في جولة في ضواحي ملبورن وتحديدا على مرتفعات (Dandenong) توقفت في "حارة" حلوة اسمها ساسافراس وهو اسم جميل لشجرة قبل أن يكون اسما لهذا التقاطع الجميل ..
وخلال التجول راجلا، وجدت دكانا للتحف القديمة—الأنتيكات—وضعت على واجهته لوحة عادية لا تحمل أي ملامح الدعاية مكتوب عليها بتصرف: "بعد 43 عاما من العمل، سيُغلقُ هذا المحل" .. الحقيقة دعتني هذه اللوحة للدخول أكثر من دعوة الدكان نفسه ..
دخلتُ، وكان المكان من أجمل محلات الأنتيكات التي رأيتها في ملبورن وهي كثيرة، جميل في ترتيبه وعرضه لمقتنياته بل وحتى بكتابة وصفها وسعرها ..
اتجهت للشيبة صاحب المكان، عرفته بنفسي وعرفني باسمه—كريس—وهو يملك المكان بالشراكة مع زوجته سوزان ويديرانه كذلك ..
ومن باب اللطافة سألته: "بعد 43 عاما ستغلقون المحل؟" فأجاب بـ "نعم" ..
قلت له "هذا مؤسف!" فقال لي "ربما هو مؤسف لك، ولكن ليس لي. على العكس هو أمر سعيد. لطالما أحببت هذا العمل لكنه كان سببا في تأجيل كثير من الأشياء الجميلة التي وددت القيام بها. والآن سأغلقه وأسافر لأقيم في جزيرة في اليونان برفقة سوزان: أليس ذلك ممتعا؟!"
أسعدتني إجابة كريس وفي الحقيقة ذكرتني إجابته بسؤال أوجهه دائما لصديق بعثتي وزميلي "هل أنت بخير؟" .. أوجه له هذا السؤال غالبا بعد مكالمة يتلقاها تغير ملامح وجهه بالكلية فلا أملك إلا التفاعل بالتعبير عن كامل معيتي كصديق والسؤال عن حاله، ثم يرد علي مستغربا سؤالي فألوم نفسي على سوء قراءتها للمشهد .. ٍسأحاول أن لا "أجتهد" في افتراضاتي مستقبلا ..
ولكن ..
في الحقيقة أن المستقر لدي أن تعبيرات وجه الصديق ومثلها تلك اللوحة التي وضعها كريس على واجهة محله منزوعة من كل دسومة البهجة تحتم عليّ أن أتفاعل وأسأل. سؤالي ليس دعوة لأحد أن يحزن أو أن يعبر عن الفرح "فقط" بطريقتي ولا تطفلا على خصوصية أحد، لكنها استجابة لتعبير وإن كان غير منطوقاً .. ومثلما يكون سوء الفهم في المنطوق يكون في غير المنطوق. لو ابتسم—أو ابتسمت لوحة كريس—لما كان لسوء قراءتي مجال .. "وتبسمك في وجه أخيك صدقة"
روى الأمير خالد الفيصل في أمسية شعرية أنه كان يمشي برفقة صديق له وفجأة تنهّد صديق الأمير مما دعا الأمير إلى أن يستجيب له وجاءت الاستجابة متضمنة مطلع قصيدته:
يا ضايق الصدر بالله وسّع الخاطر .. دنياك يا (أخوي) ما تستاهل الضيقة