رجل تم احتلال بلاده وهو في الخمسين من عمره، فماذا تتوقع منه؟
بالتأكيد سيكون خياره الوحيد هو الخضوع بالبحث عن الحياة بأمان في ما تبقى له من عمره ..
ولكن ماذا لو كان هذا الرجل يمتلك عزيمة وإيمان (عمر المختار) الذي كان شيخ في السبعين من عمره وتسخر واحدة من أقوى دول العالم جيوش جرارة ورائه هو عمر المختار الذي حسم موقف بلاده من الاحتلال الإيطالي بكلمات بسيطة قائلا: [[إننا نقاتل لأن علينا أن نقاتل في سبيل ديننا وحريتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت نحن، وليس لنا خيار غير ذلك]] ..
ولد عمر المختار عام 1858 في ليبيا ببرقة وقد نشأ في بيت كرم تحيط به أخلاق المسلمين وصفاتهم الحميدة ..
وأدخله والده مدرسة القرآن الكريم ومعهد دراسات مكث 8 سنوات ينهل من العلوم الشرعية المتنوعة كالفقة والتفسير والحديث وقد شهد له مشايخه برجاحة العقل ومتانة الخلق وحب الدعوة ..
لقد شهدت صحراء ليبيا المعارك التي خاضها عمر المختار وسطر عليها بدماء الشهداء أروع آيات العزة والجهاد فقد كبد المجاهدين المحتلين خسائر لا تحصى في الأرواح والعتاد وثبتوا أمام عدوهم مع أنهم لا يمتلكون سلاحًا كما يمتلك عدوهم من السلاح ..
لقد حارب عمر المختار بسيفه حتى امتلك الخوف قلوب المحتل بمجرد سماع اسم #عمر_المختار ..
وكان أول بروز لعمر المختار في ساحة الجهاد عام 1911 عندما احتل الإيطاليون بنغازي إذ أبدى صنوفا من الشجاعة والبطولة في جهاد الأعداء ولفت إليه أنظار الناس هناك ..
وأصبح هو قائد المجاهدين في إقليم برقة بعد انسحاب العثمانين منها بضغط من أوروبا وكذلك انسحب المتطوعون من مصر وغيرها بضغط من إنجلترا ..
وقد جعل عمر المختار مدينة (شحات) في الجبل الأخضر مقرًا لقيادته ومنها حقق عدة انتصارات .. مما جعل الاحتلال يفكرون في هجوم شامل على الجبل الأخضر ولكنهم هزموا شر هزيمة كما هزموا عند محاولاتهم احتلال (فزان) ..
إلى أن حدثت تغييرات سياسية في نظام الحكم في إيطاليا وجاء الحكم الفاشي بقيادة (موسوليني) الذي عين حاكما جديدا على ليبيا ودخل جزار إيطاليا (جرازياني) ليبيا وأحب أن يتفاوض مع عمر المختار ليتعرف على معنوياته وطريقة تفكيره
وأجرى معه مفاوضة وسأله: ما هي الشروط التي تضعونها للمصالحة مع الحكومة ايطاليا؟
فأجابه عمر المختار: [[ألا تتدخل إيطاليا في أمور ديننا وأن تخرج من بلادنا]] .. فعرف جرازياني أنه أمام مجاهد كبير لن يرجع أو يجلس على مائدة المفاوضات التي لا تحقق نصرا ولا تحرر بلدا أبدا ..
أصبح عمر المختار هو الأسد الوحيد الباقي في الميدان بعد أن اضطر محمد إدريس السنوسي لترك ليبيا واللجوء إلى مصر فظل رافعا لواء الجهاد لمدة 8 سنوات ..
وقد انقطعت عن ليبيا هذه الفترة كل المساعدات الخارجية وأمعن الإيطاليون في وحشيتهم التي تفوق الخيال حتى أنهم قتلوا في برقة وطرابلس وحدها أكثر من نصف مليون إنسان بمساعدة من إنجلترا واستولوا على معظم الأراضي الليبية ..
ولكن بقي عمر المختار يجاهد ويقاتل على الرغم من عمره الذي تجاوز 70.
وتمت معركة غير متكافئة استشهد خلالها معظم فرسان عمر المختار وسقط هو مثخنا بالجراح وأخذ أسيرا ولم يكونوا قد عرفوه فلما تعرفوا عليه حوكم محاكمة صورية فوقف أثناءها كالطود العظيم ..
وقررت الحكومة الإيطالية إعدامه بالرغم من عمره الذي يزيد عن 73 عام ..
وفي عام 1931 عند الساعة 9 صباحا نفذ الاحتلال في مدينة بنغازي حكم الإعدام شنقا في شيخ الجهاد بعد جهاد طويل مرير ..
وقد قام الإيطاليون بجمع حشد عظيم لمشاهدة الإعدام فأرغموا أعيان بنغازي وعدد من الأهالي على حضور عملية الإعدام ..
لقد كان الشيخ الجليل سعيدا بنيل الشهادة وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة وصعد حبل المشنقة في ثبات وكانت آخر كلامته قبل الشهادتين::
[[نحن لا نستسلم .. ننتصر أو نموت .. وهذه ليست النهاية .. بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم .. أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي]] ..
كان إعدام المختار الأثر في الخروج بالمظاهرات الاحتجاجية تنديدا بإعدامه في تونس ومصر وفلسطين ولبنان وسوريا وقد أقيمت المآتم له في مختلف الدول العربية.
وصليت عليه صلاة الغائب في جامع بني أمية الكبير بدمشق ودعي على المنابر إلى مقاطعة إيطاليا وكافة بضائعها وأغلقت المحلات حدادا عليه ..
وفي غزة أطلقت البلدية على أحد أهم شوراع المنطقة اسم شارع عمر المختار ..
وفي مصر كانت ردة الفعل شعبية عارمة تجلت في الصحف والمجلات والشعراء وأعد له احمد شوقي وخليل مطران قصائد شعرية خاصة في رثائه ..
وقد قدمت شخصية عمر المختار في فيلم يحمل اسم (أسد الصحراء) عام 1981 لعب فيه الممثل المكسيكي الأمريكي [انطوني كوين] دوره ..
وكان له أثر كبير في تعرف العالم بالشخصية العظيمة لشيخ المجاهدين ..
- دُعــاء.