لم يكن الشاب العراقي عمر الجميلي، يعتقد أن رصاصة طائشة ستنهي حياته في أميركا، التي هاجر اليها تاركاً بلده المضطرب. في بداية شهر مارس/آذار الماضي، أخرج عمر هاتفه الذكي وبدأ يلتقط الصور مع أخيه وزجته، في ولاية تكساس الأميركية، فجأة باغتتهم رصاصات، ووقع الثلاثة في مرمى نيران مجهولة أمام منزلهم، على الفور سقط عمر مصابا بالرصاص، وفارق الحياة بعدها بساعات.

أثارت الحادثة السابقة سخطاً عارماً وسط الجاليات الإسلامية، بسبب تقاعس الإعلام الأميركي في تغطيتها، ولأنها جاءت بعد أسابيع فقط على جريمة تشابل هيل (ولاية نورث كارولاينا) التي قتل فيها ثلاثة مسلمين من عائلة واحدة على يد أحد المتعصبين.

في محاولة للوقوف على واقع الوجود الإسلامي في أميركا، وثّقت “العربي الجديد” 9 حقائق عن مسلمي أميركا في التحقيق التالي.

أول مسلم في أميركا مغربي

بعد القرن الخامس عشر بدأت موجات مستمرة من الهجرات الاستكشافية إلى القارة الأميركية، خاصة وسط المضطهدين دينياً في أوروبا. وصاحب ذلك تشريع تجارة العبيد وتنامي اصطيادهم في القارة الأفريقية.


شارك مصطفى الأزموري في استكشاف ولاية فلوريدا وغيرها من الولايات الجنوبية، إضافة إلى المكسيك لمصلحة الإمبراطورية الإسبانية عام 1500

وقتها قام البرتغاليون بشراء شاب مغربي معروف في التاريخ الأميركي بإستيفانيكو (واسمه الحقيقي هو مصطفى الأزموري) نسبة إلى منطقة أزمور المغربية، وكان أول عربي مسلم تطأ قدمه “العالم الجديد”.

يقول أستاذ الحضارات في جامعة نيو إنغلاند أنور مجيد لـ “العربي الجديد” إن: “المجاعة وانتعاش سوق الرقيق في المغرب آنذاك، دفعا عائلة الأزموري لبيع ابنها (مصطفى) في عام 1500 للبرتغاليين”. وأضاف أن “رحالة إسبانياً اشتراه من البرتغاليين، وشارك معه في استكشاف ولاية فلوريدا وغيرها من الولايات الجنوبية، إضافة إلى المكسيك لمصلحة الإمبراطورية الإسبانية”.

وكان مصطفى الأزموري، بحسب كتاب دليل تكساس The Handbook of Texas حول تاريخ الولاية، أحد أربعة رجال نجوا من الجوع والعطش وسهام الهنود من أصل 600 شخص، بدأوا في الرحلة الاستكشافية للعالم الجديد مدة ثماني سنوات بقيادة المستكشف الإسباني بانفيلو دي نارفاييز.

المسلمون الأوائل: موريسكيون

بعد سقوط الأندلس عام 1492 اضطر المسلمون للهجرة إلى خارج إسبانيا، ومن الوجهات المتعددة التي قصدوها، بالإضافة إلى شمال إفريقيا، أميركا الشمالية، بعد اكتشاف أميركا من طرف كريستوف كولومبوس عام 1492 (عام سقوط غرناطة) اضطر المكتشفون إلى تعمير الأرض الجديدة، وذلك لكون السكان الأصليين لم يتأقلموا مع المكتشفين، ولم يقبلوهم، وكانوا يرونهم أعداء لهم، فاضطر المعمرون لجلب اليد العاملة من الخارج.

ويؤكد أنور مجيد أن “الموريسكيين استغلوا هذه الفرصة، وصاروا يغادرون وطنهم (الأندلس) تحت ستار نشر المسيحية مع المسيحيين ظاهريا، أما غرضهم الأساسي فكان الهروب من رقابة محاكم التفتيش”.

استقر الموريسكيون في العالم الجديد وساهموا في تعميره وازدهاره بخبرتهم في إصلاح الأراضي وزراعتها. وكان هؤلاء المهاجرون متعددي المهن والحرف من مزارعين وبنائين ونجارين، فحملوا معهم فنهم وعملهم، وتركوا بصمات في مبانٍ بولايتي فلوريدا وكاليفورنيا اللتين كانتا تابعتين لإسبانيا قبلاً.

يذكر الباحث الأميركي يير فنك في نشرة دورية يصدرها عن آثار الموريسكيين أو المدجنين في أميركا أن “الفن المدجن هو ثمرة المهن الإسلامية المتبقية في قرى الوسط والشمال الشرقي لإسبانيا”.

إمام مسلم قاد تمرداً في جورجيا

هو إمام مسلم يدعى ابن علي محمد. وفي الوثائق الأميركية، التي اطلعت عليها “العربي الجديد” في مكتبة الكونغرس، يدعى الإمام بـ”بلالي محمد”. تروي الوثائق أن الإمام تم حشره مع العبيد من غينيا إلى جزيرة سابيلو قرب شاطئ ولاية جورجيا الأميركية عام 1803، كان يؤم نحو80 عبدا مسلما يعملون في مزارع في جورجيا. وخلال حرب 1812 استطاع بلالي أن يقود رجاله لصد هجمات الجنود البريطانيين على الجزيرة.

وعرف عن بلالي أنه كان يصوم رمضان ويرتدي زي المسلمين ويصلي الصلوات اليومية الخمس. وفي عام 1829 ألّف بلالي وثيقة باللغة العربية عرفت بـ”الرسالة” عن العقيدة الإسلامية والأحكام الفقهية، وهي محفوظة الآن في جامعة جورجيا.

عالم سنغالي في براثن العبودية

ولد العالم السنغالي بن سعيد لأسرة مولعة بالعلوم الشرعية. واسمه كما هو مذكور في الوثائق التاريخية في مكتبة الكونغرس عمر بن سعيد. تشير الوثائق إلى أنه ولد عام 1770 وأمضى 25 عاما يدرس على يد علماء مشهورين في غرب أفريقيا.

وقبض عليه عام 1807 خلال صراع عسكري وبيع في سوق للنخاسة. بعدها سيق إلى الولايات المتحدة حيث عاش في ولايتي ساوث كارولاينا ونورث كارولاينا. ومع أنه بقي مستعبدا فيما تبقى من حياته إلا أنه ألف 14 كتابا باللغة العربية عن الإسلام والتاريخ، إضافة إلى سيرة حياته بين الحرية والعبودية، كتبها عام 1831.

25% من المسلمين الأميركيين عرب

في عام 2004 أجرت مؤسسة زغبي Zogby الدولية دراسة عن المسلمين في أميركا ووجدت أن العرب يشكلون نحو 25 في المائة من مسلمي أميركا، بينما يشكل المسلمون من جنوب آسيا (باكستان والهند وبنغلادش) نحو 30 في المائة.

أما الأميركيون السود، الذي اعتنقوا الإسلام، فيمثلون نحو 25 في المائة من الأميركيين المسلمين، وذلك وفقا للإحصائية. ويمثل الـ20 في المائة الباقية مسلمون من إيران وأفغانستان وأندونسيا وأفريقيا جنوب الصحراء ومسلمو البلقان والأميركيون من أصل لاتيني، والأميركيون البيض.

وأكدت دراسة جديدة أجراها مركز بيو الأميركي، أنه بحلول عام 2050، من المتوقع أن يفوق المسلمون عدد اليهود في الولايات المتحدة، ليصبحوا بذلك أكبر تجمع ديني بعد المسيحية في هذا البلد.

80% من المسلمين الأميركيين يحملون الجنسية

أظهرت دراسة أعدها مركز بيو عام 2007 أن 81 في المائة من مسلمي أميركا حاصلون على الجنسية الأميركية. كما أن 65 في المائة من المسلمين البالغين في أميركا ولدوا خارجها، و15 في المائة من المسلمين هم من الجيل الثاني، أي أن أحد الأبوين أو كليهما ولد خارج الولايات المتحدة.

معتنقو الإسلام: رجال سود ونساء بيضاوات

وجدت دراسة أميركية نشرتها مجلة “الدراسات الدينية” أن الأميركيين الذين يقبلون على اعتناق الإسلام معظمهم من الرجال السود والنساء البيضاوات. وقد أكدت أيضا دراسة لمركز بيو للأبحاث، أن معظم الأميركيين السود الذين يعتنقون الإسلام هم من الرجال، أما غالبية الأميركيين البيض الذين يعتنقون الإسلام فهن من النساء.

ويكفل التعديلان الأول والرابع عشر من الدستور الأميركي حرية الأديان ويجرم إصدار تشريعات من شأنها التضييق على هذه الحرية. كما حظر قانون “استعادة الحريات الدينية” إصدار أي قوانين أو اتخاذ إجراءات على مستوى الحكومة الفيدرالية تعيق حرية ممارسة الأديان.

ألفا مسجد في أميركا

بلغ عدد المساجد في الولايات المتحدة 2106 مساجد في عام 2011، وفقا لدراسة أعدها أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة كنتاكي إحسان باغبي، بزيادة قدرها 74 في المائة عن عام 2000، في حين لم يكن في أميركا سوى 1209 مساجد. ويرجع الباحث ارتفاع أعداد المساجد في أميركا إلى ارتفاع أعداد المسلمين اللاجئين من العراق والصومال والبوسنة، وبعض الدول الأفريقية.

وتعتبر نيويورك الولاية ذات أكبر عدد من المساجد (257 مسجدا)، تليها كاليفورنيا (246 مسجدا)، ثم تكساس (166 مسجدا)، ثم فلوريدا (218 مسجدا)، ثم ولايتي إلينوي ونيوجيرزي (109 مساجد لكل منهما).

أكبر مسجد في أميركا يجمع السنّة والشيعة

يقود “المركز الإسلامي في أميركا” في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان مبادرة جمع شمل العرب السنّة والشيعة. وقد تأسس هذا المسجد في عام 1964، وأعيد بناؤه عام 2005 ليتسع لثلاثة آلاف مصل. ويرتاد الشيعة بشكل كبير هذا الجامع بمدينة ديربورن، التي تعتبر أكبر تجمع للشيعة في الولايات المتحدة، غالبيتهم من أصول لبنانية وعراقية.

وفي2011، ألقي القبض على مواطن أميركي من ولاية كاليفورنيا يدعى روجر ستوكام، وجهت إليه تهمة الإرهاب بعد محاولته تفجير هذا المسجد. وتضاربت التقارير آنذاك بين من اتهمه باستهداف التلاحم بين السنة والشيعة في المسجد، وتقارير أمنية أخرى تفيد بأن روجر يعاني من الاضطرابات النفسية.