لم تتعرض أمة من الامم للهجوم والتشويه والتسفيه كما تعرضت الامة العراقية الاصيلة , ولم ينتقد شعب بالحق والباطل كما تم انتقاد واستهداف الشعب العراقي النبيل ؛ وهذه الهجمات المنكوسة والحملات الشرسة لا تستهدف تاريخ شعب العراق وحاضره فحسب ؛ بل وجوده ايضا ؛ ومما تقدم تعرف ان هويتنا الوطنية وعراقيتنا الاصيلة كانت ولا زالت معرضة للخطر الدائم والمستمر ؛ وهوية كل بلد تعتمد بالدرجة الاولى على سكانه الاوائل ومواطنيه القدامى ؛ وبما ان الاغلبية العراقية الاسلامية الشيعية العربية تمثل البوتقة الوطنية التي انصهرت فيها اقوام بلاد الرافدين الغابرة واديان وطوائف وثقافات العراق القديمة ... ؛ اضحت الاغلبية العراقية تساوق مفهوم الامة العراقية ؛ وهذا لا يعني خروج الاخرين من دائرة مفهوم الامة العراقية ؛ فأثبات الشيء لا ينفي ما عداه ؛ فنحن هنا نتكلم عن النسب الوطنية في التركيبة السكانية العراقية وتأثيرها على التاريخ الوطني والثقافة العراقية والهوية الشعبية ؛ اذ مما لا شك فيه ان نسبة الاغلبية عالية جدا , ولا تقارن بها اية فئة او مكون او مجموعة اخرى , مما جعلها تتصدر المشهد العراقي طوال التاريخ ؛ ولعل هذه المقولة المنسوبة لصدام تكشف لنا حقيقة الامر ؛ فقد نقل احدهم في احدى البرامج المتلفزة ؛ انه قال لصدام : لماذا تحاربون شعائر الدين الشيعية كالتطبير ولا تحاربون طقوس الدروشة والدراويش ؛ فأجابه صدام : ان الاولى واسعة الانتشار وتمثل ثقافة العراق و لسان حال الوطن ؛ بينما الظاهرة الثانية محدودة ومحصورة ولا تعكس ثقافة الشعب العراقي ...!! ؛ فوجود الهوية العراقية يعتمد اعتمادا كليا على وجود هوية الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ فكلاهما وجهان لحقيقة واحدة ؛ و من ذلك نتعرف على ان الوحدة الشيعية العراقية سبيل للوحدة الوطنية العراقية ؛ فهي تفضي اليها فيما بعد , و وحدة الشيعة ليست صمام امان للأغلبية الوطنية الاصيلة فحسب ؛ بل هي صمام امان وقارب نجاة للامة العراقية جمعاء ... ؛ وعليه لا يمكن ان نحقق الاهداف الوطنية والسيادة العراقية الا من خلال التأكيد على هوية الاغلبية العراقية الاصيلة و العمل على وحدتها الوطنية ورص صفوفها الجماهيرية ... ؛ فنحن اليوم معنيون بفتح ابواب الحوارات الشيعية المختلفة والتي تفضي الى وحدة الاغلبية العراقية لاسيما فيما يتعلق بثوابت الهوية العراقية والسيادة الوطنية والثوابت السياسية ... , وعلينا مقاطعة ومكافحة الذين يغردون خارج السرب الشيعي العراقي الوطني ؛ فلابد من العمل الدؤوب من اجل ان يكون جميع ابناء الطائفة الشيعية العربية العراقية تحت مظلة وحدة الاغلبية العراقية والتي تمثل وجه العراق الحقيقي والبهي ... ؛ ومن هنا تعرف ان دونية الشيعة وحمقى وجهلة و مرتزقة الاغلبية العراقية الاصيلة ضررهم لا يقتصر على الشيعة فحسب بل يطال الهوية الوطنية والامة العراقية برمتها ... ؛ فمن العار ان تتدعي انك مواطن عراقي اصيل وعربي شيعي نبيل اولا ؛ وصاحب انتماءات اخرى ثانيا ؛ ولا شغل لك سوى الانسياق خلف الدعايات والافتراءات المنكوسة , والسيناريوهات المفبركة التي يبثها اعداءك واعداء بني جلدتك ... ؛ ونقد التجربة السياسية الديمقراطية بشتى الطرق القانونية وغيرها , بل والعمل على اسقاطها جملة وتفصيلا , والدعوة الى العودة الى زمن التسلط التكريتي والاجرام البعثي والرعب الصدامي ... , بالإضافة الى حصر ظاهرة النقد الهدام وحملات التسقيط والتخوين والقدح والاستهزاء والسخرية داخل دائرة الاغلبية العراقية فحسب ... ؛ فإلى متى يستمر هذا القيء السمج , وجلد الذات , والقيح المليء بالدونية وفقدان الهوية والغيرة الوطنية الشيعية الاصيلة ؟!
وهذا لا يعني ترك النقد البناء وعدم بذل الجهود الوطنية المخلصة لتصحيح الامور وبالطرق الذكية والوسائل السلمية والادوات العلمية والواقعية ؛ وذلك من خلال تمكين شرفاء واحرار وغيارى وكفاءات وشخصيات الاغلبية والامة العراقية سياسيا , وتشجيعهم على تبوء المناصب الحساسة والمهمة , ودفعهم للسيطرة على كافة مرافق الدولة الاقتصادية والثقافية والعامة , و مراكز القرار الديني والاجتماعي والاعلامي ... الخ .
ولعل خطورة المواقف الدولية وتربص الاعداء بنا , وشدة بأس خصومنا واجرامهم ؛ يجعلنا نغض الطرف عما جرى بين بعض فصائل وجماعات وفئات وشخصيات واحزاب الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ ونغفر لهم اخطاءهم وهفواتهم احيانا ؛ بل ونصبر على حماقات البعض منهم وتصرفات وقرارات البعض الاخر السلبية ... ؛ وندعو الى حلحلة المشاكل والملفات الشائكة من خلال الحوار الودي فيما بيننا ؛ وذلك تجنبا للصدام الدموي او الانزلاق نحو مستنقع الحروب الاهلية والصراعات الداخلية المدمرة ؛ فلا سبيل للنهوض بالعراق والاغلبية والامة العراقية الا من خلال تفعيل ادوات الحوار الحضاري بين ابناء الاغلبية العراقية ومن ثم بين ابناء باقي مكونات الامة العراقية الاخرى ... .
ومن اعظم الاخطاء التاريخية الفادحة التي اعترضت طريق احرار وغيارى الامة العراقية ؛ الخلط المقصود والفكر المنكوس الذي طالما ربط بين وجود الشيعة كوجود بشري قديم ومكون اجتماعي اصيل وبين المدارس والعقائد الدينية التي تتدعي تمثيل الشيعة والتشيع , وتختزل سكان العراق الاصلاء ؛ بفكرة دينية واحدة ومدرسة مذهبية فاردة .
و ظلت بعض الحركات الإسلامية الشيعية العراقية على مدى عقود من الزمن ؛ تحشد التعاطف الجماهيري وتوسع القاعدة الشعبية المساندة لمشروعها الهلامي ؛ وبوسائل بدائية وادوات بسيطة ؛ وتستجدي الدعم المادي من هذا وذاك ؛ والذي لا يوظف بصورة صحيحة لخدمة الاغلبية العراقية بل يذهب بجيوب بعض العوائل الدينية والشخصيات الاسلامية ذات الاصول غير العراقية ؛ ومع كل هذه السلبيات والخطوات المتعثرة ؛ حققت بعض التأييد الشيعي العراقي والدعم الجماهيري ؛ لا لكونها اهلا لذلك , او جاء هذا التأييد نتيجة للجهود المنظمة الحثيثة ؛ بل لفراغ الساحة العراقية الشيعية من غيرهم , ولاندفاع الاغلبية العراقية وراء كل صوت معارض حتى وان كان تافها وسطحيا واجنبيا وغريبا ومنكوسا , وتصديقهم بالأدعياء من اشباه القادة والرجال وانصاف المتدينين , والخطباء المأجورين و (الروزخونية ) النفعيين ... ؛ والمصيبة ان هؤلاء يدعون ادعاءات اكبر من حجمهم وفكرهم الضحل ؛ ويبشرون بمشاريع وبرامج سياسية واجتماعية وثقافية واخلاقية واقتصادية ... ؛ تكون بديلة عن المشاريع والرؤى الحضارية والمدنية والسياسية التي تبشر بها الاحزاب العلمانية والليبرالية واليسارية ... ؛ وعندما يعرضون بضاعتهم الكاسدة والفاسدة على الجماهير البسيطة ؛ يربطون بينها وبين الاسلام ؛ ويتشدقون بأن الحل يكمن في الاسلام والاسلام فحسب , وهم يقصدون بذلك اسلامهم المشوه والمقلوب ؛ فهؤلاء ينطبق عليهم قول الشهيد المطهري : ( انا احب الاسلام بشرط ان اكون انا حجة الاسلام ..!! ) ... فهم يعتقدون انهم باب الله , وفكرهم يمثل شرع الله , ومن خالفهم ؛ حلت عليه لعنة الله ...!! .
وعلى الرغم من تسنم البعض منهم المسؤولية العامة واحتكارهم للأموال السياسية والدينية الطائلة ؛ واعتمادهم على المخزون الروحي العراقي والذي يشكل اساسه الاسلام العلوي – ان جاز التعبير - ... ؛ وتسلم بعضهم زمام السلطة بعد العام 2003 ؛ الا انهم فشلوا فشلا ذريعا في تحقيق امال الشيعة وتطلعات الاغلبية العراقية الاصيلة في الحياة الكريمة والعيش الرغيد ... ؛ ولا زالوا والى هذه اللحظة يخلطون بين تعاليم الاسلام النبيلة وبين سلوكيات احزابهم وتنظيماتهم السياسية الفاسدة والمشبوهة والمنكوسة ؛ ولأنهم يدعون التدين , ويتكلمون نيابة عن المتدينين ؛ صارت هذه الحركات والاحزاب والتنظيمات جزءا من الدين وتعبيرا عنه ؛ فلا يؤخذ الدين من سواهم ؛ وان الحقوا به افدح الاضرار المعنوية وشوهوا سمعته التاريخية .
فقد كرست بعض الحركات الإسلامية الشيعية لدى عموم العراقيين الاصلاء فكرة احتكارها للدين وأن المخرج من حالة الاستبداد والفقر والجهل والظلم ... ؛ هو تطبيق الشرع والذي قد يبيح لهم سرقة اموال الشعب والوطن بذرائع وحجج مختلفة ... ؛ ومن المعلوم ان هذه العوائل الدينية والحركات الاسلامية القشرية فقدت بريقها وشعبيتها ابان حراك الشيوعيين واليساريين والقوميين والبعثيين والعلمانيين والمثقفين في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم ... حتى ان اغلب ابناء العوائل الدينية وقتذاك ؛ ارتموا في احضان تلك الاحزاب المعارضة للدين جملة وتفصيلا ؛ الا ان اجرام النظام البعثي التكريتي ودموية السلطة آنذاك , واضطهادها لمختلف المعارضين وانقلابها على الشيوعيين ... ؛ دفع الاغلبية العراقية للتعاطف مع تلك الحركات والاحزاب ولو بصورة محدودة ؛ واستثمرت تلك الاحزاب والحركات هذا الامر ؛ ومارست دور الضحية , والاغلبية تتعاطف مع ضحايا الحكومات الطائفية بصورة عفوية ولا ارادية ... ؛ وبهذه الثنائية السياسية السلبية , حصدت تلك الاحزاب والحركات ثمارا لم تزرعها قط , وانما جادت بها يد القدر . (1)
وعليه لابد لنا من وضع دستور وطني وعرف عراقي متفق عليها بين كافة الفصائل والحركات والاحزاب والشخصيات والتوجهات الشيعية وبغض النظر عن عقائدها الدينية واراءها الاسلامية ؛ اذ اننا في هذا المقام نتحدث عن اغلبية سكانية ومكون اجتماعي لا عن طائفة دينية او مجاميع من الملتزمين دينيا بهذه المدرسة الدينية او تلك ... ؛ ويمثل كافة مصالح وتطلعات وتوجهات ابناء الاغلبية والامة العراقية ؛ بما يضمن حرية الرأي وسيادة الهوية الوطنية العراقية الاصيلة ؛ وهذا الامر يتطلب من الجميع التنازل عن بعض مطالبهم الشمولية ونظرتهم الدوغمائية وآرائهم الجزمية , و وضع قواعد سياسية وطنية واقعية وعلمية وركائز ثقافية تسود المشهد العراقي ؛ ولا يحق لأي شخص او جهة او فئة الخروج عليها ... ؛ كي نسدل الستار على صفحات الاتهام بالعمالة والتخوين , والتراشق بالسباب والشتم , ورفع الشعارات الطنانة والتشدق بالخطب والعبارات الرنانة ؛ ونعمل بروح الفريق الواحد ... .
....................................................
- 1- عن مقالتي : لا تحتكروا التشيع العراقي .