مما لا شك فيه ان النظام الديمقراطي من ارقى الانظمة السياسية ؛ لأنها - الديمقراطية - تعتمد بالدرجة الاولى على الحرية الذاتية والسماح للأفراد والجماعات بتطوير انفسهم ومواجهة التحديات ومعارضة الحكومات بصورة مستمرة وبصيرورة اشبه بالحتمية ؛ مما يتيح لهم فرص التطور والتغيير ؛ بخلاف الدكتاتورية والانظمة القمعية التي تحكم البلدان بالاستبداد والطغيان وقمع الاصوات والحريات الشخصية وتمجيد الرمز الواحد وعبادة الزعيم الاوحد ؛ كالتجربة البعثية الصدامية المريرة ؛ وبعض التجارب الاسلاموية كحركة طالبان .
و بنظرة خاطفة على اوضاع بعض الدول العربية التي كانت تؤمن بالدكتاتورية والشعارات القومية والناصرية المتعصبة ؛ يتأكد لنا ومن دون ادنى شك ؛ ان هؤلاء القوميون والناصريون والبعثيون والمتشددون ؛ سبب كل الهزائم والخسائر , والازمات والانتكاسات , والتشرذم والتخلف , والدمار والخراب , والتأخر عن ركب الحضارة والمدنية والتكنولوجيا والتقنية ... ؛ ولعل اغلب ما نعيشه الان ومعظم ما نعانيه ؛ كان نتيجة طبيعية لعقود الزمن الاغبر الطائفية و ايام حكم البعث الاجرامية المأساوية .
نعم قد تحتضن الديمقراطيات ؛ الرأسمالية الجشعة والليبرالية المتوحشة ؛ الا انها تعكس الصراعات والتحولات البشرية والتاريخية الواقعية ؛ فالحضارة الانسانية الحالية في قمة افرازاتها انتجت دمقرطة الحياة السياسية واحترام حقوق الانسان والحريات الشخصية بما فيها حرية الرأي والتعبير السياسي , فهي بعيدة كل البعد عن النظريات الطوباوية والدعوات السياسية الفنتازية ؛ مما يسمح للمجتمعات المؤمنة بها ؛ من تجديد نفسها وتطوير قدراتها وايجاد اليات مبتكرة وبصورة مستمرة للخروج من الازمات ومواجهة التحديات ؛ وذلك من خلال الاحتكام الى صناديق الاقتراع والسماح للجميع بالمشاركة , بالتزامن مع الحراك الاعلامي والثقافي والسياسي والشعبي الفعال ؛ ولهذه العوامل والاسباب دور مهم في تمييز السياسي الفاشل من الناجح ... ؛ وبسبب هذه الميزة رجحت كفة الديمقراطيات والعلمانية والليبرالية ونجحت وانتصرت في مواقع كثيرة على الأيدولوجيات المنغلقة وانظمة الحكم المركزية المتعصبة والدكتاتورية المتخشبة .
المنغلقون المتعصبون المؤدلجون المنكوسون لا يعرفون للديمقراطية من معنى الا حين يستغلونها للوصول الى الحكم وحين تصب في مصلحتهم , ولو ثنيت الوسادة لهؤلاء ؛ فأنهم عندها سيكشرون عن وجوههم القبيحة ...؛ فهم في قرارة انفسهم لا يؤمنون بالتعدد والاختلاف وحرية الانسان وحق المعارضة والاعتراض .
وهؤلاء وعلى الرغم من رفعهم للشعارات المنددة بالأمريكان وقوى الاستكبار والاستعمار ؛ الا انهم عملاء ؛ او ادوات لهم من حيث يشعرون او لا يشعرون ... ؛ والمستكبرون والمحتلون والمستعمرون كهؤلاء ايضا ؛ لا يرغبون بأن تعيش شعوب العالم الثالث في بحبوحة الديمقراطية الحقيقية ؛ ولعل تصريح رمزي كلارك وزير العدل الأمريكي الأسبق يوضح طبيعة الديمقراطية الغربية في حواره مع صحيفة مصرية ؛ اذ قال : (( نحن شعب الولايات المتحدة نعتنق الديمقراطية كإيمان، ولكن عندما يأتي الأمر إلى تعاملنا مع شعوب الدول الأخرى نلجأ إلى أساليب تتعلق بالسلطة والقوة، وعندما أقول نحن فأنا أعنى الحكومات وليس الأفراد )) واليكم تصريح الكاتب الأميركي جريجري جوز في إحدى مقالاته في (شؤون دولية) عام 2005 : (( إن الولايات المتحدة يجب ألا تشجع الديمقراطية في العالم العربي لأن حلفاء واشنطن من العرب السلطويين يمثلون رهانات مستقرة )) ... ؛ فالمجتمع الغربي يرى أن الديمقراطية جنة لا ينبغي أن يتمتع بها إلا الرجل الغربي بوصفه «سيد العالم»!!، لذلك لا غضاضة أن ترعى تلك الدول الديكتاتوريات في البلدان المختلفة ما دامت تخدم أجندة مصالحها... ؛ ولذلك تعمل الولايات المتحدة وكذلك بريطانيا وقوى الشر الاخرى على افراغ الديمقراطية من محتواها الحقيقي في العراق , من خلال ارباك المشهد السياسي ومصادرة الارادة الشعبية والوعي الجماهيري ؛ واختزال ارادة الامة العراقية و تمثيلها بمجموعة محددة من الشخصيات والعوائل والاحزاب والحركات ... ؛ ومقولة نعوم تشومسكي توضح لنا حقيقة الديمقراطية العرجاء التي يريدها لنا الامريكان ... , اذ قال (نعوم تشومسكي) المفكر الأمريكي اليهودي الشهير والملقب بـ «ضمير أمريكا» في هذا الصدد : (( إن مُثلا من قبيل الديمقراطية والسوق مُثل جيدة، طالما أن ميل الملعب يضمن فوز الناس الذين يجب أن يفوزوا، أما إن حاولت جموع الرعاع رفع رؤوسها، فيجب أن يضربوا إلى أن يخضعوا بشكل أو بآخر )) .