Image title

الآية التي أمامي الأن هي من أواخر سورة الأعراف :

أعوذ باللهِ من الشــيطان الرجيـم .

(خذ الـعـــفو وأمر بالعُرف وأعرض عــن الجاهــليــــــــــن ) يالها من آية ومنهج يحفظ لك نفسك ومشاعرك ومجـتمــعك , وهذا هو القرآن ولاعجب ؛ غذاء للأرواح ودواء للقلوب وتزكية للنفوس يُريد ممن يقرأه أن يرتقي ويسمو ويكون على برجٍ عال بالخِلال الطيبة والصفات الحميدة .

كلما ارتقى فكرُ الإنســان كلما اتسعت المفازة بينه وبين التوافه ( وأعرض عن الجاهليـن ) إعراضك عن الجاهل لايعدُ ضُعْفا بل قوةً وعُلوا , ولاخَورا بل رِفعة وسُموا

إن الجاهلَ قد يتمثل لك في صور عدّة , يأتيك متربعا في صدر المجلس يرمي نِصاله عليك ليصدَع هيبتك , ويرمي شباك كلماته ليصطادك ويحرجك ؛ ولاشيء أشد عليه مما ورد في الآية الكريمـة ..( وأعرض عن الجاهليـن ) لأن الإعراض يُصاغره حتى يكون كالذرّ لايَكاد يُرى , ولو هاترته وجادلته لتعاظمَ وظنَّ نفسه شيئًا مذكورا ؛ وحَسبَ أنه على شئ وماهو بشيء ..

وإني لأذكر موقفا يبين لك جدوى الإعراض عن الجاهل , حيث وقع حادث مروري بيني وبين شخص آخر , فنزل من سيارته يزبد و يرعد ويتلفظ بألفاظ نابية ؛ رغم أن الخطأ صدر منه ؛ فما رددت عليه إلا بحمد الله على سلامتنا جميعا ؛ ولما كان من الغد اجتمعنا في إدارة المرور ثبت له أن الحق معي , فإلفتت إليَّ مطرقًا برأسه خجلاً معتذرا عما صدر منه من سوء تصرف , فكان إعراضي عنه وقتها كالخيزران على ظهره , ودرساً تأديبيا لن ينساه طوال حياته , فالشدة والقوة والمفخرة ليست في الصرعة وانفلات الأعصاب ورمي الألفاظ والسِباب ؛ إنما في ضبط النفس وامتلاك زمامها , والسمو بها عن سفاسف الأمور .. وماتوفيقي إلا بالله

قال بعض العلماء : الناس رجلان : فرجل محسن ، فخذ ما عفا لك من إحسانه ، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه . وإما مسيء ، فمره بالمعروف ، فإن تمادى على ضلاله ، واستعصى عليك ، واستمر في جهله ، فأعرض عنه ، فلعل ذلك أن يرد كيده ..

 ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهـليــن ) تذكرُ هذه الآية عند الغضب كالماء الباردِ على صَفيحٍ مُلتهب ..


عن  ابن عباس قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيفة ، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس - وكان من النفر الذين يدنيهم عمر - وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته - كهولا كانوا أو شبابا - فقال عيينة لابن أخيه : يابن أخي ، لك وجه عند هذا الأمير ، فاستأذن لي عليه . قال : سأستأذن لك عليه . قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعيينة ، فأذن له عمر  رضي الله عنه  فلما دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب ، فوالله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل . فغضب عمر حتى هم أن يوقع به ، فقال له الحر : يا أمير المؤمنين ، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافا عند كتاب الله ، عز وجل .. والعرف هو المعروف ويدخل بذلك جـميـع الطاعات والأخلاق الفاضلة .

قال عليه الصلاة والسلام ( إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) رواه أبو داود . ومن يتأمل في نصوص الشريعة يرى أن الأجور الكبيرة لاتكون إلا للأعمال العظيمة التي يكون فيها مشقة وصعوبة ؛ ويدخل ضمن ذلك حسن الخلق فما كل يستطيعه فالموفق من وُفق له .

وأختم بأبيات جميلة سبكهما أبو الفتح البستي على غرار الآية الكريمة :

خذِ العفوَ وأْمرْ بعرفٍ كما              أُمرت وأعرضْ عن الجاهلين

ولِنْ في الكلامِ لكلِّ الأنامِ              فمُسْتَحْسَنٌ مِن ذوي الجاهِ لين .

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لايصرف عنا سيئها إلا أنت .