لا يخفى على أحد ما تعرض له المجتمع العراقي ؛ من هجمات عنيفة وصولات شرسة من قبل عصابات البعث و شواذ التكارتة وزبانية الاجهزة القمعية الصدامية ؛ و من ثم المجاميع الارهابية كالقاعدة و داعش وغيرهما الكثير ... ؛ ناهيك عن انخراط الفاسدين والظالمين في الاجهزة والدوائر الحكومية والامنية والعسكرية وغيرها من التشكيلات المسلحة ... ؛ والتي تسببت بالكثير من الجرائم والفواجع والظواهر السلبية و الانتهاكات الخطيرة في مجال حقوق الانسان ... , وعليه اصبحت ظاهرة التحرش الجنسي من النتائج الطبيعية لتلك المقدمات السلبية .
وقد تعرض العراقيون والعراقيات – اقصد البعض لان النسب غير محددة - ؛ للتحرش والابتزاز الجنسي بل وصل الامر الى حد الاسترقاق والاستعباد الجنسي ؛ وشاعت في الاوساط الاجتماعية مصطلحات سوقية للدلالة على هذه الظاهرة الخطيرة ؛ ومنها : (( الاستكعاد : والمقصود منه حجز امرأه او شاب من قبل شخص معين , وممارسة الجنس معهم مقابل الصرف عليهم وتلبية احتياجاتهم . ؛ والحلو مالتي : ويقصد به حجز شاب جميل من قبل شخص معين ؛ يستغله جنسيا , وهذه العلاقة اشبه بعلاقة العاشق ب عشيقته او المالك ب وصيفته . ؛ بيع الحلو : وهذه عملية مزدوجة فهي من جانب تعني استغلال الشاب الجميل جنسيا , ومن جانت اخر استغلاله ماديا ؛ من خلال بيعه والتكسب به , اذ يتم بيع الشباب ( الحلوين ) بعمليات تجارية اشبه بعقود الزواج المؤقت ( المتعة ) اذ يتم تحديد السعر والمدة الزمنية والمالك ... الخ )) .
وبسبب انتشار البطالة وحالات العوز والفقر ؛ بالإضافة الى ارتفاع معدلات الصرف والاستهلاك من قبل الشباب والبنات والاقبال على شراء الكماليات , شاعت هذه الظاهرة وانتشرت واصبح لها زبائن اجانب وغرباء من خارج العراق , اذ يتم التنسيق بين شبكات الدعارة والاستغلال الجنسي وبين بعض الضباط والمسؤولين الفاسدين ؛ من اجل ممارسة الاجانب والغرباء الجنس مع الشباب العراقيين ( الحلوين ) والبنات العراقيات , في بغداد واربيل وغيرهما , واغلب الزبائن من دول الخليج ... ؛ وكان احد سماسرة الدعارة الايرانيين يستدعي الشباب العراقيين ( الحلوين ) الى اصفهان ويدعو رجال الدول الخليجية السياح في ايران ؛ لممارسة الجنس معهم مقابل مبالغ مالية ؛ وهذا ( الكواد ) الايراني يلتقي بالضحايا احيانا في اربيل للتنسيق معهم حول هذه الاعمال المشبوهة .
ولولا كون المجتمع العراقي مجتمعا محافظا تحكمه العادات والتقاليد العشائرية والقبلية والدينية ؛ لانتشرت هذه الظاهرة بصورة مروعة وكبيرة ؛ بسبب الانفلات الامني وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي وتدخل المخابرات والسفارات الدولية والمجاورة وبصورة سلبية في الشؤون الداخلية العراقية , وتفشي ظاهرة البطالة والفراغ والعوز والفقر بين بعض الشباب والبنات كما اسلفنا انفا , وشيوع مظاهر الانحراف والتحلل الاخلاقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الشبكة العنكبوتية ... .
نعم ان حدوث مثل هذه الانتهاكات في بعض دوائر الدولة ومن قبل بعض الموظفين الحكوميين وابتزازهم لبعض النساء والشباب ؛ لا تعد من التصرفات الثابتة للموظفين او بتعبير ادق لا تعد اسلوبا ممنهجا او نهجا متبعا وانما تصرفات فردية وشخصية قد تكون محدودة – وهذه مجرد تكهنات لأنه لا توجد احصاءات دقيقة كما قلنا سابقا - ، نعم هنالك استثناء شبه مؤكد لما سبق في احدى دوائر الدولة الا وهي السجون ومواقف مراكز الشرطة العراقية ؛ فقد تواتر النقل بأن الشاب الجميل بمجرد دخوله الى هذه الاماكن ولأي سبب كان , يتعرض فورا للاستغلال الجنسي من قبل الضباط او المنتسبين انفسهم ؛ او يتم بيعه لاحد السجناء الاغنياء , وهنالك مئات القصص الواقعية التي تؤكد ذلك , ومن هذه القصص : هروب احد الشباب من اهله ( من محافظة ... ) بسبب شجار عائلي حدث بينهم , ومجيئه الى العاصمة بغداد , وبدأ الشاب بالبحث عن عمل له , وبعد الجهود المضنية , وجد عملا في احدى المطاعم , واستمر بالعمل في المطعم ولمدة خمسة اشهر , ولم يستلم خلالها الا راتب شهر واحد فقط , وكان صاحب المطعم يتحجج بأنه يدخر المال له تارة وبعدم توفر النقد لديه تارة اخرى , وقد علم بقصة الشاب الهارب واستغلها كنقطة ضعف ضده , وكان الشاب يأكل وينام في المطعم نفسه , وفي احدى المرات طالب الشاب صاحب المطعم بأجوره ؛ الا ان صاحب المطعم رفض اعطاءه المبالغ , وتشاجرا الاثنان وعلا الصياح ؛ فأتصل صاحب المطعم ب مسؤول مركز الشرطة ( الفلاني ) واعطاه ( المقسوم ) الرشوة المعتادة , وتم تلفيق دعوى كيدية ضد الشاب ؛ واتهامه بسرقة صاحب المطعم وشهد بعض العمال على ذلك , والقي في موقف مركز الشرطة المشبوه , وكان الشاب جميلا , وقد امره احد الضباط بخلع الملابس كلها بحجة التحقيق معه , وبعدها اغتصبه وهو سكران اثناء الدوام الرسمي , ومن ثم تم بيعه لاحد السجناء من تجار المخدرات لاستغلاله جنسيا , وبعدها تم تسفيره لاحد السجون المركزية لإكمال محكوميته هناك , وهنالك ايضا تم بيعه تارة اخرى , واستمرت معاناته ...!! .
وهذه الظاهرة ( بيع الحلو او استغلاله واغتصابه في السجون العراقية ) كانت معروفة في عهد حكم البعث السافل ؛ فقد كان ضباط السجون يبيعون الشباب ( الحلوين والصغار ) للسجناء الاغنياء او السجناء المجرمين ( الخوشيه ال ماخذين على السجناء داخل السجن ) ؛ وحتى لو دخل الشاب الجميل الى السجن من دون بيع او مساواة ؛ فقد يتعرض للقسر والجبر والاكراه على ممارسة الجنس مع عتاة ومجرمي السجن ( الخوشيه والقتلة المجرمين ) ... ؛ بل ان النظام الصدامي الفاسد ؛ كان يرسل الشباب المتهمين بقضايا دينية وسياسية الى سجون ومواقف ومحاجر المجرمين والقتلة والسفلة احيانا ؛ وذلك بقصد اذلال هؤلاء السجناء الشرفاء على ايدي القتلة والمجرمين و ( الخوشيه ) بل واستغلالهم جنسيا احيانا ... ؛ ومن القصص العجيبة التي رواها لي احد الاشخاص , هذه القصة , اذ قال لي : تعرفت على شاب جميل عمره 19 عاما في احدى المعتقلات ( غرف التحقيق والتعذيب ) وكانت تهمته قتل ثلاثة اشخاص واصابة رابع بجروح , وكانوا من ازلام النظام الطائفي القذر , فسألته عن الامر , فقال لي : ذهبت الى احد الملاهي الليلية في بغداد وجلست على الطاولة لأحتسي الخمر , واذا بأربعة اشخاص امامي يجلسون , ويرتدون الزي الرسمي العسكري ( الزيتوني ) , وبدأوا بمجاملتي والقاء السلام , وبعدها ذهبت الى الحمام , واذا بهم ساروا خلفي , ودفعوني بقوة , وحاولوا نزع ملابسي , وكانوا ثمالى من السكر , فقمت بأخذ المسدس من احدهم , واطلقت النار عليهم , فأرديت ثلاثة منهم قتلى والرابع سقط جريحا ... ؛ ويكمل الراوي قائلا : ومضت الايام وتم تسفيري وتسفيره ولم اره بعد , وفي احدى المرات وعندما تم نقلي الى ( الثقيلة ) في سجن ( ابو غريب ) سألت عنه , فقالوا لي : انه ( الحلو او الفرخ مال السجن ) فالكل مارس الجنس معه , ولم اصدق الامر , وبحثت عنه , والتقيت به , وسألته عن صحة الخبر ؛ فأجابني قائلا : الامر اكبر من طاقتي , فقد تم اغتصابي من قبل ضباط التحقيق , انتقاما مني , لان الجماعة اوصوا بضرورة تعذيبي وهتك شرفي , ومن ثم سلموني الى مجرمي ( الثقيلة ) وامروهم باغتصابي ... ؛ وقد حكم علي بالإعدام شنقا , وسوف يتم نقلي الى موقف الاعدامات قريبا , واجهش بالبكاء .
الموظفين المرضى والشاذين والساقطين يبتزون المواطنات فلا يقدمون خدمة بلا مقابل ؛ بل احيانا يقدمون الخدمة العمومية - والتي هي من واجباتهم الوظيفية والتي يتقاضون عليها رواتب من خيرات العراق والامة العراقية - مقابل المال والجنس معا ؛ فلم يكتفوا بالفساد المالي والاداري بل الحقوا الفساد الاخلاقي والابتزاز الجنسي به ؛ لتكتمل المصيبة .
وللتحرش الجنسي صور عديدة ومنها : التحرش الجنسي اللفظي: و هذا النوع من التحرش الجنسي يعتمد على الالفاظ والكلمات والتعليقات والنكات والمعاكسات ذات المغزى الجنسي ... ؛ و التحرش الجنس الجسدي(العاطفي) :و يعتمد هذا النوع من التحرش الجنسي على تعبيرات الوجه وحركة الحواجب والعيون ونظرات العين والاشارات باليد وبالأصابع ونغمة الصوت والاحتكاك والتلامس والرتب على الجسد والاحتكاك والقرص والتقبيل والدخول الى المسافة الحميمية والتودد للضحية وإعطاء الهدايا ... ؛ و التحرش الجنسي الاجتماعي والاقتصادي : ويتجلى هذا التحرش الجنسي بحرمان الافراد سواء كانوا ذكوراً او اناثاً من العمل ومنعهم من متابعة التعليم وزيارة أقاربهم او اصدقاءهم او التدخل في علاقاتهم الشخصية وفي اختيار علاقاتهم الزوجية وكذلك حرمانهم من التعبير عن آرائهم داخل المحيط الاجتماعي والاسري والوظيفي ... الخ .
وترجع هذه الجريمة الى أسباب شخصية ونفسية واجتماعية وسياسية ؛ ترتبط بتراجع التنشئة الاسرية في البيت العراقي في هذا العصر ؛ نتيجة لكثرة المشاكل الشخصية والنفسية والاجتماعية من طلاق وبطالة وفقر , وفقدان الحنان والعطف في الأسرة بين الزوجين والابناء , وتدني المستوى الثقافي , وغياب الرقابة الحكومية الصارمة لتصرفات وسلوكيات الموظفين ، وكذلك تهاون اغلب افراد المجتمع في متابعة افراد الاسرة ، وكذلك الثقة الزائدة اتجاه الأقارب والغرباء ، بالإضافة الى فقدان هيبة وقوة المؤسسة القانونية في ضبط سلوك الافراد المتحرشين جنسيا لاسيما داخل الدوائر والوزارات والمؤسسات الحكومية ، وهذا بالإضافة الى الانفتاح الثقافي الذي يعتبر من اخطر الوسائل المساهمة في وقتنا الحالي في توسع هذه الظاهرة بمختلف وسائله الإعلامية المرئية والسمعية، وذلك لما تبثه من بعض المواد الإباحية التي تشجع على الاستغلال الجنسي والابتزاز والهيجان العاطفي والشبق الجنسي ؛ فهذه المواقع المشبوهة تبعث رسائل لأبناء المجتمع العراقي بما فيهم الموظفين ؛ مؤداها ان جسم الاشخاص عبارة جسد جميل مليء بالاغراءات والسعادة , بحيث اضحى البعض لا يفكر الا بالجنس ؛ و أصبحت شخصية الافراد تعيش في حالة جوع جنسي شديد ؛ فنراهم يبحثون عن أي وسيلة لإشباع هذا الجوع ؛ لذلك تراهم يتجهون للتحرش سواء بأفراد من اقاربهم او جيرانهم , او الغرباء , او المراجعين او المراجعات للدوائر الرسمية , او من تقع عينهم عليه ... ؛ وذلك لان الشهوة الجنسية سيطرت عليهم فأصبحت تسيرهم , و هم لا يلقون بالا للعواقب القانونية والاجتماعية والاخلاقية التي قد تواجههم في الحياة ... .
ومن القصص المؤلمة في هذا الإطار والتي نقلتها صحيفة وموقع ( العربي الجديد ) ؛ قصة العراقية ( ع. ر ) و كيف تعرضت للابتزاز من قبل موظف في دائرة التقاعد العامة في بغداد ، في مقابل استكمال معاملة تقاعد والدها المتوفى وتحويل راتبه لاسمها ... ؛ اذ تقول : إن الموظف كان لطيفاً ومتعاوناً في البداية ... , وقد ساعدني في أولى خطوات إجراء المعاملة وتحويل الراتب ، لكن المعاملة تحتاج إلى أكثر من أسبوع من أجل استكمالها بالكامل ... , لذلك، أعطاني رقم هاتفه الشخصي ، وأخبرني أن نتواصل ليطلعني على المعاملة ... , وبعد أيام طلب مني أن نتوجه إلى مطعمٍ لتناول وجبة غداء، ورفضت ذلك ؛ وبعد تكرار طلب الخروج ، هددني بعدم استكمال المعاملة ، وإلغاء الراتب التقاعدي، بحجة زواجي من ضابط ، مع العلم أنني لست متزوجة وأستحقّ الراتب ... ؛ واضطررت إلى اللجوء إلى الشعبة القانونية في دائرة التقاعد ، وتقديم شكوى في حق الموظف ، بعنوان الابتزاز والتحرش الجنسي , وبعد أيام ، اتصلوا بي من الشعبة القانونية وقالوا : إن المعاملة اكتملت ، و لكن تأكدت أن الموظف لم يعاقَب ، وهو مستمرٌ بعمله ...!! ؛ واشارات إلى أن هذه الأمور تتكرر كثيراً، وتحديداً مع الفتيات اللواتي يراجعن الدائرة بهدف تحويل الرواتب من المتقاعدين إلى مستحقيها ... ؛ بل وصل التحرش بالمحاميات ايضا فهن الاكثر عرضة للتحرش في دوائر الدولة ؛ وعلى الرغم من كونهن يعلمن بقوة القانون والعقوبات ضد المبتزين والمتحرشين ، إلا أنهن لا يتوجهن إلى المحاكم من أجل تقديم الأدلة التي تُدين المتحرشين، وذلك خوفاً على سمعتهن التي قد تتعرض للتشويه بعد الشكوى ... .
وتوضح الباحثة القانونية رواء الموسوي : أن سكوت المرأة التي تتعرض لهذه الحالات، يدفع الموظفين من المتحرشين والمبتزين إلى الاستمرار بهذا السلوك المشين ، لأن القانون العراقي يضمن للمرأة حماية من هذه التصرفات ؛ لكنّ هناك أمراً معقداً أثناء تقديم الشكاوى يتمثّل في الإجراءات الروتينية المتبعة في المحاكم والدوائر القانونية في البلاد، وهي بالعادة تقف عائقاً أمام تفعيل الشكاوى ضد الذكور المتنفذين ؛ لذلك، لا بد من تسهيل هذه الإجراءات لوضع حدّ لهذه التصرفات السيئة، التي لا تليق بسمعة الرجل العراقي الغيور ، ولا بدوائر الدولة الرصينة ، موضحة أن استمرارها قد يحوّلها إلى ظاهرة اعتيادية، وهذا أمر خطر ... ؛ وإلى ذلك، تشير عضو لجنة المرأة في البرلمان العراقي هيفاء الأمين إلى أن : ملف الابتزاز والتحرش هو الأخطر على المرأة أثناء مراجعتها للدوائر الحكومية، لدرجة أن ما يحدث اليوم في المؤسسات أكبر من القول إنه مجرد حالات فردية، وإنما وصل إلى مرحلة الظاهرة ... ؛ إذ تعاني النساء العراقيات في البلاد من جراء عمليات الابتزاز والتحرش المستمرة، كالمحامية والموظفة والمواطنة العادية والنازحة والسجينة والارملة والمطلقة ... ؛فالعراقيات هن الأكثر تضرراً من الحروب والنزاعات والازمات المستمرة ... .
بل تفاقمت ظاهرة التحرش وتمددت و وصلت الى جامعات العراق والحرم الجامعي ... ؛ فقد تخرجت شذى (30 سنةً، اسم مستعار) ، ضمن الأوائل على دفعتها قبل سنوات، وتوظفت معيدةً في الكلية نفسها في واحدة من جامعات بغداد ، قبل أن يتم قبولها لدراسة الماجستير ... , واعتقدت أن طريقها سالك نحو تحقيق حلمها الأكبر بالحصول على شهادة الدكتوراه، لكن أستاذها الذي اعترض طريقها مطالباً إياها : بـ"علاقة سرّية"، حوّل حلمها إلى كابوس ... !
وتشهد الجامعات العراقية المئات من حالات التحرش الجنسي التي تدفع الفتيات إلى التخلي عن حلم إكمال دراستهن، حيث يخضعن للضغوط ويقعن في شباك علاقات تحوّل حياتهن إلى جحيم، بحسب ناشطات مدنيات يقمن بتوثيق بعض قصص التحرش وسط قيود مجتمعية تمنع مواجهة ما بات يشبه الظاهرة ... . وتكمل شذى قائلة وهي تقاوم نوبة بكاء : إن الأستاذ الذي كان يشغل منصب رئيس القسم، والمشرف على رسالتها في الوقت عينه، كان لطيفاً وودوداً ومتعاوناً معها ومع زميلاتها وزملائها، ولم ترصد شيئاً غير طبيعي في سلوكه خلال سنتها الدراسية الأولى، خاصةً و أنه يكبرها بثلاثين عاماً ... ؛ و لكن الأستاذ ظهر بوجه آخر في السنة التالية ، عندما تعرفت إلى موظف شاب في الكلية، ونشأت بيننا علاقة حب، واتفقنا على الزواج ... .
و كان بين حبيبها وبين أستاذها خلاف شخصي قديم ، وبدا أن الأخير يحاول الانتقام منه عبرها ؛ وقالت : كان يتصل بي ليلاً ويرسل إليّ عبارات مليئةً بالغزل ... ؛ وعندما واجهته طالبةً منه الكفّ عن ذلك ، أبدى غضبه من تفضيلها حبيبها عليه، وقال : إنه لن يسمح بزواجهما مطلقاً، وذكّرها بأنه يستطيع تدمير مسيرتها العلمية ... , ونفّذ وعيده، إذ أهمل قراءة ما يتم تصحيحه في الرسالة متعمداً ليهدر وقتها ، وكان يطلب منها مصادر استحال العثور عليها وفقاً لروايتها ، وعندما كانت تناقشه في ذلك كان يجيبها بهدوء كأنه يصف لها دواءً لعلاج حالتها المرضية المستعصية : علاقة سرّية أو زواج سرّي وستنتهي معاناتك ؛ وحين عبّرت له عن رفضها التام، هددها بعبارة كررها بصوت عالٍ في وجهها : "سوف تندمين"، ونفّذ تهديده بعدها بأسبوع من خلال إيصال معلومات إلى ذويها بوصفه رئيس قسم في كليتها ويخشى على مصلحتها، أفادت بأنها على علاقة بموظفٍ سيئ السمعة وزير نساء ، فما كان من والدها ذي النزعة القبلية إلا أن أجبرها على التخلي عن دراستها، وملازمة المنزل مع تعرضها لتعنيف جسدي ... ؛ و حاولت شذى، الخروج من سجن المنزل، من خلال تواصلها مع ناشطات يعملن في منظمات معنية بحقوق المرأة للتدخل وإقناع والدها بمواصلة دراستها ، دون جدوى، كما تشير إلى أن والدا حبيبها تقدّما لخطبتها، لكن والدها رفض وبشدة مستنداً إلى المعلومات التي أوصلها إليه رئيس القسم ... , ولم يتوقف الأستاذ الدكتور رمز الأخلاق والنزاهة عند ذلك ، اذ تقول شذى وتضيف : بل وصلت به الدناءة إلى أن يطلب من صديقة لي أن تخبرني بأن في وسعه إقناع والدي بإعادتي إلى الدراسة ومساعدتي في الدكتوراه بعدها ، بمجرد موافقتي على ما يريد ... ؛ و تستدرك : سلطته الإدارية وضعف القانون والوصمة الاجتماعية، تجبرنا على الصمت حتى الموت بحسرتنا ...!! .
ان معظم قصص التحرش في الجامعات العراقية الحكومية أو الأهلية على حد سواء، تظل تفاصيلها حبيسة صدور الضحايا، وهن إما مدرّسات أو موظفات أو طالبات، خشية الفضيحة الاجتماعية وتحولهن من معتدى عليهن وعلى حقوقهن إلى مذنبات فتُفرَض عليهن عقوبات من ذويهن، بمنعهن من الاستمرار في الوظيفة أو الدراسة، بحسب ناشطات وهيئات تدريسية ... ؛ وربما يصل الأمر إلى أبعد من ذلك بقتلهن بداعي غسل العار، كما أن العجز عن الإثبات بأدلة تطلبها الإجراءات التحقيقية والمحاكم، يقف حائلاً أمام مضيّهن في شكاواهن.