يُلحُّ عليّ منذُ زمنٍ طويل سؤال: لِماذا نُدندِن؟ وما هي الدواعي التي تجعلُ أحدنا يُغنّي أو يشدو لحنًا بصوتٍ خافِتٍ وغيرِ مَفهومٍ أحيانًا، وماذا يعني ذلك في علمِ النفس أو غير علم النفس؟
لم أسمع من قبلُ هذا السؤال وليس لهً عندي جوابٌ مُحدَّد، غير أنّهُ استوقفني تعريفُ "التفكير" لعالم النفس الأميركيّ لورانس ستينبرج (Laurence Steinberg) بأنه عمليّةٌ عقليّة تهدِفُ إلى حلِّ مُشكلةٍ أو إيضاحِ موقِفٍ غامِض وذلِكَ باستخدامِ خبرات سابقة.
وكلمة "مشكلة" تعني وجود فجوةٍ بين الواقِع والمأمول، أو وجودِ ما يُعرقل السلوكَ، فيُحاوِلُ العقل أن يجدَ طريقةً لسدِّ الفجوةِ وإزالةِ العراقيل ومِثالٌ على ذلِكَ أنّكَ لو أردتَ أن تجلِسَ على الكُرسيِّ فإنَّ التفكيرَ هو النشاطُ العقليّ الذي يبحثُ عن طريقةٍ تجعلُكَ تصل إلى هدفك وتجلس على الكرسيّ، كأن تتجه نحوَه ثمّ تُحرّك العضلات اللازمة، فإذا جلست عليه تكون المشكلة قد حُلّت، ويبدأُ التفكير بمشكلة أخرى.
وليست كُلُّ المشاكل كمشكلةِ الجلوس على الكرسيّ فالمشاكل متدرجةُ التعقيد والأهميّة فقد تفكّر في حل مسألة رياضيّة، أو تفكّر بطريقةٍ للاعتذار عن خطأ، أو طريقة للنجاة من مُصيبة أحاطت بك.
ويستمر التفكير في حلّ المشكلات وكُلّما فرغ من واحدةٍ أو انحلّت عقدة انتقل إلى التالية، حتّى في أثناء النوم فإنّ وظائفَ مختلفة تابعةٌ للفكر لا تتوقف.
ولكن ماذا لو صدفَ فكانت المشكلات في ساعةٍ ما بسيطةً، وليست ذات نتائجَ مُهمة، مثل إزاحة الكرسيّ كما ذكرتُ آنفًا، أو عملٍ آليٍّ مُريح، أو لم يعد هناك تحديات آنية في المحيط كأن يكونَ الطقسُ لطيفًا، والمناظِرُ مُبهجةً، وكان كُلُّ شيءٍ مواتيًا ولو مؤقتًا، أو بمعنًى آخر عندما نشعرُ براحة البال، هنالك يبدو أنَّ الدماغَ يستدعي مقطعًا صغيرًا من أغنيةٍ أو لحنًا يسدُّ بِه فراغَ التفكير.
كما أنّ العقل قد يكون استدعى الأغنيةَ التي ترتبطُ بالموقف الحالي لكونها خُزِّنَت في الذاكِرةِ مُرتبطةً بموقِفٍ شبيهٍ بالموقف الحالي. إنّ آليةَ عملِ الدماغ أعقدُ ممّا نتصوّرُ ولايزال العلم في أوّلِ طريق استكشاف وظائف الدماغ وطريقة عمله. يقول ابن حزم إنّ الشيء الوحيد الذي يطلبه كُلُّ البشر هو راحةُ البال وليس كذلك المالُ أو العلمُ أو الشهرةُ أو النفوذ.