خطأ يتكرر في التحذير من بدعة المولد, كيدية العبيديين في الاحتفال بيوم الوفاة:
من مشاكل القص واللصق التي نقع فيها بدون تروٍ ما ينشر كل عام من بعض الغيورين على السنة من أن الثاني عشر من ربيع الأول مختلف فيه في الميلاد، ويقولون: اتفق المؤرخون أو جمهورهم على أنه كان يوم الوفاة في يوم الإثنين ثاني عشر من ربيع الأول السنة الحادية عشرة من الهجرة، وبناء على ذلك فإن العبيديين أو الفاطميين على المشهور في تسميتهم عند العامة هم أول من أحدث الاحتفال بالمولد وهم يعلمون ثبوت تاريخ الوفاة فكانت خديعتهم للمسلمين أن أوهموهم أنهم يحتفلون بالمولد وهو في الحقيقة احتفال بالوفاة، والعبيديون مجوس في الأصل، فلا غرابة أن يصدر منهم هذا الكيد.
نتيجة بنيت على مقدمات قد لا تسلم لقائلها، يتبين ذلك بمراجعة كتب التاريخ والسيرة.
لو سلمت هذه المقدمات من المعارضة، يمكن أن يكون ذلك افتراضا مقبولا، لكن، هل اتفق المؤرخون أو جمهورهم على ثبوت الوفاة في يوم الإثنين ثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة؟
والأدهى من ذلك أن يتخذ الغيورون على السنة كل عام هذا الافتراض بمقدماته التي لا تسلم من معارضة دليلا أو حجة دامغة على بدعية الاحتفال بالمولد، وأنه احتفال باطل، بينما هو حجة داحضة ما أسهل أن يبين عوارها المتمسكون بالاحتفال بالمولد، وقد كان، فوجب التنبيه على هذا الخطأ، وبالبيان يتضح المقال.
قال السهيلي في الروض الأنف ج7 ص577-579:
"مَتَى تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟
وَاتّفَقُوا أَنّهُ تُوُفّيَ ﷺ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إلّا شَيْئًا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ الْأَرْبِعَاءِ قَالُوا كُلّهُمْ وَفِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ غَيْرَ أَنّهُمْ قَالُوا، أَوْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ فِي الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ وَلَا يَصِحّ أَنْ يَكُونَ تُوُفّيَ ﷺ إلّا فِي الثّانِي مِنْ الشّهْرِ أَوْ الثّالِثَ عَشَرَ أَوْ الرّابِعَ عَشَرَ أَوْ الْخَامِسَ عَشَرَ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنّ وَقْفَةَ عَرَفَةَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ التّاسِعُ مِنْ ذِي الْحَجّةِ فَدَخَلَ ذُو الْحَجّةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَكَانَ الْمُحَرّمُ إمّا الْجُمُعَةُ وَإِمّا السّبْتُ فَإِنْ كَانَ الْجُمُعَةُ فَقَدْ كَانَ صَفَرٌ إمّا السّبْتُ وَإِمّا الْأَحَدُ فَإِنْ كَانَ السّبْتُ فَقَدْ كَانَ رَبِيعٌ الْأَحَدَ أَوْ الِاثْنَيْنِ وَكَيْفَا دَارَتْ الْحَالُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ فَلَمْ يَكُنْ الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِوَجْهِ وَلَا الْأَرْبِعَاءَ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْقُتَبِيّ وَذَكَرَ الطّبَرِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ أَنّهُ تُوُفّيَ فِي الثّانِي مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ أَهْلِ الْجُمْهُورِ فَإِنّهُ لَا يُبْعَدُ أَنْ كَانَتْ الثّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ الّتِي قَبْلَهُ كُلّهَا مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَدَبّرْهُ فَإِنّهُ صَحِيحٌ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَفَطّنَ لَهُ وَقَدْ رَأَيْت لِلْخَوَارِزْمِيّ أَنّهُ تُوُفّيَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي أَوّلِ يَوْمٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ فِي الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ".
وبيان ذلك أنه إذا كانت وقفة عرفة الجمعة، وقد صح بذلك الخبر، فإن عندنا بقية ذي الحجة، وشهري محرم وصفر، فمجموع كل ذلك بعد جمعة الوقوف ما بين تسعة وسبعين يوما وواحد وثمانين يوما، بقسمتها على سبعة تكون أحد عشر أسبوعا وبضعة أيام، وستكون غرة ربيع الأول من بعد جمعة الوقوف ما بين الإثنين من الأسبوع الثاني عشر أو الإربعاء على أقصى تقدير، فإذا نقص شهران وتم شهر كانت غرت ربيع الأول الإثنين من الأسبوع الثاني عشر فسيكون الثاني عشر منه الجمعة من الأسبوع الثالث عشر، وإذا كملت عدة الشهور الثلاثة, ذو الحجة، ومحرم وصفر، كانت غرت ربيع الأول الإربعاء من الأسبوع الثاني عشر، فسيكون الثاني عشر من ربيع الأول يوم الأحد من الأسبوع الرابع عشر، وإذا كمل شهران ونقص واحد ستكون غرة ربيع الأول الثلاثاء من الأسبوع الثاني عشر بعد يوم الوقوف بعرفة وحينها سيكون الثاني عشر من ربيع الأول السبت.
واحتمال رابع أخر ذكره السهيلي عمن نقله عنهم باحتمال أن تكون الأشهر الثلاثة ناقصة، فستكون غرة ربيع الأول عندها يوم الأحد من الأسبوع الثاني عشر كما مر حسابه من يوم الوقوف، وحينها يكون الثاني عشر يوم الخميس.
وبالاحتمالات الأربعة ما بين الخميس والأحد على التوالي فلن يكون الإثنين هو الثاني عشر بحال ما دامت الحسبة من اليوم الذي يلي جمعة الوقوف كما ذكر السهيلي رحمه الله.
" وَكَيْفَا دَارَتْ الْحَالُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ فَلَمْ يَكُنْ الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِوَجْهِ"، وتوالي ثلاثة شهور ناقصة خلاف ما تجري به العادة، وقد يحدث تتابع ثلاثة أشهر تامة، وبالذات مع احتمال وقوع قتر أو غيم في بعضها.
وفي البداية والنهاية (5/275)، صنف ابن كثير رحمه الله فصلا ذكر فيه الخلاف في يوم الوفاة بعنوان, " فُصْلٌ فِي ذِكْرِ الْوَقْتِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم وَمَبْلَغِ سنه حال وفاته وفي كيفية غسله عليه السلام وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَدَفْنِهِ، وَمَوْضِعِ قَبْرِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عليه"، بدأه بقوله:
" لا خلاف أنه عليه السلام تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ".
ثم ذكر كلام السهيلي فقال ص276-277:
" وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيِّ"، يعني, أنه يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.
ثم قال ص276:
" فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ مَا مَضْمُونُهُ. لَا يتصوَّر وقوع وفاته عليه السلام يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سنة إحدى عشرة وذلك لأنه عليه السلام وقف في حجة الوداع سَنَةَ عَشْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَكَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمُ الْخَمِيسِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُحْسَبَ الشُّهُورُ تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً أَوْ بَعْضُهَا تَامٌّ وَبَعْضُهَا نَاقِصٌ، لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْإِيرَادُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ".
وذكر ابن كثير رحمه الله احتمالا وحيدا يمكن أن يكون فيه الثاني عشر من ربيع الأول يوم الإثنين فقال في الموضع السابق:
"وَقَدْ حَاوَلَ جَمَاعَةٌ الْجَوَابَ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ إِلَّا بِمَسْلَكٍ وَاحِدٍ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ بِأَنْ يَكُونَ أَهْلُ مَكَّةَ رَأَوْا هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَرَوْهُ إِلَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ - يَعْنِي من المدينة - إلى حجة الوداع ويتعين بما ذكرناه أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسٍ بِلَا شَكٍّ وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ. فتعيَّن أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمَ السَّبْتِ لِخَمْسٍ بَقِينَ فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا كَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْجُمُعَةُ وَحُسِبَتِ الشُّهُورُ بَعْدَهُ كَوَامِلُ يَكُونُ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمُ الْخَمِيسِ فَيَكُونُ ثَانِيَ عَشْرِهِ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
وهذا الاحتمال الخامس لا يتجه إلا على فرضيتين:
--اختلاف المطالع, بأن يكون شهر ذي القعدة عند أهل المدينة كاملا وعند أهل مكة ناقصا بحيث يكون مبتدؤه في القطرين واحدا فكان السبت, موعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم لحجة الوداع هو الخامس والعشرين منه، فأكمل بعده أهل المدينة خمسة أيام فكان الثلاثين من ذي القعدة هو الخميس، وكان تمام الشهر عند أهل مكة هو الإربعاء التاسع والعشرين، هذا كله مبني على اختلاف المطالع في بداية ذي الحجة بين القطرين، لئلا يعترض معترض باحتمالات أخرى، كأن يكون السبت هو الرابع والعشرين عند أهل المدينة، والخامس والعشرين عند أهل مكة، والشهر ناقص في القطرين.
--تمام شهور, ذي الحجة ومحرم وصفر على التوالي.
وبما أن الواقعة واحدة, وهي حجة الوداع، وأميرها واحد, وهو النبي صلى الله عليه وسلم، والوقوف ثابت, وهو في الجمعة التاسع من ذي الحجة، فلا وجه لقبول كلام ابن كثير رحمه الله إلا على أن المسلمين أرخوا بتأريخين للوقائع، وهذا بعيد, يرده كلام عمر رضي الله عنه مع اليهودي عن آية المائدة, {اليوم أكملت لكم دينكم}، وقبله إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن استدارة الزمن, حيث عاد على هيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، فيتقوى بهذا كلام السهيلي رحمه الله، وأقصى ما يدل عليه كلام ابن كثير رحمه الله أن كون الإثنين هو الثاني عشر من ربيع الأول عند أهل المدينة وحدهم، أو عند من يمكن أن يكون وافقهم في ابتداء ذي الحجة.
وقد قال ابن كثير في الفصول ص220:
" وقبض صلى الله عليه وسلم ضحى يوم الإثنين من ربيع الأول، فالمشهور أنه الثاني عشر منه، وقيل مستهله. وقيل: ثانية، وقيل: غير ذلك. وقال السهيلي ما زعم أنه لم يسبق إليه: من أنه لا يمكن أن تكون وقفته يوم الجمعة تاسع ذي الحجة، ثم تكون وفاته يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول بعده، سواء حسبت الشهور كاملة أم ناقصة، أم بعضها كاملاً وبعضها ناقصاً. وقد حصل له جواب صحيح في غاية الصحة ولله الحمد، أفردته مع غيره من الأجوبة، وهو أن هذا إنما وقع بحسب اختلاف رؤية هلال ذي الحجة في مكة والمدينة، فرآه أهل مكة قبل أولئك بيوم، وعلى هذا يتم القول المشهور ولله الحمد والمنة".
فها هو رحمه الله يراه في غاية الصحة.
وقد أجاب الحافظ ابن حجر فذكر احتمالين لا يكون معهما جواب ابن كثير رحمه الله صحيحا فضلا عن أن يكون في غاية الصحة، وكل يؤخذ من قوله ويرد مع جلالته وعظيم مقامه، رحمة الله على الجميع فقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/114):
" قَوْلُهُ بَابُ الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ أَيْ رَدًّا عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الطِّيَرَةِ وَقد نقل بن بَطَّالٍ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ أَوَائِلَ الشُّهُورِ لِلْأَعْمَالِ وَيَكْرَهُونَ التَّصَرُّفَ فِي مُحَاقِ الْقَمَرِ [] قَوْله وَقَالَ كريب عَن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ".
إلى أن قال ص114-115:
" الثَّانِي يُؤَرَّخُ بِمَا بَقِيَ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ قَوْلُ بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُ خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقِينَ لِأَنَّ ذَا الْحِجَّةِ كَانَ أَوَّلُهُ الْخَمِيسَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَةَ كَانَتِ الْجُمُعَةَ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِقَوْلِ أَنَسٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ثُمَّ خَرَجَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ وَإِنَّمَا قَالَ الصَّحَابَةُ لِخَمْسٍ بَقِينَ بِنَاءً عَلَى الْعَدَدِ لِأَنَّ ذَا الْقَعْدَةِ كَانَ أَوَّلُهُ الْأَرْبِعَاءَ فَاتَّفَقَ أَنْ جَاءَ نَاقِصًا فَجَاءَ أَوَّلُ ذِي الْحِجَّةِ الْخَمِيسُ فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي كَانَ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ أَرْبَعٌ لَا خَمْسٌ كَذَا أَجَابَ بِهِ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ لِخَمْسٍ بَقِينَ أَرَادَ ضَمَّ يَوْمِ الْخُرُوجِ إِلَى مَا بَقِيَ لِأَنَّ التَّأَهُّبَ وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ وَإِنِ اتَّفَقَ التَّأْخِيرُ إِلَى أَنْ صُلِّيَتِ الظُّهْرُ فَكَأَنَّهُمْ لَمَّا تَأَهَّبُوا بَاتُوا لَيْلَةَ السَّبْتِ عَلَى سَفَرٍ اعْتَدُّوا بِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَيَّامِ السَّفَرِ وَالله أعلم".
وبهذا يمكن أن يجاب عن كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله.
وقد يستشكل لغويا تذكير العدد في الحديث, {لخمس بقين}، وللجواب عنه يقال: هذا يجوز في حال حذف المعدود، كقول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}، الآية، أي وعشرة أيام، فكأن تقدير الكلام في الحديث لخمسة أيام بقين، فحذف التمييز المضاف، لذا ساغ تذكير العدد، ويكون يوم الخروج محسوبا كما مر نقله عن ابن حجر رحمه الله، وبهذا التوجيه يبعد تقوية المسلك الذي سلكه ابن كثير في كون الإثنين ثاني عشر من ربيع الأول بناء على اختلاف المطالع.
فلو سلمت لهذه الأسطر مقدماتها لا يكون هذا الجواب في غاية الصحة، بل لا يعدو أن يكون احتمالا له وعليه، كما سبق ذكره. يتلخص من هذا:
--أن الخلاف في اليوم السنوي في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كالخلاف في يوم مولده، وإن كان الخلاف في الوفاة أقل.
--الاصطلاح السليم الذي يعبر به عن الوفاة بأنها يوم الإثنين هو أن الثاني عشر من ربيع الأول يوم الوفاة على المشهور كما مر نقله عن ابن كثير رحمه الله في كتابيه المذكورين، والقول بأنه متفق عليه أو عند الجمهور كما يتلقفه الغيورون على السنة عن بعض المعاصرين من الباحثين تعبير تنقصه الدقة العلمية.
--بناء على ما ذكر لا تصلح حكاية الاتفاق على أن المحتفل بالمولد النبوي محتفل بيوم وفاته، لأن حكاية الاتفاق غير ثابتة أصلا، وإنما هو قول مشهور، كالقول المشهور في يوم ولادته السنوي.
--الحذر من تناقل المنشورات دون تثبت منها ومن مضمونها.
والله الموفق.