لم يكن خطر التتار خطرا عاديا بل كان خطرا مستوحشا ازداد بشكل كبير بعد أن دخل (هولاكو) بجيوشه إلى بغداد عام 656ھ فقتل مئات الألوف من أهلها ونهبوا خزائنها وقضوا على الخلافة العباسية التي دامت لقرون..
وهنا سنتكلم عن بطلنا الذي لم يحكم بلاد الإسلام إلا سنة واحدة فقط أنقذ فيها الإسلام من الإبادة، وصفه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء قائلا [كان فارسا شجاعا، محببا إلى الرعية، هزم التتار وطهر الشام منهم يوم عين جالوت].
إنه البطل المغوار (محمود بن ممدود خوارزم شاه) الملقب بالمظفر سيف الدين قطز، ولد أميرا مسلمًا في ظل الدولة الخوارزمية وكان جده أعظم ملوك خوارزم وقد دخل جده في حروب طويلة مع (جنكيزخان) ملك التتار..
ثم وصل التتار إلى العاصمة وتم اختطاف قطز وهو صغير عقب انهيار الدولة الخوارزمية على يد المغول فحمل هو وغيره من الأطفال إلى دمشق وتم بيعهم في سوق الرقيق وأطلق عليه اسم قطز وظل قطز عبد يباع ويشترى إلى أن انتهى به المطاف في يد (عز الدين ايبك) أحد أمراء مماليك البيت الأيوبي في #مصـر.
كان قطز كبقية المماليك نشأ على التربية الدينية والحمية الإسلامية وتدرب منذ صغره على فنون الفروسية وطرق القيادة، فنشأ شابا محبا للدين معظما له.. [وأيضًا كونه أن أسرته هلكت تحت أقدام التتار جعله يفقه جيدًا خطر التتار].
قام الأمير (عز الدين أيبك) بتعيين قطز نائبا للسلطنة وبعد أن قتل الملك تولى الحكم السلطان نور الدين أيبك وتولى قطز الوصاية على السلطان الصغير الذي كان يبلغ 15 سنة فقط..
أحدث صعود الطفل نور الدين إلى العرش اضطرابات في #مصر والعالم الإسلامي، كان قطز يدبر الأمور فعليا في مصر ولكن الذي يجلس على العرش طفل فرأى قطز أن هذا يضعف من هيبة الحكم في #مصر ويزعزع من ثقة الناس بملكهم ويقوي من عزيمة الأعداء..
فاتخذ قطز قراره بعزل السلطان الطفل وتولى عرش #مصر سنة 657ھ قبل وصول هولاكو إلى حلب بأيام ومنذ صعود قطز على العرش وهو يعد العدة للقاء التتار..
عندما تولى قطز الحكم عمد إلى قطع أطماع المماليك في الحكم عن طريق توحيدهم خلف هدف واحد، وهو وقف زحف التتار ومواجتهم واستعدادا للمعركة الفاصلة مع التتار فقد راسل قطز أمراء الشام فمنهم من استجاب له ومنهم من وضع بيده بيد التتار..
فأراد قطز بفرض ضريبة على الشعب لتجهيز الجيش فبدأ الامير قطز بنفسه فباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك فانصاع الجميع وتم تجهيز الجيش بالكامل..
فكان من رأى بعض القادة الاستسلام للتتار وتجنب ويلات الحرب فما كان من قطز إلا أن قال [[أنا ألقى التتار بنفسي، يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون من بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه فمن اختار منكم الجهاد يصبني ومن لم يختر ذلك يرجع الى بيته، وإن الله مطلع عليه وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين عن القتال]] .
فتحمس الأمراء لرؤية قائدهم يقرر الخروج لمحاربة التتار بنفسه بدلا من أن يرسل جيشا ويبقى هو، أرسل (قطز) الرسل في الديار #المصرية أن تنادي بالجهاد في سبيل الله ووجوبه وفضائله فهب نفر كثير ليكونوا قلب وميسرة جيش المسلمين.
التقى الفريقان في المكان المعروف باسم عين جالوت في فلسطين في 25 من رمضان 658ھ.
أخرج التتار فيها كل إمكانياتهم فبدأ الشهداء يتساقطون من القوات الإسلامية، فنزل قطز ساحة القتال بنفسه وذلك لتثبيت الجنود ورفع روحهم المعنوية ألقى بخوذته على الأرض تعبيرا عن اشتياقه للشهادة وعدم خوفه من الموت..
قاتل قطز مع الجيش قتالا شديدا وأخذ يشجع أصحابه ويطالبهم بالشهادة في سبيل الله واشتدت المعركة حتى كاد (قطز) نفسه أن يقتل، عندما صوب أحد التتار سهمه نحوه فأصاب فرسه فترجل قطز على الأرض وقاتل ماشيا لا خيل له..
وانتصر المسلمون في عين جالوت انتصارا عظيما استحق أن يخلد في التاريخ ولاحقهم قطز، وطهر بلاد الشام بكاملها في غضون بضعة أسابيع وعادت من جديد أرض الشام إلى ملك الإسلام، وأعلن قطز توحيد "#مصـر والشام" من جديد في دولة واحدة تحت زعامته بعد عشر سنوات من الفرقة..
وخطب لقطز على المنابر في كل المدن المصرية والفلسطينية والشامية حتى خطب له في أعالي بلاد الشام والمدن حول نهر الفرات،
بدأ قطز يوزع الولايات الإسلامية على الأمراء المسلمين وكان من حكمته رحمه الله أن أرجع بعضا من الأمراء الأيوبيين إلى مناصبهم وذلك ليضمن عدم حدوث الفتنة في بلاد الشام..
- دُعـاء