدين ؛ رغم ان البنت قد تكون اكثر التزاما بالمبادئ وتمسكا بالأخلاق منهم الا ان هذه هي نظرة المجتمع الاعرابي الجاهلي المتخلف ... ؛ والسعوديون يرون ان الهجين ضحية امه التي تركت وطنها وتزوجت سعودي لأجل ماله فهي في نظرهم ليست بنت اصول وحسب ونسب ...؛ نعم ان بعض المهجنين لا يشعرون بهذه الامور الا انها قد تظهر في اللاوعي احيانا ... .
طبعا قد تكون قصة ارتباط السعودي بالمرأة غير السعودية مختلفة تماما عن هذه النظرة الاجتماعية السائدة ... ؛ اذ من الممكن ان تكون غنية وبنت حسب ونسب ولا تسعى من اجل الحصول على الجنسية وذات اخلاق , وتزوجت السعودي عن قناعة تامة ... ؛ الا ان الواقع مختلف فالكثير من البنات والاولاد يستحون من التصريح بكون امهم اجنبية , اذ لا يكشفون جنسية امهم الاصلية , رغم ان اشكالهم معروفة وملامحهم تكشف عن كونهم ليسوا سعوديين من جهة الاب والام معا ... ؛ والمصيبة انهم احيانا يعيرون ويستهزئ بهم وكأنهم لقطاء ولدوا من سفاح ؛ وليسوا ابناء حلال ومن عقد شرعي وقانوني ...!! .
ومع ذلك البعض من المواطنين السعوديين المهجنين ؛ يقول : انا هجين وافتخر جدا ان امي ليست سعودية ... ؛ واشعر ان حياتي طبيعية بل ومثالية ؛ وما شعرت لحظة بأني اقل قدرا من السعوديين الاخرين ... ؛ بل على العكس احيانا اشفق عليهم عندما اشاهد طريقة حياتهم وعاداتهم القديمة وتقاليدهم البالية ؛ واحيانا اكرههم واشمئز منهم بسبب تعاملهم الهمجي وسلوكياتهم البدوية الخشنة , ولم احسدهم قط , نعم احيانا لا اشعر بالانتماء لهم ولعل سبب شعوري بعدم الانتماء ؛ لان المجتمع السعودي يرفضنا او ينظر الينا نظرة دونية ... ؛ ولعل هذا الرفض يعد مسألة طبيعية لأننا مختلفون عنهم بأشكالنا واخلاقنا ؛ واي مختلف مرفوض , فالناس اعداء ما جهلوا , او لا اقل وجوده غريب , وقد يكون احيانا غير مرحب به ... ؛ فالسعوديون عندما يتكلمون معنا يقولون : نحن السعوديون كذا وكذا ؛ يخاطبوننا وكأننا اجانب ولسنا من السعودية ...!!
الا ان الامر معكوسا في العراق , ولعمري هذه من عجائب الدهر , فطالما عير المواطن الهجين العراقي الاصيل بعبارات من قبيل : (( شعوبي – عجمي – شروقي- صفوي – معيدي ... الخ )) وصدق المثل العراقي الشعبي : (( هم نزل وهو يدبج على السطح )) وهذه الظاهرة العجيبة لا توجد الا في العراق , لذا اطلق البعض عليه بأنه بلد الغرباء والدخلاء ...!! .
وتؤكد بعض الدراسات الاجتماعية والنفسية الميدانية بأن المواطن الهجين بينه وبين نفسه لا يشعر بالانتماء لأي مكان ؛ لأنه لا يعرف اصوله الحقيقية وموطنه الاصلي ؛ و في قرارة نفسه يعرف ان العراق ليس بلده الحقيقي بل ان بعضهم يعرف اصوله الاجنبية وجذوره الغريبة , فهو يعيش مشتت تائه كاللاجئ المشرد لا حاله يشبه حال المواطن الاصيل ولا حال الاجنبي المقيم ... ؛ بين بين مذبذب لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ... ؛ لا يحسب على العراقيين الاصلاء ولا على الاجانب المقيمين الغرباء ؛ بسبب تشبثه بالقاب وهمية لا تمت له بصلة ؛ فهو لا للسماء ولا للأرض ... , وكلا الطرفان يرانا فيه عيوبهما فالعراقي الاصيل يرى فيه عيوب الاجنبي المقيم – كالفلسطيني والسوداني والمصري - وكذلك الاجنبي المقيم يرى فيه عيوب العراقي الاصيل ؛ يعني طباعه متأثرة بعيوب الطرفين او انه اصبح مجمع لنقائض الفريقين ... .
نحن نعيش وسط اشكاليات حادة ورؤى متناقضة وسلوكيات مرضية ومضطربة وثقافات ينكر ويدفع بعضها بعضا ... ؛ من دون وعي منا بهذا الواقع المأزوم ؛ ولان حياتنا اصبحت مجموعة من التناقضات والتهافت في الآراء والسطحية والقشرية في التعاطي مع القضايا الوطنية المصيرية والمشاكل الداخلية الخطيرة , ولعل من نتائج هذه الاوضاع الشاذة : وصف البعض لايام النظام البائد وعقود الحكومات الطائفية الهجينة المتعاقبة بالماضي الجميل او ايام الزمن الجميل او جيل الطيبين ؛ والادعاء بأن ايام الاحتلال البريطاني او سنوات الملكية الاجنبية في العراق كانت أجمل وافضل ... او الادعاء بأن المجرم صدام كان مستبدا عادلا او ظالما غاشما الا ان ظلمه قد وزع على كافة العراقيين وبمختلف شرائحهم وطوائفهم بما فيهم السنة والتكارتة وجلاوزة العوجة وبعدالة منقطة النظير ... !!
ولم يسأل احد نفسه او يتأمل قليلا في هذه المقولات المشهورة والمتداولة في بعض الكتب والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الفضائيات المسمومة ؛ كيف يصبح المستبد عادلاً ...؟
وهل حقيقة أن الماضي كان جميلاً، وهل يتصور أن الاستعمار والاحتلال أفضل من الاستقلال أو الحرية ولو كانت منقوصة ...؟
كل هذه التناقضات تجعل حياتنا تأخذ شكلاً دائريا لا نخرج من وضع إلا نعود إليه كرة اخرى ؛ اذ نبقى ندور بنفس الدوامة ، و تزداد الاشكالية شراسة عندما نعلم ان تاريخنا هو الاخر ؛ يحمل من التناقضات ما يجعله في حد ذاته إشكالية كبرى ... ؛ اذ طالما حولنا من هزائمنا انتصارات ومن خسائرنا وانتكاساتنا الى منافع وانجازات ... ؛ فعلى الرغم من الاراضي العراقية التي تم التنازل عنها والمعارك التي خسرناها والثروات الوطنية التي بددناها وتبرعنا بها للأجانب والغرباء والمؤامرات التي شارك بها المجرم العميل صدام ضد العرب ... ؛ بالإضافة الى ضلوعه في اغتيالات العديد من الشخصيات الفلسطينية ... ؛ واتفاقياته المذلة مع دول الاستعمار والجوار .... ؛ لا زال البعض يعتبره بطلا وطنيا ورمزا قوميا عربيا ...؟!
وكثيرة هي الأكاذيب القراح التي لا تنطلي على واعي و لا فائدة من ورائه ...؛ وعليه لا ينبغي الاسترسال في سرد حكايات الأوغاد لأنها لا تسر بل تضر ؛ الا ان الفئة الهجينة لا ترعوي عن غيها ودجلها وكذبها ...؛ فقد استمرت الفئة الهجينة بترويج هذه الافكار الهدامة والرؤى المنكوسة وامنت بها ؛ ولم تكتف بالجرائم التاريخية التي ارتكبتها بحق ابناء الاغلبية وباقي مكونات الامة العراقية سابقا ؛ بل انها اسرفت في الاجرام والارهاب بعد سقوط صنمها الاكبر وشيطانها الاحقر ( السفاح ابن صبحة ) عام 2003 ؛ فقد شهدت السنوات الماضية الاف الجرائم والعمليات الارهابية والمفخخات الانتحارية ؛ بالإضافة الى جرائم القتل على الهوية واختطاف الابرياء العزل والعراقيين الاصلاء ثم المسير بهم الى بساتين جرف الصخر واللطيفية والاسكندرية وسلمان باك ومناطق الغربية وغيرها ... ؛ ولازال العديد من ابناء عوائل الزائرين الضحايا لم يحصلوا على جثث الشهداء والضحايا الابرياء ؛ اذ قطعت رؤوسهم وذهبوا بالرؤوس الى ممولي الارهاب الاجانب والغرباء امثالهم كما ذهب جيش يزيد برؤوس العراقيين والهاشميين في واقعة كربلاء الشهيرة , ومزقت اجسادهم واحرقت بالنار , واصبح من الصعب التعرف عليها , وبعضها القيت في الانهار والمياه الاسنة لتأكلها الاسماك , وتتصبغ المياه باللون الاحمر القاني ... !!
وكان معروفا للجميع ان القتلة من ابناء الفئة الهجينة وامثالهم من الاجانب والغرباء والدخلاء الذين هبوا لنصرة نظرائهم في العراق ؛ كالقاعدة والدواعش وازلام صدام وايتام النظام البائد وجلادي ومجرمي الاجهزة القمعية البعثية ... ؛ كانوا لا يعيرون اية اهمية او استثناء للنساء والاطفال والرضع , ولا يرحمون احدا ؛ فهم مشركون وكفار لذلك كانوا يقتلون بالجملة ؛ نعم هذه هي نظرة الفئة الهجينة وشذاذ وشراذم الطائفة السنية الكريمة للأغلبية العراقية الاصيلة وباقي مكونات الامة العراقية الاخرى كالايزيدية وغيرهم , ولا عجب في ذلك ؛ وصدق من قال : ما حن دخيل على اصيل , وهجين لئيم على مواطن كريم ؛ وهذه الحقيقة تؤكد صدق ما ذهبنا اليه ؛ بينما قارن تصرفات ابناء الحشد الاصلاء وانظر اليهم كيف يتصرفون ؛ فقد رأيناهم في الموصل والانبار وغيرهما كيف تعاملوا مع النازحين والهاربين من مناطق النزاع بكل انسانية و وطنية وغيرة وشرف ... .
ومما سبق تعرف سر معارضتي الشديدة والمستمرة للعمالة الاجنبية وعمليات التجنيس في العراق سابقا وحاليا ؛ واعتقد ان هذه القرارات المنكوسة والاجراءات المشبوهة تقتل هويتنا العراقية الاصيلة وتغير واقعنا للاسوء وتزيد من معدلات الجريمة ونهب المال العام والاستحواذ على مراكز القرار من قبل الشخصيات ذات الجذور الاجنبية والاصول الغريبة وحرمان اهل البلد الاصلاء من حقوقهم التاريخية وثرواتهم الوطنية ... ؛ واصبحنا بسبب هؤلاء نعيش في عراقنا كالضحايا والبائسين والمحرومين , بل عملوا على جعلنا نشعر بالراحة عندما نكون مظلومين ومحرومين ؛ عوضا عن المطالبة بحقوقنا المسلوبة وبدلا عن الوقوف والدفاع عن انفسنا وهويتنا الوطنية وعراقنا ؛ مما صيرنا اشلاء مجتمع يدين بالحقد والعنصرية والثارات والطائفية والجهل والدجل والمحسوبية ...!!