لعل احدكم يسأل ويقول : لماذا نحن نستشهد بما قاله المجرمون والجلادون والبعثيون ومن لف لفهم ؛ فيما يخص الجرائم والمجازر والاخطاء الفادحة والقرارات السياسية الهوجاء وغيرها من السلبيات ؛ ولا نعير اية اهمية لما يتفهون به ؛ اذا كان الامر يتعلق بتمجيد النظام ورجاله وتبييض صفحاتهم ...؟

والاجابة على هذه الاشكالية ؛ تتلخص بالنقاط التالية : 

اولا : الاقرار سيد الادلة , واقرار هؤلاء بالجرائم والمجازر , كاف لإدانتهم قانونيا وتاريخيا . 

ثانيا : بما ان هؤلاء الزبانية كانوا في قلب الحدث بل هم صانعوا الحدث , ومن المقربين للنظام والعارفين بكل اسراره وخفاياه , فمن الطبيعي ان يعرفوا اسرار جرائمه وتفاصيل مجازره ؛ فاذا ما تكلموا في هذه المواضيع صدقناهم , وذلك لكونهم الشهود على ذلك , ولاحتفاء شهاداتهم بالقرائن والسياقات التاريخية المؤيدة .

ثالثا : من قرائن صدق الحادثة التاريخية , شهادة الاشخاص الذين تتقاطع مصالحهم مع الشهادة ؛ فمثلا لو امتدح الشيعي الشيعة لشكننا في ذلك بسبب اواصر القرابة والتحيز في امثال تلك الشهادات , وكذلك لو شهد الصداميون والبعثيون  بخصوص النظام البائد وقاموا بمدحه والاشادة به , بينما لو انتقد الشيعي التشيع وكذلك فعل البعثي والصدامي بخصوص فضح جرائم النظام البائد ؛ لكانت هذه الشهادة اقرب للموضوعية والحيادية لأنها جاءت على خلاف المصلحة والدوافع العاطفية والمصلحة الشخصية . 

رابعا : الكذاب قد يصدق احيانا لاسيما ان كان كلامه محفوف بالقرائن المؤيدة ؛ لذلك جاء في المثل الشعبي العراقي الشهير : ((  يفوتك من الجذاب صدكن جثير   ))  وعلى الرغم من خلط البعثيون والصداميون والطائفيون  الصدق بالكذب ، والغث بالسمين ، والصح بالخطأ ، والسليم بالسقيم ،  الا اننا ومن خلال القرائن والاحداث والسياقات التاريخية والحقائق الناصعة ؛ نستطيع التمييز بين الحقيقة والوهم والحق والباطل واليقين والشكوك... . 

فما قاله المدعو ( ابو وسام ) التكريتي وغيره من سقط المتاع وحثالة زبانية العوجة وتكريت ومن لف لفهما ؛ بخصوص الجرائم الصدامية والمجازر البعثية والموبقات والآثام الشنيعة التكريتية ؛ نصدقها بلا تردد , وذلك لوجود القرائن الاخرى المؤيدة ؛ فمثلا : لو جاء شخص من رجال ستالين وقال لنا : ان ستالين قتل 5 الاف مواطن في ساعة واحدة ؛ لصدقناه بلا تردد , لان هذا الفعل ينسجم مع طبيعة ستالين الاجرامية , بينما لو جاءنا هذا الشخص وادعى : ان ستالين اقام صلاة الجماعة في احدى مساجد الاتحاد السوفيتي وعفى عن مليون مواطن روسي متهم بالخيانة ؛ لكذبناه ؛ لان هذه السمات الاخلاقية تتقاطع مع طبيعته الشخصية والاخلاقية المعروفة . 

واكمل شهادته قائلا : ((...   اني اسميه فرعون العصر ..لو تسالني هو اقوى لو الحجاج اني اقول هو لان وصلت بيه الحالة يعدم بناته ...))   اما بخصوص تسمية فرعون العصر ؛ فهذه التسمية قديمة واطلقها عليها احرار العراق منذ عقد الثمانينات من القرن المنصرم ؛ واما بخصوص مقارنته بالحجاج ؛ فقد سبقتك اليها ؛ اذ ذكرت في احدى مقالاتي وابحاثي التاريخية ان أسوء ثلاثة حكام حكموا بلاد الرافدين بعد الفتح الاسلامي ؛ هم : زياد بن ابيه – والحجاج – وصدام ؛ وصدام أقذرهم واكثرهم اجراما ... ؛ فلا تردد ما قاله الاخرون وتنسبه اليك ؛ واما بخصوص دعواك اليتيمة بأنه اراد ان يعدم بناته فلا صحة عليها بتاتا ؛ فمن المعروف ان دائرة العقاب تختص بالأمة والاغلبية العراقية واما ابناء الفئة الهجينة فتشفع لهم المحسوبيات والواسطات فما بالك ب بنات الطاغية نفسه , ولعلك تستشهد ببعض الحالات النادرة والشاذة هنا وهناك ؛ كإعدام المجرم فاضل البراك وغيره ؛ فهذه الاحداث لا تشكل قاعدة انما هي من شواذ القاعدة , وقد تحدث بسبب عوامل معقدة تتعلق بتصرفات ونفسيات المرضى من ابناء العائلة الحاكمة القذرة وزبانية العوجة وأوغاد تكريت  ؛ وصراعاتهم  من اجل المناصب والامتيازات او  للتقرب من الطاغية . 

واكمل شهادته  قائلا : (( ... ؛  60 بالمية او اكثر  من 70 بالمية من اهالي العوجة ما يعرفون هاي القصص ... ,  اهل العوجة بس يداوم بالجهاز بالمخابرات بالأمن ... ؛ بس ما شايف صدام  ...   )) صاحبنا ابو وسام (راد يكحلها عماها ) فهو من باب يريد ان يبرئ اهالي العوجة الجلادين من كل قصص الرعب والارهاب والاجرام التي يعرفها العراقيون بل والعالم اجمع , وكأنهم يعيشون في كوكب آخر غير الذي نعيش فيه ؛ ويعزو سبب  عدم معرفتهم بهذه القصص الرهيبة ؛ بأنهم كانوا من اعضاء الاجهزة الامنية القمعية كالمخابرات وجهاز الامن الخاص وغيرهما من غرف الظلام والعذاب التكريتية المرعبة واجهزة القمع الصدامية , ومن خلال ما تقدم نعرف ان 70 بالمئة من اهالي العوجة من المنتسبين للأجهزة الاجرامية القمعية , و الباقين ال 30 بالمئة من المنتسبين للمؤسسة العسكرية كالحرس الجمهوري والحمايات الخاصة وغيرهما من الاجهزة العسكرية الحساسة , والشيء بالشيء يذكر ؛ في احدى المرات سكر المدعو ( حجي عبد التكريتي ) في منطقة الدورة  وبالتحديد في بستانين منطقة هور رجب , وتبجح قائلا امام الحضور : (( يا ول احن 400 زلمه شنصير , وكل عراقي يرادله شرطي يوكف على راسوه ... )) فهؤلاء يعترفون بأنهم عماد الدولة ورجال النظام , واركان الحكومة , وعيون صدام على الشعب , فما من صغيرة ولا كبيرة الا واحصوها وعرفوها .

وكيف لا يعرفون بتلك القصص الرهيبة والاحداث الاجرامية والمجازر البشعة وهم ابطالها ... ؛ فهل من المعقول ان لا يعرف الجلاد الضحية و ان لا يعرف القاتل المقتول والذباح المذبوح  ...!؟ 

الذي يستمع الى ابي وسام التكريتي ؛ يعتقد ان اهالي العوجة الجلادين ؛ كانوا يعملون في روضات الاطفال او في المدارس الابتدائية او في دور العجزة والايتام ... ؛ الا يعلم ابو وسام بحقيقة تلك الاجهزة الاجرامية وما كان يفعل بها من مجازر وجرائر وجرائم يندى لها جبين الانسانية ؛ الا يعلم ابو وسام بماذا كان يجري في اقبية تلك الاجهزة الاجرامية ؟

فقد كانت العوائل تعتقل لأتفه الاسباب  ؛ أطفالاً ونساءً , وكانت العراقيات يعتقلن بشكل تعسفي ، ويتعرَّضن للركل والصقع بالكهرباء وتعليقهن من رؤوسهن ولشتى أنواع التعذيب وصولاً إلى الاغتصاب، وقد يجري ذلك أحياناً أمام أفراد من عائلاتهن ، وتُحتجز آلاف العراقيات لأشهر أو حتى لسنوات ، وقد يُحكَم عليهن بالإعدام في بعض الأحيان استناداً إلى اعترافات منتزعة تحت التعذيب ، وتشير التقارير إلى أن حوادث الاغتصاب التي أعلن عنها في معتقلات وسجون البعث لا تشكل  إلا 1 % من حجم جرائم الاغتصاب التي تعرّضت لها المعتقلات العراقيات، وتشتد حملات الاحتجاز والاعتقال للنساء في المراحل التي يتعرض فيها نظام  البعث التكريتي لهزات وتحديات ، إذ أن جدران السجون والمعتقلات ضاقت بالأعداد الكبيرة من السجينات المحتجزات، وفي أحيان كثيرة لا يتم الفصل بين المعتقلات والمعتقلين (1)  ... ؛ فكل هذه الاجهزة كانت عبارة عن ماكنة عذاب مستدام ؛ يشرف عليها صدام شخصيا , وهدفها الوحيد حماية النظام وارهاب الشعب وتخويف الامة العراقية ,  اذ لم تكن تلك الاجهزة الارهابية التكريتية الحاقدة معنية  بحماية الشعب  او العراق ... ؛ إنما وجدت  لحماية صدام و ارهاب  الشعب, من خلال السياسة التي انتهجوها وعملوا على توثيقها عبر جرائم قطع اليد أو قطع اللسان , أو كوي اللسان, وغيرها من الجرائم الاخرى, فتوثيقها الإعلامي يأتي ضمن سياسة الخوف وبث الرعب التي اعتمدها رجال النظام البائد  في جرائمهم , وهذه السياسة أي سياسة الرعب كانت حاضرة حتى في المجازر التي ارتكبت بعد 2003م, ولا سيما مجزرة سبايكر, التي حرص منفذو الجريمة على نشرها وهو أسلوب  فدائيي صدام نفسه ( 2) ؛ وهذا يدل على ان مجرم الامس هو نفسه مجرم اليوم  .  

..........................................................

  • 1-حزب البعث وانتهاك الأعراض – الجرائم المسكوت عنها / أ.د. حسين الزيادي . 
  • 2-جرائم فدائيي صدام في وثائق مركز تسجيلات الصراع (CRRC) / د. قيس ناصر / بتصرف .