في دياجير الظلام، الليل قد طال سكونه و قد سكنت معه حركة الأنام، و النهار قد اقترب نوره و قد استعدت كل الكائنات لاستقباله، و ترى الكون كله قد أمعن بصره في خيوط الفجر القادم تحيك البشائر بِحَثِّ العزائم و حيهلات العمل، و ترى الكون كله قد أصغى سمعه لترانيم الليل الحزينة تجمع شتات رحلها و تُسافر إلى الأرض البعيدة طامعة في عَوْدٍ قريب.
في هذه الأجواء يطرق مسامعك صوت الآذان، لتفيق من غفلتك و تنتبه من نومك و يملؤ مسامع أذنك بل فؤادك و جميع حواسك كلمة المنادي الصلاة خير من النوم. أهي خير حقا؟ أخير هي من هذا الفراش الوثير و الدثار الدافئ؟ أ خير من نومة تسبح فيها بين أحلام و أماني تُنسيك العالم بل نفسك؟ ثم إنك البارحة قد أطنبت في السهر و إن لبدنك عليك حقا في النوم و الراحة ؟؟ أليس عندنا اليوم دراسة و عمل سننهض إليه لا محالة فعلاما الإستعجال و قض المضاجع؟ هكذا ينفث الشيطان خبثه في مسامعك ليثبط همتك و يقعدك عن موعدك مع ربك، فليس يريد منك يا ابن آدم – و أنت الذي يراك سبب خروجه من الجنة و لعنة الله له- إلا أن تهلك كما هلك و أن يصدك عن السبيل التي ما استطاع أن يسير فيها.
ثم تراك أيها المسلم المطيع، يا من تربى على سمعنا و أطعنا، و ملأت نفسه التقية التسليم لدعوات خالقه و المتفضل عليه بصنوف النعم؟ أَيَقْعُدُ عن إحابته و قد أحاطه بكرمه الواسع من كل جانب و أسبغ عليه نعمه ظاهرة و باطنة فهو يقلب في نَعْمَائِهِ ليل نهار. ثم هو فوق ذاك لا يملك لنفسه الخيار، فلقد حمله الشوق للقاء محبوبه حملا، إن له موعدا لن يُخلفه، موعد لا ككل امواعيد، يطهر فيه نفسه جسدا و روحا، و يتطيب بالمكارم و الفضائل.
و أنت تمشي في طريقك إلى بيت الله، الظلام مُخيم على الأجواء، الطرقات مُقفرة إلا من بعض الشيوخ من من لبوا نداء الملك، كل الناس قد غطوا في نوم عميق، و أنت تتناغم دقات قلبك و حركة دوران الدم في عروقك و كلك مع خطوات أقدامك، مُحتسبا فيها الأجر بغفران الذنوب و الزلات و إيفاء الثواب و الحسنات. و كأني لك لا تُريد من تلك الخطوات أن تنتهي، لِما عرفت من عِظَمِ الجائزة، و لِما وجدت من سكينة تغمر روحك و سعادة فاضت بها نفسك حتى أنك وددت لو شاركتها العالم أجمع و من تُحب خاصة، لذاك تراك تُكثر الحديث معهم عن الصلاة و صلاة الفجر بالخصوص، تود لو يعلمون ما تعلم لو ينالهم من الخير و السعادة ما ينالك، لا عجب في ذلك فتلك نفسالمؤمن التي ما يكتمل إيمانها إلا بحبه الخير لأخيها كما تٌخبه و تتمناه لها.
و إن لنسائم الفجر لشأنٌ عجيب، فليس هي تلك النسائم و التي يعهدها باقي البشر من من لا يعرفون لصلاة الفجر حقها و لا حتى وقتها، إن نسيمه يهب عليك ببركة البكور و قصب السبق و حلاوة الطاعة. و أنت في ذلك كله تحدها طاهرة نقية قد خلت من أنفاس المنافقين، و من تُعساء بني البشر من يملؤون أيامهم كدا و اجتهادا لتحصيل الملذات و سعيا وراء الفانيات، و يُشبعون ليلهم نوما و سباتا فهم أَحْمِرَةٌ بالنهار جِيَفٌ بالليل كما وصفهم النبي صلى الله عليه و سلم، ليس لآخرتهم من دُنياهم حظ و لا نصيب و لا لأرواحهم من اجسادهم، ألا حقا تعسوا فما أشقاها من حياة يحييونها، بل هم و الله موتى و إن رأيتهم يمشون بين الأحياء.
ألا لله ما أطيبها من رَوْحة و جيئة إلى بيت الله و من بيت الله، تصحبك فيها أذكارك و أورادك، تستقبل بها يومك، تستجمع بها شتات نفسك، تستحث بها عزمك و همتك، تناجي فيها ربك. و تسرح عيناك في ملكوت السماوات و الأرض فتتأمل في روائع الصنائع و تتفكر في حكمة الصانع، فما أن تبلغ منزلك من الحي حتى تبلغ كفايتك من الزاد الروحي، فتَنْفَلِتُ عُقُدُ الفشل و الكسل كلها، قتنشط نفسك و تنهض همتك و تقبل على ما ينتظرك من دور في إحياء هذه الأمة. و الله المُستعان.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :

بشِّرِ المشَّائين في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يوم  القيامة.

الراوي:أنس بن مالك

المحدث:علاء الدين مغلطاي

المصدر:شرح ابن ماجه

الجزء أو الصفحة:3/227

حكم المحدث:لا بأس بسنده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابط التدوينة الأصلي على مدونتي https://sghaierfiras.wordpress.com/2016/12/18/%D8%A3%D9%86%D9%81%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AC%D8%B1/