‏في مثل هذا اليوم قبل ربع قرن من الزمن سمعت الدنيا بكاء طفل وليد، نفس الطفل الآن يعجز عن البكاء كلما انكسر له حلم ،‏كان حالماً ، يلعب مع الأطفال يراهم يبنون أحلامهم بطين الأرض فيرسم سكة أحلامه بالسماء، حتى الشمس كان يظنها ثمرة سيقطفها حين يكبر ، ‏‏كان يظن الزمن سيسبقه ، تعلم الجري بعد الحبو ليلحقه، ولا زال يجري في كل اتجاه يراه بنفس فضوله الطفولي وبخطوات أثقل مما اعتادته الطرقات منه ، ‏كانت تعيده أمه كلما ابتعد عنها واليوم هو من يعود لها برأس مثقلٍ بالحياة وبعناد الطفل كان يضع رأسه بحجرها أمام استغرب أبناء أخوته وضحكاتهم ،‏حين كان يمشي بجانب أبيه كان يتعلق بيده الكبيرة وهو يدلع لسانه كأنما يتحدى الزمن ، اليوم يدلع الزمن لسانه له وهو يرى والده يتألم في جلسة علاج ،‏أنهى دراسته ودخل الجامعة وصار يحلق ذقنه كالكبار، لكنك لازلت تسمع منه صوت الطفل الأول حين يبرر أخطاءه بنفس العناد واللامنطقية القديمة ، ‏وبنفس الأحلام والخيال والأمل لا زال ذاك الطفل يمشي بخطوات متعثرة تترك آثار أعمق وأكبر من قبل، وبخوفه القديم يكثر الالتفات كي لاتسبقه الحياة.