تبقى القوانين والاجراءات الحكومية ؛ حبر على ورق , مادام الفساد مستشريا والمحسوبيات كالوباء المعدي الذي ينتقل من مكان الى اخر من دون عوائق تحد من انتشاره ؛ فمهما حاولت الحكومات العراقية التخفيف عن كاهل المواطنين او مساعدتهم في هذا المجال او ذاك ؛ او ايجاد حلول لهذه المشكلة او تلك ؛ باءت محاولاتها بالفشل الذريع , وتكللت حلولها الترقيعية بزيادة الازمة .
ومن هذه المشاكل المتعددة التي يعاني منها العراق والعراقيون ؛ مشكلة ارتفاع اسعار صرف الدولار ؛ وبادرت الحكومة العراقية لاتخاذ عدة إجراءات تهدف من خلالها الى ضبط سعر صرف الدولار , ومنها فتح نوافذ لتصريف الدولار للمواطنين العراقيين المسافرين وبشروط , اذ يتم على ضوئها تصريف الدولار للمسافر العراقي بسعر الصرف للبنك المركزي العراقي ( 1320 للدولار الواحد ) و الحد الأقصى للمبلغ المطلوب هو 3000 دولار أمريكي شهريًا للمسافر العراقي ؛ وكانت حصة المواطن الراغب بالسفر 10 آلاف دولار، وتم تخفيضها إلى ألفيّ دولار، لتتم زيادتها الآن بمقدار ألف دولار.
وكالعادة حولت المواطنين المسافرين الى مراجعة المصارف وشركات الصيرفة والتوسط – التحويل المالي - والتي هي جزء من المشكلة ؛ ان لم تكن اساس المشكلة ؛ وبعدها فتحت منافذ في المطار ثم غلقتها , وارجعت المسافرين الى المصارف كرة اخرى , وقبل يوم قرر محافظ البنك المركزي العلاق ؛ فتح منافذ للصيرفة في المطار... ؛ وهكذا دواليك ... ؛ وكان من المرجح ان تسهم هذه الخطوة بانخفاض سعر الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقي ؛ وجاءت النتائج عكسية اذ تجاوز سعر الصرف 163 الف دينار للمئة دولار ...!! .
والطامة الكبرى ان الحكومة اشترطت على المسافر اجراء معاملة التصريف المعقدة والروتينية خلال وقت اقصاه يومين قبل موعد السفر او يوم في بعض الحالات ؛ والكل يعرف صعوبة المعاملات النقدية والاجراءات الحكومية البيروقراطية القاتلة ؛ واليكم بعضا من معاناة المسافرين فيما يخص هذا الجانب ؛ فالمسافر عادة قبل السفر ب 24 ساعة يستعد لإعداد الحقائب والامور الضرورية الاخرى وليس لديه متسع من الوقت لمراجعة دوائر ومصارف وشركات اعدت للنصب والاحتيال والمماطلة واللف والدوران و ( بهذلت المواطن وتعذيبه ) , وهذا الامر واضح للعيان ولا يحتاج منا الى برهان ... ؛ فقد ادلى بشهادته المواطن فلاح عبد الحسن والذي يروم السفر لأداء العمرة بمعية زوجته ؛ قائلا : (( ذهبنا الى 9 مصارف وكلها تتدعي ان الاموال قد نفذت , ومن ثم ارشدنا البعض الى مصرف حكومي في الاعظمية / شارع المغرب ؛ ودخلت و وجدت المسافرين يستلمون المبالغ المقررة , وعندما وصل الدور الي , سألتني مديرة المصرف , وعندما علمت اني من اهالي الحبيبة ومن الطائفة الشيعية ؛ نهرتني قائلة : جاي مناك الي , روح ما عدنه اموال حاليا ... ؛ وهكذا استمرت المعاناة لليوم الثاني , والبحث جاري عن المصارف او المكاتب التي تصرف الدينار بالدولار وبالسعر الرسمي المقرر ؛ الا ان محاولاتي باءت بالفشل , ورجعت بخفي حنين ...!! )) .
بينما يتحدث المواطن سمير علي ؛ قائلا : (( عندما كانت اجراءات التصريف في مطار بغداد ؛ كان احد السماسرة يذهب الى الحمامات وهناك وسط النجاسة والغائط يتم تصريف الدولار للمسافرين ؛ هروبا من تصوير الكاميرات ... ؛ وكانوا ابالسة التصريف في المطار يتعمدون تأخير اجراءات الصرف , وبعد اخذ مستمسكات المسافر , يماطلون في تسليمه المبلغ , وعندها يقترب موعد اقلاع الطائرة فيذهب المسافر الى الطائرة مسرعا وخائبا ؛ والسماسرة في المطار يستولون على مبلغ التصريف فيما بعد , وهكذا تستمر عمليات الاحتيال وفي وضح النهار )) .
وادلى المواطن محمد علي بشهادته قائلا : (( عندما راجعت المصارف ومنافذ التصريف , واجهت المصاعب الكثيرة , وعندها اخبرني احدهم بوجود سماسرة , يسهلون العملية وذلك من خلال دفع مبلغ يتراوح من 100 الى 200 الف دينار لقاء تصريف مبلغ 3000 دولار , وقد اضطررت لدفع مبلغ 100 الف لقاء الحصول على المبلغ , اذ علمت من هذا الشخص ان هذه المصارف ومنافذ التصريف ؛ تقوم بدفع نصف المبلغ المقرر للمسافرين من اصحاب الواسطات والمحسوبيات اولا والمواطنين العاديين ثانيا , وباقي المبلغ يتم بيعه على المسافرين ...)) .
ولو كانت الحكومة جادة في مساعدة المواطنين ؛ لفتحت اكثر من 20 منفذ في كل مطار , وتعمل لمدة 24 ساعة , ومراقبة من قبل قوى الامن الوطني والامن الاقتصادي و النزاهة ومنظمات المجتمع المدني النزيهة , ولأكتفت بتقديم جواز السفر والتذكرة فقط , من دون اجراءات روتينية اخرى , واخذت المبلغ بالدينار العراقي من المسافر نقدا او بواسطة بطاقات الدفع الالكترونية ؛ واعطته المبلغ بالدولار بنفس الطريقة , وبسرعة قصوى ؛ ضمانا لانسيابية العمل وحصول المسافر على المبلغ المقرر من دون الاخلال باللحاق بموعد اقلاع الطائرة , وتسجيل اسماء المسافرين ؛ لئلا يتم التلاعب بمقدرات البلد واستغلالها من قبل اصحاب النفوس المريضة .
وتناهى الى سمعي ان بعض شركات السياحة وبالتعاون مع المصارف ومنافذ بيع العملة الفاسدة والمشبوهة ؛ استغلت هذه الخطوة في بداية الامر , وقامت بإرسال البعض للسفر مقابل الحصول على فرق التصريف , بل ان بعضها استخدم جوازات المواطنين من دون علمهم في هذه العمليات الفاسدة , مما ترتب عليه , فرض ضرائب باهظة على هؤلاء المواطنين الابرياء المغفلين ...!!