اغتيال الفاروق
لقد اندحر الباطل ممثلاً بالجيش الفارسي الجرار أمام الجيش الإسلامي الذي يرفع ألوية الحق خفاقة لا تقهر، وتهاوت حصون الجبابرة أمام الذين رفعهم الإسلام فصاروا سادة الدنيا بعد أن كانوا للأوثان عبيدًا لا يطمعون أن يكونوا خدمًا لخيول كسرى.
وأدبر رستم والهرمزان يسعيان إفسادًا وكيدًا أما رستم فقد لاقى حتفه، وأما الهرمزان فكان وأمثاله يتمنون أن تبتلعهم الأرض لينجوا من أيدي المسلمين. وليس من سبيل أمام معظم الفرس المغلوبين لا أن يتظاهروا الدخول في الإسلام، لكنه استسلام وليس إيمانًا بالإسلام، استسلام من يعتقد أنها عاصفة لا بد أن تمر، ولا بد أن يحني لها رأسه ثم يعود ليرفعه من جديد، وقلة قليلة منهم هم الذين حسن إسلامهم واستقاموا على منهج الله. وبدأت محاولات المجوس في الانتقام من المسلمين، وكيف لا يكون الأمر كذلك وهم الذين أشربوا حب الغدر والتآمر، ومردوا على الكيد والفوضى .. وكانوا يعلمون علم اليقين أن الفاروق عمر بن الخطاب وراء فتح بلادهم وزوال ملكهم، فكان اغتياله باكورة حربهم لهذا الدين وحملته. دأت مؤامرة اغتيال الفاروق بتسلسل أبي لؤلؤة المجوسي والهرمزان إلى مدينة الرسول واتخذها موطنًا لهم، وكان عمر بن الخطاب لا يحب أن يكثر الفرس والروم في المدينة.
وفي عام 23هـ وبينما كانت آخر حصون فارس تتهاوى أمام الفتح الإسلامي أقدم أبو لؤلؤة المجوسي على طعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بخنجر مسموم كان قد صنعه لهذا الغرض. روى ابن جرير أن عبد الرحمن بن أبي بكر قد رأى -غداة طعن عمر- أبا لؤلؤة الهرمزان (1) وجفينة يتناجون ولما رأوا عبد الرحمن سقط منهم خنجر وله رأسان، وهذه الشهادة هي التي جعلت عبيد الله بن عمر يتسرع فيشتمل على سيفه فيقتل به الهرمزان، ويهم بقتل جفينة لولا تدخل عمرو بن العاص.
وقال عمر لابنه عبد الله: اخرج فانظر من قتلني؟! فقال: يا أمير المؤمنين قتلك لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد الله سجدة واحدة. وإذن فاغتيال عمر بن الخطاب مؤامرة اشترك في تدبيرها المجوس والنصارى، وانفرد بتنفيذها أبو لؤلؤة المجوسي، واختاروا عمر بالذات؛ لأنه غرة في جبين الدهر، فبه أعز الله الإسلام وأذل المشركين والمجوس. واستمر الرافضة المجوس في حرب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعد وفاته، ومن منهجهم في التشيع شتم عمر وما ذلك إلا لأنه طهر الأرض من ظلمهم، وأطفأ بيوت نارهم.
(1) الهرمزان: قائد فارسي مشهور، كان ميمنة رستم في القادسية ثم هرب بعد هلاك رستم، ثم ملك خورستان، وقاتل المسلمين ولما رأى عجزه طلب الصلح فأجيب إليه، ولكنه غدر وقتل مجزأة بن ثور، والبراء بن مالك، فقاتله المسلمون وأسروه وساقوه إلى عمر بن الخطاب، فأسلم فأسكنه أمير المؤمنين المدينة.