ان كانت هنالك طريقة واحدة لوصف اسحاق عظيموف، فإنها أنه كان غزير الكتابة.

حتى تعادل عدد الروايات، الرسائل، المقالات والخربشات الأخرى التي أنتجها عظيموف طيلة حياته، فهذا يعني أنه عليك أن تكتب رواية طويلة كل أسبوعين طيلة خمس وعشرين سنة.

كيف استطاع عظيموف أن يأتي بكل هذه الأفكار الجيدة بينما الواحد منا قادر على القدوم بفكرة أو فكرتين نيرتين طيلة حياته؟ حتى أجيب عن هذا السؤال بحثت في في سيرة عظيموف الذاتية It's been a good life.

عظيموف لم يولد قادرَا على الكتابة لثمان ساعات يوميا بشكل أسبوعي، لقد مزق ما كتب وفشل مرارًا وتكرارًا. يشارك عظيموف في سيرته الذاتية الطرق والإستراتيجيات التي طورها حتى لا ينفذ قطّ من الأفكار.

لا تتوقف أبدًا عن التعلم

لم يكن عظيموف كاتب خيال علمي فقط، لقد كان حاصلا على دكتوراه في الكيمياء من جامعة كولومبيا، لقد كتب في الفيزياء والتاريخ القديم، بل وكتب أيضًا عن الكتاب المقدس.

كيف كان باستطاعته الكتابة في كثير من المجالات بالرغم من عيشه في عصر التخصص المحدود؟

عكس "مهنيّي" عصرنا هذا، لم يتوقف تعلم عظيموف عند حصوله على شهادة؟

لم يكن باستطاعتي كتابة العديد من الكتب المتنوعة عبر المعرفة التي حصلت عليها من المدرسة فقط، كان علي أن أضع برنامج تعليم ذاتي. كبرت مكتبة مراجعي ووجدت نفسي أقرأها بتركيز نظرا لخوفي من أن أسيء فهم نقطة قد يعتبرها شخص عالم بالموضوع أمرًا بسيطًا جدًا.

لنملك أفكارًا جيدة، علينا أن نستهلك أفكارًا جيدة أيضا، الشهادة ليست النهاية بل هي البداية.

في صغره قرأ عظيموف عن كل شيء.

خلّفت هذه القراءة المتنوعة التي كانت نتيجة لغياب التوجيه أثرًا دائمًا. لقد كانت اهتماماتي كثيرة وما زالت، لقد كتبت عن الميثولوجيا والكتاب والمقدس وشيكسبير والتاريخ وغيرها من المواضيع...

اقرأ في مختلف المجالات، اتبع فضولك، لا تتوقف أبدًا عن الاستثمار في نفسك.

ﻻ تقاوم العجز عن الكتابة

من الجيد معرفة أن عظيموف وجد نفسه مرات عاجزًا عن الكتابة، وهذا شيء أعاني منه أيضًا.

عندما أعمل على كتابة شيء جديد، أجد نفسي أحيانًا كثيرة ضجرا وغير قادر على كتابة كلمة واحدة إضافية.

العجز عن الكتابة أمر عادي، يحدث للجميع، لكن ما يفرق المحترف عن المبتدئ هو ردة الفعل تجاهه، فإن عظيموف لم يدع للعجز أن يردعه، لقد طور استراتيجية خاصة به...

لا أحدق في صفحات الورق البيضاء، ولا أقضي الأيام والليالي محاولا العثور على أفكار جديدة، أقوم بدلا من ذلك بترك ما أعمل عليه وأشتغل على الأعمال الأخرى الكثيرة الموجودة على لائحة الانتظار، قد أكتب مقالا، أو قصة قصيرة، أو أعمل على أي من كتبي غير الأدبية. عندما أمل من هذه الأشياء أكون قادرا حينها على العودة إلى العمل الأول والعمل عليه بسهولة.

عندما كنت أكتب هذه المقالة وصل بيَ التثبط لدرجة أنني أهملتها وعملت على مشاريع أخرى لمدة أسبوعين، اﻵن وبعد أن أصبح لي بعض من الفراغ يبدو العمل عليها سهلا كثيرًا.

يشتغل الدماغ بطرق غامضة، عن طريق التنحي وإيجاد مشاريع أخرى يصنع عقلنا الباطن مساحة تسمح للأفكار أن تظهر.

ترقّب المعارضة

يعرف جميع الإبداعيين سواء كانوا رياديي أعمال أو كُتابًا أو فنانين الخوف من القدوم بشيء جديد، ففور أن نقدم شيئًا للعالم فإنه يصبح معرضًا دائمًا للرفض والنقد من ملايين الأعين الغاضبة.

يتعراني الخوف بعد كتابة مقال ما لدرجة أنني أتجاهل بعض المرات قراءة التعليقات أو مطالعة البريد الوارد.

هذا الخوف هو عدو الإبداعي الأعظم، في كتابه The War of Art يعطي Steven Pressfield هذا النوع من الخوف اسما، إنه يسميه المعارضة Resistance.

عظيموف يعرف جيدا المعارضة:

إن الكاتب العادي محتم عليه أن يكون مليئا بالمخاوف وهو يكتب، تراوده أفكار مثل: هل السطر الذي كتبته للتو جيد؟ هل هو مكتوب على أفضل وجه؟ هل سيكون أفضل لو كتبته بطريقة أخرى؟ ولذلك فإن الكاتب العادي دائمًا ما يعيد المراجعة، دائما يحذف ويعدل، يحاول التعبير عن نفسه بطريقة مختلفة، ودائمًا غير راض عن عمله.

الشك بالذات يقتل العقل.

أنا محرر عنيد، لقد عدلت هذه المقالة أكثر من مرة واحدة، ما زالت سيئة، لكن علي أن أتوقف الآن أو ربما لن أنشرها أبدًا.

خوفنا من الرفض يجعل منا "مثاليين"، لكن تلك المثالية مجرد حصن، نعود إليها عندما تكون لا تسير الأمور على طريقتنا، فهي تمنحنا الأمان، لكنه أمان كاذب.

الحقيقة هي أن جميعنا نملك أفكارًا، لكن الفريق بيننا وبين عظيموف هو أننا نرفض أفكارنا قبل أن نعطيها فرصة.

اخفض توقعاتك

كان عظيموف ضد فكرة البحث عن المثالية، فهو يؤمن أن محاولة القيام بشيء بشكل صحيح في المحاولة الأولى خطأ كبير، تعلم الأساسيات أولا، يقول عظيموف.

اعتبر نفسك فنانا يرسم مخططا (مسودة) حتى تتشكل له فكرة عن اللوحة النهائية، يبدأ بالألوان، ثم الإنسجام، وغير ذلك، بعد أن ينهيها يحين وقت التفكير باللمسات النهائية.

لا تحاول أن ترسم الموناليزا من أول وهلة، اخفض توقعاتك، ارسم أولا مخططا تجريبيا أو مسودة.

يؤكد عظيموف على ضرورة الثقة بالنفس،

لا يجب على الكاتب أن يبقى شاكا في جودة عمله، عليه أن يحب كتاباته. أنا أحب ما أكتب.

عليك أن تملك الإيمان فيما تصنع، هذا لا يعني طبعًا أنه عليك أن تخرج بعمل عالمي كل مرة، إن الثقة بالنفس الحقيقة هي محاولة الجديد والفشل بشكل ذريع في ذلك، وامتلاك القوة للنهوض من جديد.

اصنع المزيد

ينصح عظيموف بصنع المزيد من الأشياء علاجا للمثالية.

عندما ينشر الكاتب كتابًا ما، عليه أن لا يمضي وقته في القلق عن ردة فعل الآخرين أو كم نسخة ستباع من الكتاب، بل عليه في ذلك الوقت أن يكون قد نشر أعمالا أخرى ويعمل على كتب جديدة وهذا ما يجب أن يكون أول أولوياته، هذا يزيد من السلام والهدوء في حياته.

ما يقصد عظيموف أنه إن كانت لديك أعمال جديدة كل أسبوع، فإنك لن تملك الوقت للتفكير في الفشل.

لهذا السبب أكتب عدة مقالات أسبوعيا بدل التركيز على مقالة واحدة "مثالية"، أتألم حينها بشكل أقل عندما لا أنجح في شيء ما. إن التنوع حماية للعقل.

السر

كان لعظيموف صديق، وقد كان كاتبا يعاني من فترة من الفتور، وسأله سؤالا: من أين تأتي بأفكارك؟ رد عليه عظيموف: "أفكر وأفكر وأفكر حتى أقدم على قتل نفسي. (...) هل ظننت أن القدوم بفكرة جيدة أمر سهل؟"

قضى عظيموف الكثير من الليالي وحيدا مع أفكاره،

لم أستطع النوم البارحة فقعدت مستيظقا أفكر في مقالة لأكتبها، قعدت أفكر وأفكر وأبكي على الأجزاء الحزينة. لقد حظيت بليلة رائعة.

لم يقل أحد أن الأمر سيكون سهلا، فلو كان كذلك لما كان له قيمة.


هذه ترجمة بتصرف لمقال Isaac Asimov: How to Never Run Out of Ideas لكاتبه Charles Chu.