اقتربَت نِهايَةُ القَرنِ الثامِنِ عشر ومعارِفُ الإنسانِ عن تطوُّر الجنين ضَحلَةٌ وساذجة، فقَد كانَت نظريَّةُ الخلقِ الجاهِز هي السائِدَة، تقولُ هذِهِ النظريّةُ بأنّ الجنينَ يكونُ إنسانًا كامِلًا بِكُلِّ تفاصيلِه غير أنّهُ بالِغُ الصِغر منذُ أوّلِ لَحظَةٍ في تشكُّلِه ولا تَزيدُ المرحلَةُ الجنينيّةُ عنِ النُموِّ، رغمَ أنّهُم كانوا في ذلِكَ الوقتِ قَدِ اطّلَعوا على مراحِلِ الجنين المُختلِفَةِ لدى الدجاج فهي قريبة المنال وكبيرة الحجم ولا تحتاجُ إلى مُكبِّر ويَظهَرُ فيها تغيُّرُ شكلِ الجنين مِن أُنبوبٍ إلى أُنبوبٍ مُنحنٍ مع انتِفاخاتٍ وما إلى ذلِك. أصرّ أصحابُ هذِهِ النظريّةِ مع ذلِكَ على رأيهم.
يقولُ عالِمُ الأحياء الشهير "ستيفن غولد" (Stephen Jay Gould) والذي يَعتَبِرُ نفسَهُ حفيد "دارون" في العلم: ليست نظرية الخلق الجاهز سذاجةً علميّة فقد كان أصحابُها طِبقًا لظروف عصرِهِم حين لم تكن الخليّةُ معروفةً بعد مُضطرين للقول بهذه النظرية لأنهم لو قالوا بالنظرية المعاكسة القائلةِ ببدء الجنين من حالة بسيطة ثم تعقُّدِهِ بالتدريج وهو ماثبت صحتُّه بعد ذلِك- فلا بُدّ من وجودِ قوّةٍ ما تُنظِّمُ انتقالَهُ من حالةٍ إلى حالة ولم يكن لديهم أيُّ فِكرةٍ عَن آليَّةٍ تَقومُ بذلِكَ التنظيم، فاضطروا للقول بنظريّة الخلقِ الجاهز ليكونوا أقربَ للمَنطِق.
بعدَ تطوُّرِ علم الأحياء واكتشاف الخليّة الحيوانيّة أصبحَ البابُ مفتوحًا لتفسيرِ تطوُّرِ الجنين من خليَّةٍ واحِدةٍ ثُمَّ تكاثُرِها إلى عددٍ هائِلٍ مِنَ الخلايا التي تتخصَّصُ في أجهِزَةٍ تتعقَّدُ بالتدريج كما هو معلومٌ اليوم.
يرى ستيف غولد أنّ هذا لا يعني كونَ الذين قالوا بنظريّةِ الخلق الجاهِز كانوا سُذّجًا والذين قالوا بالنظريّةِ المُعاكسة والتي ثبتت صِحّتُها لاحِقًا كانوا أبطالًا، لقد كانوا مُحِقّين ببحثِهم عن آليّةٍ تُنظِّمُ تطوُّرَ الجنين إذا كان يحدُثُ وإذ لم يجدوها فقد تجاوزوا الفكرة كُلّها وبحثوا عن نظريّةٍ أُخرى.
اليوم وبعد اكتشاف الشيفرة الوراثية المكتوبة بجزيئات الـDNA أصبحت الآليَّةُ التي كانَ أصحابُ نظريّةِ الخلق الجاهِز يبحثونَ عنها حاضِرَةً لِتُفسِّرَ القوّةَ التنظيميّةَ والتي أجبرتهُم على الاعتِقادِ الخاطِئ الساذَجِ كما يبدو الآن.
يَخلُصُ ستيف غولد إلى أنَّ هؤلاءِ العُلماء الذينَ يَحلو لبعضِنا أن يعتبِرَ نظريّتَهُم ساذَجَةً كأنّهُم تنبّؤوا بِوجودِ آليَّةٍ تُنظِّمُ تطوُّرَ الجنين وهي الشِفرَةُ الوراثية، ليست البطولةُ في العِلم أن تَضَعَ نظريّةً صحيحةً وحسب، ولكِن في أن تخطو خُطواتٍ منطِقِيّةٍ إن لم تُؤدِّ إلى نظريّةٍ صحيحة فإنها تُمهِّدُ لها.