لعبت سيارة ( الايفا ) دورا سلبيا واجراميا في الحياة العسكرية والسياسية في تاريخ العراق المعاصر ؛ وارتبطت ذكراها بالعذاب والحروب والبؤس والسخرة وعسكرة المجتمع العراقي ... الخ ؛ منذ عقد السبعينيات من القرن المنصرم ؛ فهي تمثل رمزية من رمزيات الزمن الاغبر , ومفردة من مفردات حكم البعث التكريتي الصدامي الهجين ... ؛ نعم قد ارتبطت هذه السيارة ( الايفا ) بكل ما هو مؤلم ومؤذي اثناء اداء الجنود العراقيين للخدمة الالزامية ولاسيما اثناء الحروب الخاسرة ومعارك الوكالة والنيابة المدمرة , وكذلك بالعنف والارهاب الحكومي الطائفي والقومي والعرقي والمناطقي ، وبالمجازر والمقابر الجماعية , والمحن وموت آلاف الضحايا ، فذكراها يثير في نفوس احرار وضحايا الامة العراقية الكثير من الاحزان والشجون والالام ... ؛ فقد ارتبط اسم هذه السيارة ( الايفا ) بسوق الجنود الى محارق المعارك الصدامية والمهالك البعثية , وبقتل العراقيين الابرياء الذين كانوا يساقون بها الى حفلات الاعدامات والمقابر الجماعية والموت الزؤام .
وسيارة ( الايفا - IFA ) : شاحنة عسكرية ؛ ألمانية الصنع , و تعتبر من أكثر الشاحنات العسكرية إنتشاراً في دوائر ووحدات ومعسكرات القوات المسلحة العراقية , و حمولتها تبلغ من 3 الى 5 أطنان مدعومة بمحرك ديزل , واول انتاج لها كان في المانيا الشرقية عام 1948 بأمر من الإدارة العسكرية السوفيتية في ألمانيا ... .
وقد سلطت وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي الاضواء على هذا الموضوع ؛ وكالعادة تفاعل الجمهور والقراء والمشاهدين والمتابعين مع الموضوع ؛ لاسيما من قبل الاجيال العراقية التي عاصرت هذا الموضوع وتأثرت به , الا ان الامر المستغرب من قبل البعض الذين يدلون بآرائهم وتعليقاتهم المنكوسة والتي تهدف الى قلب الحقائق والوقائع رأسا على عقب , وتزوير التاريخ وتزييف الاحداث ؛ لاسيما من قبل ابناء الفئة الهجينة وجلادي ومجرمي و زبانية الطغمة الصدامية وازلام الانظمة الطائفية البائدة , بل وبعض حمقى وجهلة ( غمان وثولان ومخانيث ) الاغلبية العراقية الاصيلة , فهؤلاء بدلا من مراجعة حساباتهم وتغيير سيرتهم وتصحيح مسيرتهم ؛ لا زالوا متشبثين بالعقد الطائفية والامراض العنصرية والافكار الارهابية والرؤى المنكوسة والعنف والدموية والعبودية والتهميش والاقصاء والدكتاتورية ... الخ ؛ بل انهم يطالبوننا , ويرسلون الرسائل الى قوى الاستكبار والاستعمار والمخابرات الدولية والاقليمية بضرورة عودتهم الى الحكم , وحكم العراق والعراقيين بالحديد والنار كما كانوا يفعلون سابقا .
عجبا لحمقى و ( ثولان وغمان ) الاغلبية والامة العراقية ؛ الذين يترحمون على قادة وضباط الجيش الصدامي المجرمين والملطخة ايديهم بدماء الجنود والمدنيين العراقيين , بل ويطلقون تسمية : (( الزمن الجميل )) - تقليدا لوسائل ومواقع الاعلام البعثي والصدامي والطائفي الهجين - على تلك الحقبة الدموية وتلك الايام العصيبة وذاك الزمن الاغبر الذي لا يرحم احدا , وصدق احد العراقيين الاحرار عندما قال : (( كدنا ان نخرج من ديننا بسبب ذلك النظام الاجرامي , وكان كل يوم يمر كأنه سنة , فقد كان اليوم ثقيلا وبطيئا , لان ايامنا كانت كلها عبارة عن ضيم وقهر وفقر وخوف وعذاب ... , ومن منا ينسى قهر وعذاب و(بهذلت الايفيا ) والجيش )) .
وسأنقل لكم بعض الاقوال والتعليقات التي ادلى بها المواطنون العراقيون حول هذا الموضوع :
قال الجندي احمد وعد : ( انها سيارة بائسة ورديئة النوعية ؛ لا سرعة , لا تدريع , لا اعتقد ان فيها ميزة جيدة )) وقال الجندي حسين ابو علي : (( كنت اداوم في مركز السياقة والإدامة في ابو غريب خلصت الدورة , وقالوا لنا اذهبوا الى الاردن واجلبوا سيارات عسكرية من ميناء العقبة , وذهبنا وكان عددنا 160 سائق , وسافرنا ب ( ٤ منشأت اتوماس عسكرية ) وكانت مدة السفر اسبوع ؛ وهنالك تم تسليمنا : سيارات ايفا وكاز٦٦ والزيل والواز ...؛ وجانت في عقد السبعينات تأتي عن طريق موانئ البصرة )) وقال الجندي مهند غازي : (( جان عدنه وحده ( ايفا ) بفوج ٣ لواء ٩٠ بدون سلف جان يجمعون الفوج بأكمله علمود ندفعها ونشغلها )) وقال احد الجنود : (( كانت انكس السيارة في انكس سنين وفي كل مكان وفي كل لحظة ... راحت اعمارنا بيها )) وقال الجندي علي محمد : (( متت من الطسات مجروح نايم على السديه كل ثانيه اطير متر وانزل والتراب خنكني بيها ؛ لما وصلت وحده ميدان طبيه احس روحي طلعت هاي سيارة الايفا ... )) وقال الجندي عزيز ابو امين الشمري : (( احلى شيء بيها الكير ما تعرف الاول من الثالث من الخامس )) وقال الجندي شهيد الحميداوي : (( الايفا : سياره قويه دفع رباعي ستيرن هيدروليك البريك دهن وهواء... سيارة ناجحة لكن تصليحها بورش الجيش ما مضبوط كذلك نقص الادوات الاحتياطية الأصلية... سيارات الجيش جانت اغلبها نگره دفعه لانو ماكو باتريات .. بعدين بعض سواق الجش لا اباليه.. ما يدير باله عليها... واتشوف عطل يجر بعطل ... بعدين السيارات صناعه شرقيه رخيصه الثمن لهذا يستوردوها... )) وقال الجندي سلام العراقي : (( افكس سيارة دخلت للجيش العراقي سبعون بالماءة ماتوا بسبب بريك الايفا)) وقال الجندي فاضل الحمزاوي : (( كانت عندنا سيارة بالكتيبة طيبه الروح نجيب بيها ارزاق ثلاث مرات تعطل بالطريق وشايلين سطل ويانا وين منشوف نهر نوقف نبرد )) وقال عامر الزيدي : (( عذرا الى الأخوة اصحاب الزمن الجميل بس كلمت الحق لازم واحد يگوله سيارة تعابنه مثل زمنه الاكشر )) وقال اكرم عدنان ذيبان التميمي : (( خطيه خالي الله يرحمه مرات يجي بيها للبيت ومن يريد يشغلها جنا ندفعها يله تشتغل يلم شباب المنطقة حتى ندفعها )) وقال الجندي حامد الجبوري : (( افضل سيارة كانت بوقتها بس قطع غيار قليله ما موجوده؟ ومحد يصرف عليها فلوس التصليح كانت بالجيب من قبل الامرين والضباط ... ؛ وعلق عليه الجندي عمر ابراهيم : كول ارخص سيارة بيها مجال لكن افضل ؛ مو جاي تبالغ هوايه ؟! ؛ وهي افشل السيارات على الكوكب... ؛ اسوء سيارة سوت حوادث بكثر السماء ... وتكول عنها افضل سيارة ؟! )) وقال احمد الفرمان : (( يمعود صعدنه ازمر بالسلمانية ونزلنه والدنيا اذب وفر صعد مترتين وهيه اتفور وألمي يشمر على الجامه الأمامية زنجار , يا زينه سنة ١٩٨٧ )) وقال ابو علي الجبوري : (( انكس سيارة الايفا ؛ و احسن سيارة هو الزيل حربي صحيح )) وقال ابو مالك الجبوري : (( هذه السيارة البائسة كم تعذبنا بسببها ايام الجيش ؛ انقلبت بنا مرتين في جبهة سيف سعد ... )) وقال سيد خالد المحنة : (( الايفا سيارة فاشلة كثيرة العطلات شلعة اكلوبنة ...)) و قال ابو قحطان الدراجي : (( اقسم بالله العلي العظيم شفت الضيم بهاي الايفا في الحرب العراقية الإيرانية )) وقال حيدر الصفار : (( سيارة لا يوجد فيها اي متانة ,اعطالها كثيرة وخصوصا في منظومة الكوابح(البريك)وجهاز التشغيل الذاتي(السلف) وجهاز مضخة الوقود الرئيسة (البم)..بالإضافة الى ضجيج المحرك العالي.... )) وقال الجندي صلاح سيد : (( اكلت من عمري هاي السيارة هواي , وايام الحروب عاشت عمر ويانه ... )) وقال الجندي كنعان العزاوي : (( كنا حينها قد تعودنا على اللوري الروسي الزيل ولم نستسيغ الايفا حينها ....)) وقال الجندي منهل لقمان الجلبي : (( انا والايفا...وحكاية دامت قرابه ثمان سنوات ؟؟! : في عام ١٩٨٧ , كانت هنالك نقلة من مركز تدريب الحلة الى قرة تو في خانقين / اللواء الثاني مغاوير / التابع للفيلق السادس ... ؛ و اللواء كان منقولا من العمارة حينها ( كنا نسميها حركة اذا تذكرون ذلك ) ما اذكر كم ساعة جنا بالايفا الى ان وصلنا تحت الأمطار الغزيرة والجوع والتعب ؛ وكان النقل في سيارة الايفا متعبا جدا ... )) وقال الجندي حسين خلف الزجري : (( من ذكريات اﻷيفا المؤلمة سقوط إحداها من سفح جبل زمناكو وهي تحمل وجبة المجازين وراح ضحيتها 39 شهيد من الفوج الاول لواء 442 )) وقال الجندي كاظم عذاب دويج : (( حملتني من العمارة الى الصويرة في 23/2/1991 وكنت وقتها عبارة عن بس عيون مفتحة ونفس يصعد وينزل ... كنا نوكفهه على نزله علمود تشتغل الصبح على التسريحة؛ ايباه الله يرحم ايام زمان الفكر)) وقال الجندي عايد شعبان : (( الايفا مثل البغل تفتهم من تضغط عليها تنتحر يفكس البريك بيه .... وطالما سرت بها وسط الجبهات وفي الليل من دون لايت ولا جك ولا سبير ولا بريك ... ايام رهيبة الله لا يعودها )) .
وقال الجندي حسين جسار : (( عندما انقلبت بنا الــــ (ايفا) : كان هذا اثناء فترة خدمتي العسكرية في الجبهة اثناء الحرب العراقية الايرانية ... ، عندما تحركت بنا سيارات (الإيفا) العسكرية الألمانية الشرقية، من مواقع كنّا نرابط بها على جبهة الحدود الشمالية في السليمانية ... ؛ ونحن باتجاه الانتقال الى البصرة ... , واذ بانقلاب احدى سيارات (الإيفا) التي تحمل مئات الجنود , وكنت الى جانب السائق باعتباري ( نائب ضابط ) في احدى سيارات الرتل ، فما كان من جنودها لحظة الانقلاب ؛ سوى القفز باتجاهات بعيدة عن طرف الوادي الذي انقلبت فيه (الإيفا) من جانبها الشرقي في الطريق ، وقد سقط بعض الجنود صرعى ... ؛ والعجيب في الامر ؛ ان احد الضباط التكارتة جاء مسرعا الى سائق الايفا وقد نجا من الحادث , كما نجا غيره , وكان الضابط معروفا بشراسته العسكرية وقسوته ؛ وبدأ بضرب السائق بالعصا ؛ الى ان اغمي عليه ... , علما ان السائق من عائلة فقدت ثلاثة من ابناءها في الحرب , وقد اتصلوا عبر اللاسلكي لتامين سيارة بديلة لمواكبة الرتل العسكري , وتمنيت لو تكون السيارة البديلة من نوع (زيل) الروسية المسطحة والتي من الصعب ان تنقلب ... )) وقال الجندي محمد حسن : ((... والله دمرتنا الايفا شنو الزين البيها ؛ كلها عطلات )) ويذكر احد الجنود ذكرياته الاليمة مع سيارة الايفا في عام 1983 اثناء الحرب العراقية الايرانية ؛ قائلا : (( انطلقت بنا سيارة الايفا من الوحدة العسكرية المتمركزة بمنطقة النشوة شمال شرق البصرة من مقر الفوج الذي انسحب من ارض المعركة للخلفيات بعدما تم استبداله بفوج اخر ... انطلقت الايفا مطلقة وراءها من الغبار المتطاير من الطريق الترابي الذي فيه بعض الاحيان وعورة والسيارة تتمايل واكتاف الجنود تضرب بعضها بعضا من شدة الاهتزاز ... اما الذي يجلس بصف السائق ام مقرب من الضابط او المراسل او نائب الضابط او ذو حظ عظيم ... )) ؛ وقد شاركت سيارة ( الايفا) ايضا بحملات سوق كبار السن والمرضى والطلبة والموظفين الى الجبهات ومعسكرات تدريب الجيش الشعبي , ولا زلت اذكر جارنا الاستاذ الخلوق محمد طعمة الساعدي والذي كان مدرسا في متوسطة الجولان ؛ ففي احد الايام وكعادته خرج من البيت الى المدرسة , واذا بأوباش البعث واوغاد الحزب منتشرون في كل مكان لاصطياد الناس و زجهم في سيارات ( الايفا ) الواقفة لإخذهم الى معسكرات تدريب الجيش الشعبي ومن ثم الى الجبهات ؛ وعندما رآهم هم بالرجوع الى البيت مسرعا الا انهم ركضوا خلفه , واطلقوا النار عليه , فسقط صريعا ؛ واعتبرته حكومة الطغمة التكريتية خائنا .
ألم يكن باستطاعة البعثيين والنظام الصدامي العفن ؛ فعل الكثير لتغيير هذا الواقع المأساوي , وذلك من خلال استيراد العجلات والسيارات العسكرية الراقية والتي تساعد الجنود على مهام القتال والحرب ؛ كما هو حال الجيش الامريكي الان مثلا , فأموال العراق وتبرعات وقروض دول الخليج ومساعدات العالم الشرقي والغربي للنظام البائد وقتذاك ؛ ليست بالقليلة ؛ كل هذه الاموال الطائلة وكان النظام البائس يبحث عن ارخص السيارات وأسوأ العجلات , من اجل ادامة العذاب العراقي ...!! .
وقد علق بعض المنكوسين وابناء الفئة الهجينة وزبانية النظام الاجرامي على هذا الموضوع واشادوا (بالايفا ) و بأحداثها وذكرياتها حتى يخيل اليك انها سيارة ( روز رايز) وليست ( ايفا) بل وصل الامر بهم بان يقولوا : (( هي ليس افضل سيارة وانما الحقبة في ذلك الوقت كان الجندي او المواطن العراقي كان مؤمن ببلده وعراقيته طبعا مستمدة من الحاكم في وقتها لذلك ترى اي سلعة او سيارة يقول عليها الجميع على انها اجمل شي ولكن بالحقيقة هي ليست كذلك ))
وقال عادل فرحان التكريتي : (( لقد كانت مع ال(كَاز ٦٦)العمود الفقري لنقليات الجيش الذي التحقت به مكلفا من كانون الثاني ١٩٨٠ و لغايه ١٩٩٠ و في كل مناطق العراق تقريبا ورغم انها صناعه المانيا الشرقية الا انها اثبتت جدارة و كفاءة رغم كل العيوب و العطلات التي ممكن ان تحدث في اي الية مهما كان منشأها و صناعتها٠٠٠!؟ )) وقال روكان الناصري : (( لا اعتقد بان اي رجل عراقي في عقده الأربعيني والخمسيني لم يمتطي صهوة الايفا ويجلس في بدنها وعلى مساطبها الحديد ومن لم يفعل ذلك عليه ان يقلب جنسيته فأكيد هناك نقص فيها ... )) وقالت زهرة تكريت : (( عجلة قتالية خفيفة ذات مواصفات عالية تتحمل كافة الظروف حمولة من 3 الى 5 طن)) وعلق احد الصبيان الجهلة قائلا : (( الله يرحم ذلك الزمن الجميل وتلك السيارة التي كانت أحن على الجندي من امه ... ؛ فعلق احد كبار السن عليه قائلا : عمو انت يا مواليد حتى تمدح بسيارة الايفا ؛ بعدك بطن امك وجاي تمدح بشيء لا شايفه ولا راكبه ؟! ))
ولا تظن عزيزي القارئ ان دور ( الايفا) محصورا بالأمور العسكرية وداخل الوحدات ومراكز التدريب والمعارك والحروب و تحركات الجيش فقط ؛ فلقد كانت لها ادوار عديدة , اذ شاركت هذه السيارة في تتبع الشباب العراقيين في المدن والقرى والازقة والاسواق ؛ كي تصطادهم كما يصطاد الصياد الفريسة او كما يهجم الضبع على الغزال المسالم , وها هو المواطن يونس علي ينقل لنا ذكرياته مع ( الايفا ) قائلا : في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي عندما كنا شباباً ، كان هاجسنا وخوفنا عند نزولنا للسوق ومركز المدينة والمناطق العامة هو قفص الانضباط العسكري، ولمن لا يعلم من الأجيال التي لحقتنا ، فهو عبارة عن سيارة نوع ايفا عسكرية تحمل قفصا على شكل مكعب حديد مغلق بالكامل ما عدا فتحة صغيرة عند بابه، تابعة لآمرية الانضباط العسكري ؛ بين فترة واخرى ينزل عناصر الانضباط للشارع ومعهم سيارة القفص ولا ينسحبون إلا وقد امتلأت بالشباب من المتخلفين عن الخدمة العسكرية او الهاربين من الوحدات العسكرية، او الذين لا يحملون هوية تعريفية او من يشكّون بأمره ... , ومن يدخل القفص فإن مصيره سيئ جدا، إذ يساق الى سجن الانضباط وهناك التعذيب والإهانة والتجويع والأمراض، قبل ان يرحل الى احدى الوحدات العسكرية او التجنيد او مركز الشرطة... . ))
بل وشاركت هذه السيارة المشؤومة في قمع الثوار العراقيين واجهاض الانتفاضات والثورات الشعبية , وكذلك استخدمت في عمليات التطهير العرقي والطائفي والمجازر والتصفيات الجسدية والتهجير والاعدامات والمقابر الجماعية ؛ فقد تم حشر الاطفال والنساء والشيوخ والعجزة والمرضى فيها ؛ لتسير بهم بعيدا عن بيوتهم وتراب الوطن , وتلقي بهم على الحدود وهم بالآلاف بحجة التبعية الايرانية ... ؛ وشاركت في عمليات الانفال ضد الاكراد , فها هي احدى الناجيات من الانفال تسرد وقائع تاريخية عن حملات الابادة والتطهير العرقية عام 1988 التي قام بها نظام البعث برئاسة جرذ الحفرة صدام ؛ والتي راح ضحيتها 182 ألفاً من الاكراد , ومما قالته الناجية سعدية خورشيد مجيد : ((في صباح أحد الأيام ارتفعت أصوات صخب وضجيج من جهة تلك المرتفعات، وفوجئنا بهم يطلقون النار علينا... لذنا بالفرار باتجاه (عزيز قادر) وعندما بلغنا (عزيز قادر) بدأ إطلاق نار وهوجمنا من الجحوش فكانت هناك معركة كبرى في (أومربل) و(تيكول) و(عزيز قادر) فررنا باتجاه (عليان) و(بنةكة) ومن هناك ذهبنا إلى (هوارة رقة) و(هوارة قولة) واختلط الحابل بالنابل، كانت وكأنها القيامة، وكانت الهيليوكوبترات تحوم فوقنا وتطلق النار، وكانت هناك معركة، حتى وصلنا إلى (ملة سورة)... , وتابعت، في (ملة سورة) جاؤوا بشاحنات (إيفا) العسكرية وحملوا كل من كان هناك في شاحنات إيفا...حمّلونا ونقلونا، ثم أنزلونا في مقر الفرقة، مقر الفرقة هناك في (ميدان) حشدوا هناك كل الناس صغاراً وكباراً، فكان من وقع تحت الأقدام ومن دهسته السيارات ومن قتلته الطائرات...الرعاة والقطعان والجرارات، جمعوهم كلهم إلى بعضهم البعض...بعد ذلك نقلونا... كان الناس يتساءلون أين نحن، فقال أحدهم لقد أخذونا إلى (طوبزاوا)..في طوبزاوا... بدأنا نصرخ ونستنجد ونطلب منهم أن لا يأخذوا رجالنا...كان المترجم الكوردي يقول: كفوا عن هذا، سنأخذهم ونسجل أسماءهم فقط...كانت كتابة الأسماء تلك التي أخذوهم لها ولم يعودوا...شاهدنا في تلك الأنحاء وأمام أنظار الناس... كانت تمطر، وكان الناس في هرج ومرج، الذي لا قدم له وذو القدم والمريض.. كان مثل يوم القيامة....))
بينما ينقل الناجي من جحيم الرضوانية حميد ؛ ذكرياته مع ( الايفا) والتي ينقلها عن لسانه القاص محمد مزيد في سرديته ( حميد والجلاد ) ؛ فقد هجموا على العراقيين الاصلاء كالوحوش و اغلبهم قابعون في بيوتهم ولم يرتكبوا اي جرم ولم يشاركوا الثوار في انتفاضتهم , ومع ذلك اخذوهم واصعدوهم الى سيارات الايفا , وتم حشرهم فيها كالحيوانات وجمعوا النساء مع الرجال والاطفال والرضع مع الشيوخ والعجزة والمرضى ...؛ وها هو حميد يدلي بشهادته على لسان القاص محمد مزيد قائلا : (( وعندما اشتعلت الدنيا بالانتفاضة الصاخبة ، وقف في باب الدار يدخن سيجارة سومر ، فجأة ، لا يدري كيف سحبته يد عملاقة من رقبته ليزج به في سيارة ( الايفا ) مع المئات الذين جلبوا الى بغداد ، يظن حُميد أن قضيته عادلة ، فهو كان يتفرج على أمواج الشباب وهم يزعقون ، وبعد عشر ساعات داخل الايفا بين الإجساد التي تعط بروائح عجيبة، دخلت سيارات الايفا الى معسكر الرضوانية الرهيب ثم حشروا الى الجمالونات بالرفسات وبضربات الاخمص على وجوههم ومؤخراتهم مع عبارات غير مهذبة مثل " قشامر " و " خوات الكحبة " ، وبعد أيام من التعذيب ، أمطرت الدنيا عليهم بالرصاص ، فوقعت الاجساد بعضها على بعض ، وبقي حُميد تحت جثث القتلى ساعات يتنفس بصعوبة بالغة ، حتى تم أكتشافه حيا يرزق من قبل جلاد أخذ يرفسه ويضربه على وجهه ، ولو كان حاملا لمسدسه في تلك اللحظات لقضي عليه ، في تلك الاثناء خلال الرفس ... ))
وايضا شاركت سيارات ( الايفا ) بنقل الاسرى الايرانيين بل والاستعراض بهم ؛ فقد كانت سيارات ( الايفا) ممتلئة بالأسرى الايرانيين العزل , وهي تجوب شوارع مدن الاغلبية العراقية ؛ علما ان تلك المدن كانت شبه فارغة من الرجال لان جلهم ان لم نقل كلهم في الجبهات , ولم يبقى فيها سوى النساء والاطفال والطلاب والعجزة والشيوخ والمرضى ؛ نعم كانت تلك المدن تعج بالعرب ومن مختلف البلدان العربية ولاسيما من مصر ؛ ولا ادري ماذا كان يقصد النظام الهجين بهذه الحركات البهلوانية والاستعراضات العسكرية ؛ اكان يقصد رفع الروح المعنوية ولمن للعجزة والاطفال والنساء ام انه كان يقصد الشماتة بهم باعتبارهم والاسرى من نفس المذهب ؟! ام كان يريد من العرب الطائفيين رؤية المنظر كي تنشرح صدورهم وتفرح قلوبهم لان القاتل والمقتول كلاهما من اتباع الامام علي ؟!
واخيرا : علق على الموضوع المواطن سعد كريم الزامل البنداوي قائلا : (( العراق كل شيء فيه ينجح )) وقد قصد بهذا التعليق ؛ مفهوم شائع بين العراقيين وحقيقة معروفة ايام الزمن الاغبر والحكم البعثي الصدامي ؛ الا وهو : ( نفذ ولا تناقش ) ؛ نعم كان العراقيون يقبلون بكل شيء , لان القوة الصدامية والغطرسة البعثية والاستهتار التكريتي والمدعوم دوليا وعربيا ؛ كانت هي القوة الناطقة ؛ والى هذه اللحظة نعيش تداعيات الحقبة الصدامية الدموية الغبراء ؛ اذ لا زال العراقيون يقبلون بأنصاف الحلول وبالترقيعات ... .
وبعد كل هذه الالام والاحزان , وتكديس السيارات ( الايفا ) وغيرها من المعدات العسكرية , و وسائل وادوات التعذيب الصدامية , والاسلحة الكثيرة المختلفة ... ؛ فوجئنا باختفاء الترسانة البعثية كلها ؛ فقد ذهبت ادراج الرياح وتبخرت ؛ و قد انطبق عليها المثل الشعبي ( فص ملح وذاب ) فها هو المواطن محمد الهيتي يدلي بشهادته قائلا : (( كان العراق يمتلك حولي 150 الف منها ( سيارة الايفا ) وفي عام 2003 تحولت الى ايران او الاكراد والباقي تحول الى خردة ومحركات للمولدات الكهربائية ... ))