بداية لا بد من  التنويه أن بعض فقرات المقدمة مأخوذة من دراسة لسليم طه التكريتي نشرت في مجلة  (آفاق عربية) عدد حزيران 1981.

في سنة 1962 ضمني  ببغداد مجلس أدبي كان من بين حضارة، الملحق الصحفي في السفارة الإيرانية في بغداد.

وقد جرنا الحديث إلي  تطور العلاقات القائمة بين “اسرائيل” وإيران وتحولها إلى ما يشبه التحالف الحقيقي  غير المعلن بينهما.

ومما قلته في حينه  مخاطبا الملحق الصحفي الإيراني إن من يطلع على هذه العلاقات المتطورة بين إيران و”اسرائيل”  لا بد أن يطالب إيران حكومة وشعوباً بأن تعلن أنها بلد غير إسلامي، وإلا فبماذا  نبرر قيام مثل هذا التحالف بين طهران وتل أبيب؟ ثم لماذا لم نسمع عن الشعوب  الإيرانية ما يؤكد بأنها شعوب إسلامية، وأنها غير راضية عن سياسة حكومة طهران إزاء  “اسرائيل”، وتعلن تضامنها مع الشعوب العربية والإسلامية الأخرى في معاداة الصهيونية  والنضال ضدها!.

وكان الجواب الذي  أعطانيه الملحق الصحفي الإيراني حاسما وصريحا في الوقت ذاته، إذ قال ما معناه  بالحرف الواحد “أن إيران لا يمكن أن تنسى أبداً أن العرب المسلمين هم الذين حطموا  الإمبراطورية الإيرانية، ودمروا عرش الأكاسرة، وأخضعوا الإيرانيين للنفوذ العربي  الإسلامي، ولذلك كان الإيرانيون منذ ذلك الوقت وما برحوا يتحالفون مع أي عنصر يعادي  العرب والمسلمين..

وهذا الذي نطق به  الملحق الصحفي الإيراني يشير إلى حقيقة تأريخية ثابتة وقديمة جداً تؤكد حقد الفرس  على العنصر العربي، ليس في الوقت الحاضر، ولا خلال العهد الإسلامي حسب وإنما إلى  أبعد من ذلك بعصور قديمة ممعنة في القدم.

فالتحالف بين ايران  و”اليهودية” والصهيونية التي تمثلها “اسرائيل” لا يقتصر على عهد “الشاهات” ولا على  عهد “الملالي، الدجالين وأسيادهم وكبيرهم “الخميني الدجال”، وإنما يمتد هذا التحالف  الفارسي الصهيوني إلى عشرات من القرون التي سبقت التأريخ الميلادي.

فإذا جاز لنا أن نعتبر  الأكديين والبابليين، والآراميين والآشوريين فروعاً من العروبة على أساس أن العنصر  المشترك بينهم هو العنصر السامي الواحد، فإننا نجد أن أول تحالف بين الفرس  والصهاينة قد ظهر في التآمر على الدولة البابلية في العراق منذ القرن السادس قبل  الميلاد. فما أن شعرت الأسرة الأخمينية التي استوطنت إقليم (عيلام) منحدرة من  الأجزاء الشرقية الشمالية لإيران، بقوتها حتى بدأت تعد العدة لغزو بلاد بابل  والقضاء على حضارتها التي كانت مزدهرة جداً في ذلك الوقت.

ومع أن اليهود قد  استفادوا جل الاستفادة أثناء وجودهم في بلاد بابل، من حضارة البابليين وعلومهم، إلى  درجة أنهم وضعوا “التوراة” في بلاد بابل وعلى أساس معطيات التأريخ القديم للعراق،  ومع أنهم كانوا يمارسون شعائرهم وأعمالهم التجارية بمنتهى الحرية، ومع ذلك فقد أبى  اليهود إلا التآمر على الدولة البابلية والعصف بعظمتها ومدنيتها.

فلقد أكدت المصادر  التأريخية القديمة أن اليهود هم الذين حرضوا “كورش” ملك الأسرة الأخمينية على  مهاجمة مدينة بابل في سنة 539 – 538  قبل الميلاد ومهدوا له سبيل الاستيلاء عليها  وتدميرها.

وقد ذكرت المصادر  التأريخية أيضاً أن أحد عملاء “كورش” من اليهود قد خدع البابليين حين أدعى بأنه هرب  من البطش الذي أنزله به “كورش” عندما عارض فكرته في غزو بابل، وتمادى في خدع  البابليين حين استبسل في القضاء على الوحدات الفارسية الأولى التي دفع بها “كورش”  لمحاصرة بابل، فنال بذلك ثقة البابليين فأوكلوا إليه أمر الدفاع، عن العاصمة، وإذ  ذاك أقدم على تنفيذ مؤامرته الدنيئة بأن فتح أبواب أسوار بابل أمام القوات الفارسية  في الوقت الذي كان فيه أهل بابل يحتفلون بعيد السنة الجديدة.

وعلى أثر ذلك أقمم  كورش على مكافأة اليهود، بأن سمح لكل راغب منهم بالعودة إلى فلسطين، وأعاد إليهم  كنوز الهيكل في أورشليم التي نقلها نبوخذ نصر ملك بابل، كما أمر كورش أيضاً بأن  يعاد بناء الهيكل وأسوار أورشليم على حساب العاهل الاخميني. كما تزوج كورش من أخت  “زوربابيل” الذي تزعم اليهود العائدين من السبي في العراق إلى فلسطين.

ولقد ذكر “ابن العبري”  في كتابه “مختصر تاريخ الدول” أن كورش عندما دخل بأخت “زوربابيل” ارتفعت في عينيه  فقال لها “أطلبي ما شئت” فطلبت منه ن يسمح بعودة الأسرى اليهود إلى أورشليم وأن  يأذن لهم بعمارتها. وقد عين “زوربابيل” ذلك أول حاكم على أورشليم من قبل الدولة  الاخمينية، وشرع ببناء الهيكل، وإذ ذاك انبرت لمقاومته الأقوام التي كانت تسكن  فلسطين في ذلك الوقت، وأجبرت الملك الاخميني “سميرد” الذي كان يحكم في سنة 523 قبل  الميلاد إلى إصدار الأوامر بإيقاف أعمال البناء.

ولكت ما لبث “دارا”  الأول (521- 489 ق. م.) أن ألغى ذلك الأمر فأباح لليهود الاستمرار في إعادة بناء  الهيكل والسور، كما سمح ارتخشتا (اردشير) (465- 489) قبل الميلاد لعدد جديد من  المسبيين اليهود بالعودة إلى فلسطين.

ولقد أصبح اليهود في  عيش رخي لأن خلفاء “كورش”، أطلقوا لهم الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم الدينية،  كما منحوهم حكما ذاتيا لإدارة شؤونهم وولوهم المناصب الرفيعة حتى في البلاط  الاخمينى في العاصمة “سوسة”.

وتتحدث التوراة عن  اليهودية “استير” التي حرضت الملك الاخميني على الفتك بوزيره الأول ومعتمده  “هامان”. كانت “استير” هذه متزوجة من ابن عها “مردخاي”. وحين راح “هامان” الوزير  الأول في البلاط الاخميني يخطط لتنفيذ مذبحة جماعية ضد اليهود، دفع “مردخاي” بزوجته  “استر” إلى أن تتودد إلى الملك “احشويرش” (486- 465 ق. م.) وأن تغريه بأن يتزوجها  بدلا من زوجته الملكة “رشتي” وتد نجحت في ذلك، فتزوجها الملك واشترطت عليه أن يفتك  بوزيره “هامان” ففعل ذلك وقتله شر قتلة.

وما يزال اليهود حتى  اليوم يحتفلون بذكرى مقتل عدوهم اللدود “هامان” وذلك في اليومين الرابع عشر والخامس  عشر من شهر آذار كل سنة.

وقرب ملوك الاخمينيين  إليهم الكتبة من اليهود ووثقوا بهم. ومن هؤلاء الكتبة “ابن سرايا” الذي يعرف في  التوراة باسم “النبي عزرا” أو “اليعازر”، وكان هذا موظفا في بلاط “ارتخشتا الأول”  ومستشارا له، واستطاع أن يحظى بموافقة الملك في العودة إلى فلسطين ومعه زهاء ألفين  من اليهود الساكنين في العراق. وقد زوده الملك برسائل توصية إلى عماله في فلسطين  ليساعدوا “عزرا” على ما ينوي القيام به. ويقال أن القبر الموجود الآن في ناحية  “العزير” شمالي القرنة هو قبر “عزرا” نفسه حيث توفي ودفن هناك بعد أن عاد إلى  العراق لتنظيم الهجرات اليهودية إلى فلسطين.

أما النبي اليهودي  الآخر المعاصر لـ”عزرا” فهو “نحميا” وكان يعمل ساقيا في بلاط “ارتخنشا الأول، ولذلك  نال لديه منزلة رفيعة، ورجاه بأن يسمح له بالعودة إلى أورشليم لبناء أسوارها من  جديد، فأذن له الملك بذلك، وحمله رسائل توصية إلى عمال الفرس هناك، وعينه حاكما على  “اليهودية” أي الضفة الغربية للأردن وذلك في سنة 445 ق. م.

ويذكر المؤرخون أنه في  عهد الملك الفارسي “أرتا خرسيس الثاني” (424- 358 ق. م.) قام العرب في فلسطين  بقيادة ملكهم “جشم” بحركة مقاومة منظمة لحركات الاستيطان اليهودي في فلسطين التي  قادها كل من “عزرا” و”نحيا” بتشجيع من الفرس، وتخطيط من لدنهم.

نعود إلى تأريخ الأسرة  الساسانية (226- 637 م) التي قضى عليها العرب المسلمون، فنجد أن الفرس قد أولوا  اليهود سواء في فارس أم في العراق الذي استولوا عليه، اهتماما خاصا. فقد وطد اليهود  علاقاتهم مع “سابور الثاني” (310- 379)، الذي عرف باسم “ذو الأكتاف” لبطشه  بالمناضلين العرب وخلع أكتافهم، وعاونوه في قتاله ضد العرب الذين كانوا في ذلك  الوقت يسيطرون ليس على إقليم “الأحواز” العربي الحالي فحسب، بل وحتى على السواحل  الشرقية من الخليج العربي بالإضافة إلى مناطق عميقة داخل بلاد فارس ذاتها. فكان  اليهود يقدمون الهدايا الثمينة إلى البلاط الفارسي، وينالون مقابل ذلك الرعاية  والحماية من الحكام الفرس، إلى درجة أن مجموعة كبيرة من البيوتات التجارية اليهودية  قد وفدت من فلسطين إلى العراق لممارسة أعمالها فيه في عهد الحكم الساساني.

ولم ينقطع التحالف  الفارسي اليهودي حتى بعد أن ظهر الإسلام وانتشر في بلاد فارس وأقبلت أكثرية الفرس  على اعتناقه. فلقد راح اليهود يتعاونون مع الفرس في الدس على الحكم الإسلامي وعلى  الشريعة الإسلامية ذاتها، بما كانوا يبتدعونه من مختلف البدع المضللة، ابتداء من  حركة “عبد الله بن سبأ” وانتهاء بالبابلية والبهائية وغيرها من الحركات الأخرى التي  انبعثت في بلاد فارس وكانت كلها تستهدف العروبة والإسلام.

وإذ نعود إلى العصر  الحديث نرى أن ايران هي أولى البلدان الشرقية التي تلقفت الحركة الصهيونية وعملت  على تنشيطها، وبث الدعاية، ومساعدة القائمين بها، وذلك بفضل الهيمنة المطلقة لليهود  على الحياة الاقتصادية في ايران. فقد كانت إيران أول بلد تؤسس فيه المنظمات  الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى، وأول الفروع لها، حيث تأسس أول فرع للوكالة  اليهودية في طهران بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة.

ولقد تحولت ايران منذ  أوائل سني العشرينات إلى مركز كبير وقوي من مراكز الصهيونية في “الشرق الأوسط” كما  أصبحت إحدى المحطات الرئيسة التي يتجمع فيها اليهود الهاربون إلى فلسطين من العراق  ومناطق الخليج العربي كله. وكانت المهمة الموكلة في الدرجة الأولى إلى القناصل  الايرانيين الموجودين في بغداد، والكاظمية وكربلاء، والبصرة، وخانقين، هي تسهيل هرب  اليهود من العراق إلى ايران كخطوة أولى لذهابهم إلى فلسطين.

وحين قامت في سنة  1939، ضجة في الأوساط الصحفية في العراق، ولاسيما صحف “جمعية الهداية الإسلامية” ضد  هذه الأعمال التي كان القناصل الايرانيون يقومون بها، توقفت المفوضية الايرانية في  بغداد عن عملية تهريب اليهود إلى ايران وأبلغت قرارها هذا إلى القنصليات الأخرى في  العراق. ومن بعد الاتصال بوزارة الخارجية الايرانية في هذا الشأن صدرت الأوامر منها  إلى القنصليات الايرانية بأن تعاود منح سمات الدخول إلى ايران إلى اليهود كما كان  عليه الأمر سابقا.

ولقد وردت هذه  المعلومات في برقية صادرة من مديرية شرطة البصرة إلى مديرية الشرطة العامة ببغداد  مؤرخة في اليوم السابع من حزيران 1939 جاء فيها “بلغنا من مصدر موثوق بأن القناصل  الايرانيين في العراق كانوا قد امتنعوا عن منح اليهود العراقيين سمات للدخول إلى  ايران، وذلك بناء على الأمر الصادر إليهم من المفوضية الايرانية ببغداد. غير أنه  بعد المخابرة مع وزارة الخارجية الايرانية، على ما اتصل بنا، صدر أمر آخر أعيدت  بموجبه الحالة إلى ما كانت عليه في السابق وأعطيت السمات لليهود بدخولهم إلى  ايران”.

وحين وقفت حكومة  الدفاع الوطني برئاسة المرحوم رشيد عالي الكيلاني ذلك الموقف الحازم والصريح إزاء  الصهيونية ونشاطها العدواني في العراق، أخنت الصحف الصهيونية تهاجم العراق على  موقفه ذاك وكان من بينها جريدة “بالستاين بوست”  (بريد فلسطين) التي تصدر  بالإنكليزية في القدس، التي هاجمت حكومة الدفاع الوطني لأنها منعت حتى اليهود  الايرانيين من الهجرة إلى فلسطين، حيث قالت في عددها الصادر في يوم 29 نيسان 1941 ”  هناك بعض المهاجرين اليهود في ايران، ولديهم شهادات هجرة إلى فلسطين، ولكنهم لم  يستطيعوا ذلك بسبب رفض الحكومة العراقية منحهم تأشيرة مرور”.

ومنذ أن تحولت إيران  إلى مستعمرة أمريكية خالصة، بعد أن كانت مستعمرة بريطانية، في أعقاب القضاء على  حكومة (الدكتور محمد مصدق) واستحواذ الاحتكارات البترولية الأمريكية على حصة الأسد  من النفط الايراني، تضاعف النشاط الصهيوني في ايران تضاعفاً شديداً بحيث أصبحت  “اسرائيل” تهيمن اقتصاديا وفكريا على ايران برمتها.

فلم يقف الأمر عند حد  إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين طهران وتل أبيب، بل تعدى ذلك إلى إنشاء أوثق  العلاقات الاقتصادية والسياحية والثقافية بينهما. فقد قام بين “اسرائيل” وايران  تعاون اقتصادي واسع النطاق لم يقتصر على التبادل التجاري وحده، بل امتد إلى التعاون  الاقتصادي والفني في مجالات الزراعة، والسياحة، والعمران وغيرها. فقد قفزت الصادرات  “الاسرائيلية” إلى ايران من خمسة ملايين دولار في سنة 1963 إلى سبعة ملايين ونصف  مليون دولار في سنة 1966، وذلك في أعقاب الاتفاقية التي وقحت بين البلدين في سنة  1962، والتي تضمنت قيام عدد من الخبراء الاسرائيليين” في الزراعة والمياه والسياحة  وغيرها للعمل في ايران، هذا بالإضافة إلى قيام “اسرائيل” بتنفيذ العديد من المشاريع  العمرانية والزراعية في ايران.

وحين أغلقت قناة  السويس في أعقاب حرب حزيران سنة 1967، بدأت تصدر منتجاتها مباشرة إلى ميناء “ايلات  الاسرائيلي” ومن هناك تنقل إلى حيفا ليتم تصديرها إلى أوروبا وأمريكا. وكان إمداد  ايران “لاسرائيل” بالنفط من أهم الوسائل التي أبقت الحياة نشطة داخل الكيان  الصهيوني في فلسطين المحتلة، التي أمدته بوسائل البقاء.

فحين توقف ضخ النفط  العراقي في الأنبوب الذي ينتهي في ميناء حيفا، في شهر نيسان 1948، توقفت المصفاة  التي أنشأها الإنكليز هناك عن العمل نتيجة لذلك، لكن ايران ما لبثت أن عوضت عن  النقص الحاصل في وصول النفط إلى “اسرائيل” فعادت تلك المصفاة التي اشترتها “اسرائيل”  من الشركة الإنكليزية المالكة لها، إلى العمل من جديد، وتضاعف إنتاجها حتى بلغ في  سنة 1968 أكثر من خمسة ملايين طن سنويا. وشجع إمداد “اسرائيل” بالنفط الايراني،  الذي كان يمثل أكثر من ستين في المائة من حاجة “اسرائيل” إليه، حكومة تل أبيب على  بناء خط أنابيب لنقل النفط من “ايلات” إلى ميناء عسقلان على البحر الأبيض المتوسط  ونقله من هناك إلى الأسواق الأوروبية. ومازالت “اسرائيل” حتى الآن تعتمد على النفط  الايراني، وذلك لأن هذا النفط يؤمن لها فوائد أكثر، من ناحية فرق السعر، وفروق أجور  الشحن وما شاكلها، فضلا عن تشغيل خطوط أنابيب “ايلات – حيفا – ايلات وعسقلان”.

وإلى اليوم لا نزال  نجد البعض من الذين انخدعوا بالموقف الدعائي الايراني الذي وقفته بعض الفئات  الإيرانية أثناء “الثورة” وبعد سقوط الشاه مباشرة إزاء القضية الفلسطينية أن يطبلوا  ويزمروا كثيرا لذلك الموقف، وأن يكيلوا المديح المفرط لتلك الفئات، متجاهلين مرور  أكثر من نصف قرن من الزمن لم تبد خلاله أية فئة أو منظمة أو جماعة في إيران عملياً  وعلى أرض الواقع وليس بالكلام وبعض المؤتمرات التي لم تجدي أي انتصار لحق العرب في  فلسطين سوى النقد الكلامي وتأجيج العواطف ليس إلا، وإلا فليخبرنا أي من هؤلاء  المتفذلكين ماذا قدمت إيران عملياً للمقاومة الفلسطينية! هل قدمت لهم حبة دواء أو  قيمة ثمن لشجرة اقتلعتها قوى الاحتلال الصهيوني أو حتى ثمن كيلو خبز لأي عائلة  فلسطينية في أي من بقاع فلسطين المحتلة، وعلى الرغم من ذلك نقول أنه ربما قدّم نظام  الملالي في إيران بعض ثمن الأسلحة أو رواتب لمنظمات مشبوهة طائفياً، ولكن نحن لا  نتحدث عن تلك المنظمات أو التنظيمات لأنها معروفة لأبناء فلسطين العربية كما هي  معروفة لكل متابع لقضية فلسطين منذ عام 1948 وحتى اليوم، ربما يقول قائل أنهم مثل  الأنظمة العربية تدين وتستنكر ولا تفعل سوى ما يملى عليها من قبل محافل الشر  الدولية التي تقودها إدارة الشر الأمريكية، نقول أن ذلك صحيح منذ منتصف تسعينات  القرن الماضي إثر توقيع اتفاقية الذل في أوسلو عام 1993، ولكن كل الأنظمة العربية  ودون استثناء ورغم كل الخلافات فيما بينها ومنذ عام 1948 وحتى تاريخ الإعلان عن  قيام المقاومة الفلسطينية وتشكيل وحداتها المقاتلة ضد الكيان الغاصب لفلسطين في  بداية عالم 1965، كلها شاركت مباشرة بأعمال عسكرية قبل ذلك التاريخ ولاحقا احتضنت  المقاومة وقدمت لاحقا كل الدعم المادي والعسكري وغير ذلك من صنوف الدعم للمقاومة  الفلسطينية، وهذا يحتاج لمجلدات وبحوث وليس هنا مجاله، وعلى الرغم من كل ذلك أيضاً  قد يقول قائل أن المقاومة في لبنان التي تسمى “حزب الله” حالياً أنها حصلت على  الدعم العسكري من إيران وأنها قاومت الغزو الصهيوني للبنان بسلاح ايراني!، لمثل هذا  القول نقول كما قلنا مراراً وتكراراً أن أي قوة ومهما اختلفنا أو تطابقنا معها في  الرأي والموقف تقول عملياً لا لأمريكا ولا للصهيونية ولا للعنصرية فنحن نؤيدها  بتطبيق ذلك على أرض الواقع، وأن تعاطف الجماهير في كل مكان كما أن تعاطف الأمتين  العربية والإسلامية مع “حزب الله” لم يأت لأنه “ديني” أو لأنه ايراني أو عربي مع  العلم أن هذا الحزب لا يختلف موقفه عن أي نظام عربي يعترف بالكيان الغاصب ويحاوره  مباشرة أو بطريقة غير مباشرة المهم في النهاية أن هذا الحزب يحاور ويعترف بالكيان  الغاصب، وأن مواقفه المعلنة تدل على أنه يكيل بمكيال ايراني صفوي فهو ضد المقاومة  الوطنية في العراق أي أنهه مثل “جماعة الحكيم” ومثل “جماعة الصدر” ومثل “جماعة فرق  الموت” وغيرهم في عراق الحضارات والتاريخ، وأن الأموال التي دفعها للمتضررين جراء  العدوان الصهيوني على لبنان إنما جاءت من نظام الملالي في ايران، ولا بد هنا من  التوضيح بأن هذا الكلام لا يعني بأننا نؤيد جماعة المتأمركين والمتأسرلين في لبنان  مثل جماعة ما يسمى “14 آذار” و”14 شباط” أو جماعة “قرنة شهوان” أو غيرهم من جماعات  تنوب عن قوى الشر في العمل على تحقيق ما يسمونه “الفوضى الخلاقة” كما أن كلامنا هذا  لا يعني أيضا أننا نؤيد أي نظام آخر في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، بل أننا  كنا ولا زلنا مع العربي مهما كان رأينا وموقفنا منه ندعمه ونؤيده عندما يتعرض  لعدوان أجنبي..

وأخيراً لا بد من  القول أن أي ادعاء بأن ايران ونظامها يبقى نظام عنصري حاقد حتى وإن قدم لجماعة “حزب  الله” في لبنان الدعم العسكري والمادي فأن لذلك حسابات خاصة في معركته الأمريكان من  أجل السيطرة والتمدد وخلق بؤر ملتهبة تشتعل لدى أول شرارة ضد العرب وضد المسلمين،  وأن أي إدعاء آخر لا يقوم على أي سند تاريخي أو حتى على سند منطقي أيضاً، لا يمكن  القبول به ذلك أن العنصر الصفوي الذي تميز بالحقد على العنصر العربي والكيد له خلال  العصور، لا يمكن أن يظهر عطفه أو مساندته لعرب فلسطين في صراعهم الطويل مع  الاستعمار والصهيونية، ولنا فيما حدث ويحدث في عراق الحضارات والتاريخ أمثولة واضحة  لا تحتاج لأي تفسير، وقد افتخر بها عدد من قادة ملالي ايران عندما أعلنوا مساندتهم  لقوى الشر الصهيو-أمريكية في احتلال العراق!! لذلك لا بد من أن تحل الوطنية  والقومية في نفوس أبناء الأمة العربية محل المذهبية والطائفية لأن – الدين لله  والوطن للجميع – كي تعود للأمة عزتها ومجدها وسيادتها، ولتزهو وتفتخر بنشر العلاقات  الإنسانية للبشرية في عالم تتحكم فيه قوى الشر الصهيو-أمريكية حيث بات الإنسان  بالنسبة لهم سلعة يتاجرون به باسم الإنسانية وباسم حقوق الإنسان وباسم الحرية  والديمقراطية وهم أبعد عن ذلك بمئات السنين الضوئية