لا شك أن ديننا الإسلامي منهج شامل لكافة جوانب الحياة عقيدة و شريعة عبادات ومعاملات دين ودولة يمزج بين المادية والروحانية في إطار متوازن.
وهذه الشمولية في التربية تبدأ من تكوين الشخصية الإسلامية عقيدة وشريعة ومشاعر وشرائع ووجدان وموضوعية ويتخذ من الدين سنداً له في كافة معاملاته ومنها الاقتصادية.
وأما الشمولية في التربية الاقتصادية قد شملت كل مناحي الحياة لتُربي فرداً مقتصداً سلوكاً وعملاً وقولاً.
فالتربية موجهة أولاً إلى القلوب والنفوس ثم إلى الجوارح ومن حصادها السلوك الاقتصادي الإسلامي لذا تعتبر التربية الاقتصادية جزءاً من منظومة التربية الإسلامية لا ينفصم عنها طبقاً للفهم الصحيح للإسلام الذي يشمل كل نواحي الحياة ” شمولية الإسلام “.
وهذا عكس الفهم العلماني الذي يفصل الدين عن الاقتصاد ويكمن دور التربية الاقتصادية في التركيز على الإنسان فهو مناط التربية فإذاصلح الفرد صلحت الأسرة والمجتمع والدولة والأمة وتصبح قوة فعالة قائدة ورائدة ومقدامة في كافة جوانب الحياة ، ولذا من المهم أن تحرص الأسرة عند عملية تشكيل السلوك الاقتصادي للأبناء والذي يتم من خلال استدخال ثقافة التربية الإسلامية الشاملة في بناء الشخصية بأن تولي اهتماماً وعنايةً على أن تغرس في نفوسهم تعاليم الإسلام في الجانب الاقتصادي وهي تعاليم مثالية لا يمكن مقارنتها بغيرها من النظم الاقتصادية الوضعية.
وإن كانت هذه النظم قد حققت تقدماً اقتصادياّ كبيراّ إلا أن هذا لا يعني أن نظام الإسلام الاقتصادي هو سبب التخلف الاقتصادي إنما هو من تقصيرنا في العمل والإنتاج فعليها أن تُنّشئ جيلاً يتعامل مع الجوانب الاقتصادية في حياته بكفاءة بما يتفق مع مقاصد وأهداف التشريع الاسلامي وأن ينضبط بمنهج السلوك الرباني النبوي المعتدل شكلاّ ومضموناً بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع.
وعليها أن توفر فرصة للطفل للمشاركة في عمليات الاختيار والشراء والصرف على بعض الاحتياجات لإكسابه مهارة البيع والشراء وحسن إدارة المصروف المالي والإعداد والتقدير والتوزيع والقيام ببعض الإصلاحات المنزلية وكل ذلك بما يتناسب مع عمره وقدراته.
وأيضا مناط بالأسرة أن تعلم أطفالها أنه ينبغي العناية بإنتاج ما هو ضروري لحياة الإنسان وعدم الحرص على إنتاج كماليات الحياة وضرورياتها معدومة في المجتمع.
ولأن الأسرة وحدة هامه من وحدات الاستهلاك في المجتمع فإن من الأهمية أن يتعلم كل فرد فيها السلوك الاستهلاكي السليم وفي المقابل تحرص على إحياء مفهوم القيمة التنموية للادخار في نفوسهم لما تعكسه هذه القيمة من آثار إيجابية على اقتصاديات الأبناء والأسرة بحيث تصبح هذه القيمة جزء أصيلاً من تكوين شخصية الأبناء من الجهة الفكرية ومن جهة السلوك الاستهلاكي.
وتتمثل القاعدة القرآنية التي يقوم على أساسها الادخار في قوله تعالى (كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) سورة الأنعام .
( كلوا من ثمره إذا اثمر ) بند خاص بالاستهلاك. (واتوا حقه يوم حصاده ) بند خاص بالتوزيع. ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) بند خاص بالادخار.
فإن حسن التدبير قاعدة ذهبية تشكل المدماك واللبنة الأولى لواقع اقتصادي متوازن ومدروس لكل أسرة.
فعن أنس مرفوعًا: “التدبير نصف المعيشة .
وفي الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور )) رواه مسلم.
فمن واجب الآباء تجاه أبنائهم غرس حب الاعتدال ومن ذلك الاعتدال في الانفاق.
فكم من شخص ارتبكت حياته ارتباكاً خطيراً في الظروف الاستثنائية والحالات غير العادية التي تشهد تقلبات في السوق وارتفاع في الاسعار.
وقديماً قيل في المثل النجدي ثلث المكدة حطها في بعارين ” الاستثمار ” وثلث تخرج منه واضبط حسابه ” المصاريف ” والثلث الآخر صك دونه كوالين ” الادخار “.
ومما لاشك فيه أن السلوك الادخاري هو الوجهة الصحيحة لخدمة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية.
ولا يمكن أن نغفل عن الدور الريادي للمؤسسات التربوية والاجتماعية في دعم نهضة الدولة من خلال التربية الاقتصادية فعليها أن تحرص على أن يتلقى الناشئة التعليم الذي ينعكس إيجاباً على سلوكهم الإنتاجي والاهتمام بتوجيه التحصيل العلمي إلى المجالات التي يحتاجها المجتمع وأن تساهم بدورها في الكشف عن ميول الناشئ واستعداداته وقدراته ونزعاته وتنميتها في اتجاه العمل والإنتاج.
أيضا تنمية القدرة لدى الأفراد على التمييز بين الاعلانات المختلفة المتصلة بالسلع وكذلك تنمية الذوق والذكاء والفهم لدى النشء فيما يتصل بعمليات الاستهلاك لأن أنماط الاستهلاك تتأثر بما يتكون لدى الفرد من خلفية علمية.
أيضا الاسهام في بناء القيم والاتجاهات المعززة للعملية الانتاجية ومن ذلك الاعلاء من قيمة العمل بمختلف أشكاله ومجالاته وأهمية الاخلاص فيه وإتقانه ونبذ الاتكالية والنزعة الاستهلاكية والمظهرية.
همسة [ التربية الاقتصادية في الاسلام ماهي إلا غصنٌ نظر في جذع شجرة وارفة ]