وضع قانون التعليم النيوزيلندي (Education Act 1989) خمسَ    خصائص لابد أن تتوفر في مؤسسات التعليم العالي من أجل الحصول على الاعتراف بها كجامعات، ومن هذه الخصائص أن تكون ضميرا للمجتمع، وناقدا له في نفس الوقت (critic and conscience of society)؛ فدور الجامعة إذن يتجاوز التعليم والبحث العلمي إلى الفاعلية والتأثير في المجتمع.

ذكرني هذا بما كتبه الدكتور غازي القصيبي رحمه الله: "كنتُ   أرى أن الجامعةَ يجب أن تنزل من برجها الأكاديمي و(تلوث) يديها بغبار التنمية".

وعندما ننظرُ  في القرآن نرى أن سورةَ  الكهف ضربت لنا أبلغ مثال للمُعلّم: الخضر عليه السلام.. المعلم الذي يسعى للتتلمذ على يديه أحد أولي العزم من الرسل.. المعلم الذي جمع بين الرحمة والعلم، بل كانت رحمتُه مقدمةً على علمه: (آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما).. المعلم الذي يتفهم نفسيةَ طلابه: (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا).. المعلم الذي يواجه طلابَه بالحقائق ولا يجاملهم: (إنك لن تستطيع معي صبرا).

والحديث حول الفوائد التربوية المستفادة من قصته يطول، والذي يهمني في هذا السياق أمر واحد؛ وهو أن الخضر كان أستاذا ومعلما؛ نعم، ولكنه كان في نفس الوقت ضميرا للمجتمع.. صوتا للمساكين.. ظهيرا للمظلومين: (وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها، وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا).

أعلمُ أن واقعَ الجامعات بعيد كل البعد عن ذلك.. وأعلم أن الطريق طويل.. ولكن لا بأس أن نحاول.. ألا نفقد الأمل.. ولو بقعة من النور وسط هذا الظلام.. فإن لم تصلح مؤسساتُنا.. فلا أقل من أن نكون نحنُ ضمير الفقراء والمظلومين.. أن نتمثلَ موسى عليه السلام: (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)..

وأضم صوتي إلى صوت البروفسورة رضوى عاشور رحمها الله إذ تتمسك بالأمل فتقول:

"أنا مُدَرِّسَةٌ، أرى في رسائل التشاؤم فعلا غير أخلاقي."

والسلام.

طارق.