المخابرات الإسرائيلية هي الأقوى في الشرق الأوسط والعالم العربي وهذا ليس أدعاء بل هي حقيقي من حيث التمويل والإمكانيات وكذألك التكنولوجيا التي تستخدمها إسرائيل وعلى رأس هذه الأجهزة هي الموساد وكذألك الشاباك والمخابرات العسكرية الإسرائيلية ولكن السؤال ..... لماذا فشل هذا الجهاز القوي في توقع الهجمات الفلسطينية على الأراضي الإسرائيلية ونحن هنا لا نتحدث عن عملية فردية أو ذئب منفرد بل عن عدد كبير من المقاتلين الذي هجموا على المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية ...
فماذا حدث لجهاز المخابرات الإسرائيلي؟
السبب الأساسي في هذا الاختراق و الفشل الاستخباراتي الكبير هو أن إسرائيل في الفترة الأخيرة أصبحت تركز كل جهودها علي الخارج و هي مقتنعة تماما أن الخطر سوف يأتيها من الخارج و التحديد من الجبهة الإيرانية أو بالوكالة من حزب الله بلبنان و كذألك زراع إيران من الشرق في سوريا فقد لوحظ أن إسرائيل تشن غارات قوية علي مواقع الأسد في دمشق و قد و جهت العديد من الضربات إلي مطار دمشق الدولي لأهداف أدعت إسرائيل انها مخازن أسلحة يستخدمها الحرس الثوري الإيراني لتخزين الأسلحة بالإضافة لتوجيه ضربات أخري لقوات نظام الأسد الذي تعتبره إسرائيل صديق مقرب من النظام في طهران و داعم رئيسي له بالإضافة لحزب الله في لبنان،
عند النظر إلى الشكل العام للجبة المحيطة بإسرائيل نجد أن إيران وسوريا ولبنان هم الخطر الأكبر على إسرائيل بسبب وجود حكومات مناهضة لها في هذه الدول،
أما الدول الأخرى و هي الأردن الذي في سلام مع إسرائيل و كذألك الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان و هي مصر التي تتمتع بسلام غير دافئ معها و هو مستقر منذ السبعينيات و الجبهة هادئة إلا من بعض الحوادث الفردية مثل حادث سليمان خاطر او حادث محمد صلاح المجند الذي هاجم إسرائيل و قتل عدد من الجنود مما دفع إسرائيل لتوجيه كل اهتمامها إلي لبنان و إيران و كذألك سوريا و أغفال قطاع غزة باعتبار أنه محاصر و إمكانياته ضعيفة و حجم التأييد الذي يلقاه ضعيف نظرا للانقسام في الجبهة الداخلية الفلسطينية مما جعل إسرائيل تعتقد و معها أجهزة المخابرات أن الخطر من القطاع محدود و في ظل عدم الدعم من مصر و قيامها في الغالب بأغلاق الحدود و كذألك تدمير الانفاق التي تستخدمه حماس لتهريب المؤن و السلاح جعل الاعتقاد الخطأ أن حماس غير قادرة علي أي هجوم حقيقي ضد إسرائيل ..... و لا داعي لأنفاق أموال و إهدارها في شيء لا قيمة له بالإضافة لوجود شبكة عملاء تعتمد عليها إسرائيل في القطاع و لم ترسل لها أي تحذيرات تذكر.
الاستعداد الفلسطيني ولماذا الان؟؟؟
علي الجانب الاخر كانت حركة حماس تستعد للهجوم على إسرائيل ولكن لماذا الان بالتحديد؟
الإجابة بسيطة .....
يجب أن نتذكر أن حركة حماس هي منظمة و ليست جيشا يقوم بعمل تدريبات بشكل روتين و المقاتلين فيه هم ليسوا جنود متطوعين أو بالأحرى موظفين أو مجندين إجباريين يقضون مدة خدمة و سوف يعودون إلي منازلهم مما يجعلها كحركة تعتمد في الأساس علي العقيدة و الهدف من و جودها هو الحرب و القتال مع إسرائيل مما يجعل مقاتليها مدفعون أيدولوجيا و دينيا بفكر المقاومة ضد إسرائيل و لهذا من خلال مراقبة تحركات إسرائيل المستفزة في السنة الماضية أيقنت حماس أن الدولة العبرية لن تتوقف عن الاستفزاز و التوسع و في ظل صمت أغلب الحكومات العربية و عدم قدرتها علي و قف ما يحدث في المسجد الأقصى أو الحصار المفروض لفترة طويلة علي القطاع أيقنت حماس أن عليها أن تحارب إسرائيل و حيدة و لهذا بدأت بأعداد العدة لهذا الهجوم الكاسح في غفلة من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الذي فشل تماما في جمع المعلومات و عدم فهم أي من التكتيكات الجديدة لحماس .
التكتيك الجديد لحماس وتعلم الدروس المستفادة
تعلمت حركة حماس الكثير من المنظمات الت تعمل في المقاومة المسلحة بداية من حزب الله وكذألك المنظمات التي تعمل في سيناء وسوريا فهناك محللين يقمون بدراسة هذه التكتيكات ومعرفة الطرق الأفضل لاستخدامها وكان لحزب الله الصدارة في هذا،
فقد أنظم الحزب لمساندة نظام بشار الأسد في حربة ضد قوات سوريا الحرة التي تدعمها أمريكا مما شكل عامل تدريب كبير لأعضاء الحزب و قد تم نقل كل هذه الخبرات لمقاتلين حماس و لا ننسي أيض الجماعات المسلحة التي تصول و تجول في العراق بشكل من دون ضابط أو رابط و عدم قدرة الحكومة العراقية علي محاربتها أو الحد من نفوزها.
بالإضافة لساحة التدريب الكبيرة في سيناء فجماعة ولاية سيناء التي يحاربها الجيش المصري لعشر سنوات تقريبا و لم ينجح في القضاء عليها رغم أنه أيضا قام بصناعة مليشيات تحت مسمى أتحاد قبائل سيناء بقياد العرجاني الذي أصبح هو الاخر شبيه بفاغنر الروسية و بالرغم أن العرجاني لا يعمل مع حماس بشكل مباشر إلا أن أتحاد قبائل سيناء له علاقات مباشرة بالقطاع فهو مسؤول عن تهريب المواد الغذائية و كذألك الوقود و غيرها من السلع فهي تجارة مزدهرة يعلم بها الجيش المصري تمام العلم فقد ساعدت كل هذه العوامل لتطوير قدرات حماس في الهجوم علي إسرائيل .
كيف لم نتنبه إسرائيل للتحركات في القطاع
هناك عدة عوامل رئيسة جعلت ملاحظة حماس صعبة للغاية وهي:
استخدام أساليب وأرض جديدة في التدريب ..... ومن أهم هذه الأساليب أن المقاتلين كان يتدربون في سرية تامة ولا يتصلون بأسرهم مما ساعد الحركة على إبقاء الأمر سرا،
إرسال المقاتلين للتدريب خارج القطاع مثل أرسالهم لسيناء أو أرسالهم للأراضي السورية ولبنان.
تسلل عناصر من المخابرات الإيرانية لمعسكرات التدريب وبداية تقديم دعم مباشر وقد ظهر هذا واضحا في أساليب التدريب وكذألك الأسلحة النوعية المستخدمة.
غفلة إسرائيل التي كانت تعتقد أن الخطر قادم من الخارج وليس الداخل.
عدم وجود تاريخ عملياتي في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 منذ فترة طويلة واستمرا العمليات بشكل ملحوظ.
تطور التكنولوجيا الإيرانية بشكل بسبب الحرب في سوريا وكذألك العراق وأيضا الحرب الروسية الت تستخدم فيها المسيرات.
كل هذه العوامل أدت إلى غفلة إسرائيل وعدم نتبه أجهزة الاستخبارات لهذا الهجوم الكاسح.
الأسباب السياسية
هناك أكثر من سبب سياسي من كلال الجانبين
الأسباب الفلسطينية
الجانب الفلسطيني المحاصر الذي يشاهد على مدي العام الماضي الانتهاكات الواسعة في القدس وبالأخص الانتهاكات التي يتعرض لها المسجد الأقصى مما ولد شحنة كبيرة لدي المواطن الفلسطيني العادي وبالأخص الذي يسكن قطاع غزة،
الصمت الكبير للدول العربية و الضعف الذي تمر به و بالأخص دول الشرق الأوسط و من أهمها لبنان المفلس و المنقسم سياسيا ، الضعف الكبير لمصر و قيادتها و غرقها في المشاكل الاقتصادية و السياسية و حربها المستمرة مع الإرهاب و الاخوان المسلمين و كذألك المعارضين المصريين و عدم قدرة القيادة المصرية علي الضغط علي إسرائيل و هذه الحالة من الضعف لم تشهدها مصر منذ عام 1967 .
سوريا المقسمة وكذألك العراق المنهك اقتصاديا والذي تحول جيشه لمجرد حرس وطني و شرطة غير قادرة علي حماية العراق و تشتت العالم العربي في قضايا أخري منها الاقتصادي و السياسي.
انشغال المغرب العربي بقضايا الصحراء والنزاعات المسلحة هناك.
التطبيع مع الإمارات والسعودية الذي كان بمثابة ضربة قاسمة للقضية الفلسطينية ومن دون الحصول على مكاسب للقضية مما أفقد الفلسطينيين أي أمل في دعم حقيقي فقد أصبحت هذه الدول مهتمة فقط بالصراع على النفوذ في العالم العربي بعد انكماش الدور المصري الذي لم يصبح فاعلا في أغلب القضايا.
كل هذه العوامل أدت إلى أحساس الفلسطينيين أن قضيتهم تموت مع الوقت والاعتماد على الخارج في تحقيق أي مكاسب أصبح مستحيل وأن ضرورة العمل المنفرد هي الطريق الوحيد لأحياء القضية الفلسطينية.
الأسباب الإسرائيلية
التخبط السياسي الإسرائيلي و صعوبة التوصل لحكومة ائتلاف تعمل لدعم رئيس الوزراء نتنياهو و الأداء الضعيف للاقتصاد الإسرائيلي ساهم بشكل كبير في أضعاف الجبهة الداخلية لإسرائيل فحالة الانقسام الداخلي تنتج عنها تخبط في السياسيات و عدم و وضوح في رؤية الأوليات بالنسبة لإسرائيل مما جعل الانتباه الداخلي ينصب علي القتال الحزبي و الصراع بين الأحزاب المتطرفة ،
بالإضافة إلي اقتناع نتنياهو أن سياسة القمع و تشجيع الاستيطان هي الحل و أن هذه السياسية سوف تجعله يكتسب أرضية أوسع عند الناخب الإسرائيلي بغض النظر عن رد الفعل الفلسطيني الذي اخرجة من المعادلة تماما و محاولة تسويق التطبيع مع السعودية و الإمارات علي أنه السلام المنشود الذي يرغب فية كل مواطن إسرائيلي والذي فشل في تحقيقية كل رؤساء الوزراء السابقين .
كل هذه العوامل سامن كلا الجانبين ساهمت في التخبط و عدم رؤية الموقف بشكل واضح بالنسبة للإسرائيل .
تجاهل التحذير الأخير
مع كل هذه العوامل وصل تحذير أخير من مسؤول الاستخبارات الأول في مصر اللواء عباس كامل الذي حذر شخصيا نتنياهو من الهجوم و لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يهتم بالموضوع و أعتبره أمر غير هام باعتبار أن المخابرات الإسرائيلية لم تحذره من أي شيء و أن حماس لا تستطيع في ظل هذا الحصار ان تفعل الكثير و الامر علي الأحرى سوف يقتصر علي عملية محدودة أو أطلاق صاروخ من القطاع لن يؤثر كثيرا علي أمن إسرائيل بالإضافة أن الاستفزازات علي انتهاكات المسجد الأقصى لم ترد عليها المقاومة مما جعل رئيس الوزراء يعتقد أنه لن يستطيع أحد الرد علي إسرائيل أو إيقافها ،
هذه ليس المرة الاولي التي تتجاهل إسرائيل معلومات جادة و يؤدي الامر لكارثة فقبل حرب يوم الغفران قد طار الملك حسين ملك الأردن و حذر إسرائيل أن هناك عملي كبيرة سوف تحدث علي الجانب المصري و السوري في نفس الوقت و لكن رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير لم تهتم كثيرا للأمر و نفس الموقف تكرر عندما أرسل العميل ملاك (أشرف مروان) نفس التحذير لإسرائيل و لكنها تجاهلته أيضا رغن أنه اخبر بميعاد الحرب و انها سوف تكون غدا،
هذه لم تكن المعلومات الوحيدة لان بعض المحللين الإسرائيليين أخبروا قادتهم بالتحركات علي الجبهة و أن مصر تضع صواريخ الدفاع الجوي علي أهبة الاستعداد و تحرك مئات من المدرعات و لكن القادة أهملوا هذا الاستنتاجات و اعتبروها ضعيفة جدا.
كل هذه الحسابات أدت إلي التحليل الخطأ و فشل المخابرات الإسرائيلية في توقع الهجوم الكاسح من قبل حركة حماس.
مروان إسماعيل
