توطئة :
كانت دير الزور من أوائل المدن التي شهدت مظاهرات واسعة ، فبدأت المظاهرات في المدينة منذ 15 اذار عام 2011، ثم دخلت بعض العناصر الارهابية والتخريبية على الخط , و في تظاهرات يوم الجمعة بتاريخ 22 نيسان عام 2011 وهي الجمعة السادسة في تاريخ التظاهرات السورية تمّ إسقاط تمثال باسل الأسد، وحتى ذلك الوقت كانت الحكومة السورية تتعامل بحذر مع الاحتجاجات التي اندلعت في دير الزور، بسبب طبيعتها العشائرية وسعة مساحتها، ووجود كميات من السلاح فيها خزنت من أيام حرب العراق، وحين توجه المتظاهرون نحو تمثال باسل الأسد، و قام عناصر الأمن بإطلاق النار في الهواء فقط ، ويقال إنه لم يتم إطلاق النار على المتظاهرين ومنعهم من إسقاط التمثال لأن القيادات الأمنيّة لم تكن تريد اراقة الدماء وقتذاك لأسباب كثيرة .
ثم ازدادت اعداد المتظاهرين والمندسين معهم , واشتبكت عناصر الامن الحكومية معهم ؛ مما ادى الى حدوث مصادمات , و في 3 حزيران عام 2011 خرجت مظاهرة حاشدة ضمت خمسة عشر الفا ، اتفق منظموها على التوجه إلى ساحة الرئيس وفي طريقهم إلى هناك قاموا بتحطيم مكاتب ومحتويات شركة ( سيرياتل ) للاتصالات الخليوية، ومروا بقيادة المنطقة الشرقية للجيش والقوّات المسلحة حيث اكتفى عدد من الجنود التابعين للقيادة بمراقبة التظاهرة والمتظاهرين من دون حمل أي أسلحة إلا أنهم حين تقدموا أكثر اعترضهم أحد ضباط الأمن وانتهت المظاهرة بسقوط قتيلين... ؛ واستمرت مظاهرات المدينة بالتصاعد تدريجيًا، وفي جمعة أحفاد خالد بن الوليد بتاريخ 22 تموز عام 2011 شهدت المدينة أكبر المظاهرات، حيث فاق عدد المشاركين 200 ألـف، وسط غياب تامٍ للتواجد الأمني في المدينة... , لكن الحملات العسكرية والمداهمات الأمنية سرعان ما بدأت تأخذ دورها ضد بعض أهالي المدينة المتهمين بالتخريب والارتباط بالجهات الخارجية المعادية ، وحدثت اشتباكات قوية بين الطرفين وخرجت المدينة عن السيطرة الحكومية وعمت الفوضى ارجاء المدينة ... ؛ ثم فرضت القوات الحكومية السورية سيطرتها الكاملة على المدينة في آب عام 2011، ولكن الجيش الحر عاد ليبسط سيطرته عليها في حزيران عام 2012، ومع بداية عام 2014 أعلن تنظيم الدولة ( داعش) ضمها إلى ما سماه بالدولة الإسلامية في العراق والشام، وبقيت القوات الحكومية السورية محاصرة في جزء صغير من المدينة ... , وفي 2 تشرين الثاني عام 2017 استعادت الحكومة السورية السيطرة على كامل مدينة دير الزور، حيث نقل التلفزيون الرسمي عن مصدر عسكري قوله : «أنجزت وحدات من قواتنا المسلحة بدعم من القوات الرديفة والحليفة تحرير مدينة دير الزور بالكامل من براثن تنظيم داعش الارهابي بعد ان قضت على اعداد كبيرة من ارهابيي التنظيم ودمرت اسلحتهم وعتادهم».
وأغلب سكان دير الزور حاليًا هم من القبائل العربيّة الرحّل التي استقرت في المدينة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لزراعة الأرض واستثمارها، أو من استقرّ بها من القبائل لاحقًا خلال القرن العشرين، وأكبر القبائل هي قبيلة البقارة – البكارة - ، تليها قبيلة العقيدات إحدى أقدم القبائل من حيث الاستقرار، كما يعيش في المدينة عدد من العشائر العربية الأخرى... ؛ وهناك بعض العوائل الكردية القليلة التي وفدت إلى المدينة من ( جبال قنديل ) ، إضافةً إلى وجود الأرمن، حيث أنّ المدينة كانت من المدن التي نُفي إليها الأرمن قسرًا خلال المذابح الأرمنية خلال الحرب العالمية الأولى ... ؛ و العرب السنة يشكلون الأكثرية الساحقة في المدينة، ولهجة المدينة (اللهجة الديرية) اقرب للهجة العراقية الموجودة في محافظة الانبار العراقية نتيجة التداخل الجغرافي والاجتماعي والتاريخي الكبير... ؛ وحلت مدينة دير الزور في المركز السادس بين المدن السورية من حيث عدد السكان بعد حلب ودمشق وريفها وحمص وحماة للعام 2011 حيث بلغ سكانها : ( 1,2 مليون نسمة ) .
و في ثمانينيات القرن العشرين اكتشفت في المحافظة وعلى مقربة من المدينة، كميات ضخمة من النفط والغاز، وأكبر الحقول القريبة من دير الزور هو حقل التيم الذي يبعد عن مركزها حوالي 6كم، واكتشف في سبتمبر 1987... , كذلك فقد اكتشف حقلي الطيانة والتنك على ضواحي المدينة عام 1989... , وتستثمر هذه الحقول، شركات وطنية سورية وأجنبية، وتنتشر على مقربة من المدينة محطات تجميع وضخ النفط، واستخراج ومعالجة الغاز الطبيعي وضخه عبر شبكة الأنابيب؛ ولا تزال عمليات التنقيب تجري لاستكشاف آبار وحقول نفطية جديدة ... , أما الثروة الباطنيّة الثانية هي ملح الطعام، وتعتبر المنطقة بشكل عام المصدر الرئيسي للأملاح في سوريا ... ، و تعتمد المدينة بشكل رئيسي على الزراعة في اقتصادها لاسيّما القطن الذي يصدّر إلى الخارج ، و يزرع أيضًا في دير الزور القمح والشعير، ويعتبر القمح المحصول الثاني بعد القطن ؛ وهناك أيضًا السمسم والشوندر السكري وبعض أشجار الفاكهة كالرمان والمشمش ؛ فضلًا عن الذرة ... ؛ كما تحوي الأراضي الزراعيّة حول المدينة محاصيل عدد من الخضروات الصيفيّة المتنوعة كالبندورة والباذنجان والبطيخ الأحمر... ؛ وكذلك فإنه ينتشر في محيط الدير وضواحيها تربية الحيوانات لاسيّما الأبقار والاغنام والماعز والدواجن ... ؛ بالإضافة الى وجود الصناعات الغذائية والتقليدية ... الخ ؛ وتبلغ مساحة دير الزور نحو 33 ألف كيلومتر مربع، مشكّلة 18 في المائة من مساحة سوريا.
ومنذ بداية الحرب الدائرة بهذا البلد عام 2011، بقيت هذه المحافظة منقسمة السيطرة بين جهات محلية وإقليمية ودولية ؛ إذ تسيطر القوات الحكومية على مركز المدينة وأجزاء من ريفيها الجنوبي والشرقي ، وهي مناطق تنتشر فيها أيضاً فصائل المقاومة الشيعية والايرانية والقوات الروسية ... ؛ في المقابل، يخضع ريف المحافظة الشمالي وقسم من شرقها لنفوذ «قوات سوريا الديمقراطية - قسد - » وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والامريكان ، ... ؛ ولم تهدأ مناطق دير الزور منذ اندلاع الاحداث والى هذه اللحظة , اذ شهدت التدخلات التركية والفصائل التابعة لها , والامريكية وقوات التحالف الدولي , وقوات قسد وحزب العمال الكردي واكراد العراق , وداعش والفصائل الارهابية الاخرى , بالإضافة الى القوات الحكومية السورية والفصائل السورية التابعة لها , وكذلك القوات الصديقة والحليفة للحكومة السورية كالقوات الروسية والايرانية وفصائل المقاومة الشيعية وحزب الله ... الخ ؛ كما اسلفنا انفا .
وكعادة الامريكان في صناعة الازمات والاستفادة منها ؛ تدخلت الولايات المتحدة الامريكية في الشأن الداخلي السوري عام 2014 بحجة محاربة داعش والتي هي صنيعة امريكية وبامتياز والكل يعلم بذلك , وقد بدأت العمليات العسكرية والضربات الجوية الامريكية من عام 2014 والى 2017 ضد مقرات داعش كما صرحوا بذلك , وكذلك جماعة خراسان في محافظة إدلب إلى الغرب من حلب وجبهة النصرة حول الرقة، في إطار التدخل العسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ؛ بل وصل الامر بهم الى ضرب مقرات ومواقع الجيش السوري الذي يقاتل التنظيمات الارهابية والعصابات المسلحة ؛ اذ شنت الولايات المتحدة ضربة صاروخية على قاعدة الشعيرات الجوية السورية في 7 أبريل 2017 ؛ و هي المرة الأولى التي تصبح فيها الولايات المتحدة مقاتلا مباشرا متعمدا ضد الحكومة السورية، ومثلت بداية سلسلة متعمدة لعمل عسكري مباشر من جانب الجيش الأميركي ضد القوات الحكومية السورية والقوات الموالية للحكومة والصديقة في الفترة من مايو إلى يونيو 2017 وفبراير 2018 ...!! .
و في 17 آب 2020 ؛ قُتل عنصر في الجيش السوري وأصيب اثنان آخران في هجوم بقنبلة نفذته طائرة أمريكية , قرب ريف الحسكة شمال شرقي سوريا. كان موقع الهجوم حاجزاً لقوات الجيش السوري تحت سيطرة القوات الكردية ... , ووقع الحادث بعد لحظات من منع دورية أمريكية من المرور عبر حاجز للجيش في المنطقة ... .
و في منتصف يناير 2018، أشارت إدارة ترامب إلى أنها تعتزم الإبقاء على وجود عسكري مفتوح في سوريا للتصدي لنفوذ إيران والإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد ... ؛و في 19 ديسمبر 2018 أعلن الرئيس دونالد ترامب أنه سيسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا في عام 2019، دون تحديد جدول زمني. و كان عدد جنود الولايات المتحدة في سوريا : 2000 جندي يقاتلون في سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية كما يدعون ... ؛ الا ان حقيقة تواجد هذه القوات المحتلة والمتواطئة مع قوى الاستكبار العالمي الاخرى والجماعات الارهابية العميلة ؛ هو سرقة القطن والقمح والنفط والغاز وسائر الثروات الوطنية السورية ؛ وهذا ما أثبتته الايام فيما بعد , فها هو الشعب السوري يعاني الامرين من انقطاع التيار الكهربائي وشحة الوقود والمشتاقات النفطية كالكاز والبنزين والنفط الابيض , بالإضافة الى الغاز ... ؛ مما تسبب بخلق ازمات خدمية ومعيشية خانقة، حيث شُلت حركة النقل والمواصلات خاصة في العاصمة دمشق وريفها، وازدادت -بالتالي- ساعات القطع الكهربائي لتصل إلى 22 و23 ساعة يوميا ... , وإلى جانب ندرة المحروقات في السوق السوداء مع الارتفاع المستمر في أسعارها، تعطلت شبكات الهاتف المحمول والإنترنت في العديد من المناطق ... ؛ وتنعكس آثار هذه الأزمة بشكل حاد على معظم شرائح المجتمع السوري، لا سيما الطلبة والموظفين الذين كانوا يعانون -في الأساس قبل تفاقم الأزمة خلال الأيام القليلة الماضية- من غلاء المواصلات وصعوبة الوصول إلى وظائفهم وجامعاتهم ومدارسهم ... ؛ في حين تسيطر الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي والمليشيات التابعة لها على ابار النفط والغاز السوري , وتستولي عليه جهارا نهارا , وتحرم الشعب السوري من الاستفادة من ثرواته الوطنية .