الارتفاع الجنوني لأسعار الإيجارات باليمن...
تشهد الإيجارات للمنازل والعقارات، ارتفاعاً جنونياً وغير مسبوق، في ظل الحرب الدائرة في البلاد منذُ ثمانِ سنوات، حيث شهدت العقارات والمنازل والشقق في السنوات الأخيرة، ارتفاعاً فاحشاً من حيث الإيجارات الشهرية، في ظل غياب رقابة الدولة بشكل عام، وكذلك في ظل غياب قانون حديث ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في ظل الظروف الاستثنائية في البلاد..
لقد نصت المادة(211) من القانون المدني اليمني على أن (العقد ملزم للمتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين ، أو للأسباب التي يقررها القانون الـشرعي ، ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة كالحروب والكوارث لم تكن متوقعة ، وترتب على حـدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وأن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده، بخسارة فادحة لا يستطيع معها المضي في العقد ، ولا يعني ذلك ارتفاع الأسعار وانخفاضها جاز للقاضي تبعاً للظروف من فقر أو غنى وغير ذلك ، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول) بخصوص هذه المادة فقد ذكرت الحرب من الحالات الاستثنائية التي أجازت للقاضي تخفيف المبلغ المتفق عليه بين الطرفين حسب الظروف والأحوال، هذا بالنسبة للحروب القصيرة في اعتقادي رغم أن المشرع لم يحدد مدة الحرب، ولكننا اليوم نعيش في ظل حرب مستعرة طويلة الأمد، وفي ظل انعدام شبه تام للدولة وغياب الدور الرقابي لها، الأمر الذي جعل من مؤجري العقارات ينهشون في جيب المواطن والموظف دون أدنى خجل من المسؤولية والضمير..
إن قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر يشوبه قصور من حيث تنظيم العلاقة بينهما في ظل نظرية الظروف الطارئة، وبالتالي كانت الحكومة اليمنية بحاجة إلى تعديل للقانون وفقاً لمتطلبات الزمان والمكان ومراعاة لظروف أغلب السكان والنازحين الذين يتجرعون كأس البؤس والذل والهوان من قبل مالكي العقارات، حيث أصبح المؤجر يطلب من المستأجر شروط تعد من باب التعسف ليس إلا، والدليل على ذلك هو أن المؤجر قبل أن يبرم عقد الإيجار لديه شروطاً تعسفيه كالاشتراط أن يكون مغترباً، وليس لديه أطفال، وأن لا يكون موظفاً بالدولة، أو لديه عائلة كبيرة، الخ... صحيح أن المشرع اليمني جعل العقد شريعة المتعاقدين فمن حقهم إبرام العقود وفق شروطهم، وبشرط ألا تكون مخالفة للنظام العام والآداب العامة، ولكن العقود اليوم أصبح فيها من الاستغلال لمصالح الناس ولحاجتهم وخاصةً النازحين منهم ما الله به عليم.
سوف نضرب أمثلة حية لمستأجرين عبث بهم المؤجرون دون أدنى شفقه أو رحمة، يقول أحدهم بأن صاحب البيت أنذره بزيادة الإيجار من ٦٠ الف ريال الى ١٢٠ الف أي بنسبة ١٠٠٪ وبعد رفض المستأجر الزيادة أنذره بالخروج فوراً وبأنه سيخلي الشقة لأحد أولاده، وحين رفض المستأجر ذلك، تقدم المؤجر بشكوى إلى قسم الشرطة الذي لا يحق له قبول قضايا الإيجار حسب القانون لأنها قضايا مدنيه وليست من اختصاصه، وتم استدعاء المستأجر وحبسه دون أي مسوغ قانوني، هذه قضية وغيرها كثير مما تعج بها أبواب المحاكم والنيابات وأقسام الشرطة ويجبر البعض على الخروج إلى الشارع دون أدنى مراعاة لحرمة حق السكن والإيواء..
تشير الإحصائيات إلى أن اكثر من ٤٧٪ من قضايا المحاكم قضايا تتعلق بالإيجار، حيث يعتبر قانون الإيجار اليمني منظم للعلاقة بين المؤجر والمستأجر في الحالة المستقرة، ولذلك هناك مميزات للمستأجر يمكن أن يقاضي بها المؤجر في حالة سريان العقد فقط فكما تنص المادة 86 من قانون الإيجار على أنه ( إذا اشترط المؤجر على المستأجر أن يكون له الحق في إنهاء العقد في أي وقت قبل انقضاء العقد بطل الشرط ولا يؤثر هذا البطلان على صحة العقد، ويصح أن يشترط المستأجر أن يكون له الحق في إنهاء العقد في أي وقت، ويجوز لأحد المتعاقدين أن يطلب إنهاء العقد قبل انقضاء مدته لعذر طارئ ويخضع ذلك العذر لتقدير المحكمة مع الحكم بتعويض مناسب عن الضرر الذي لحق بالمتعاقد الآخر) إلا أن القانون المدني في نص المادة (754) مدني يمني نص على أن ( لا تسري الأحكام الواردة في هذا الفصل إلا بالقدر الذي لا تتعارض فيه صراحةً أو ضمناً مع القانون الخاص بالإيجارات وخاصة المسائل المتعلقة بمدة الايجار ومقداره وقواعد التخلية على أن يراعى في ذلك الغرض من الانتفاع وطبيعة الأحوال المعيشية وظروف الزمان والمكان وبما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية) وهذه المادة استندت عليها محكمة استئناف تعز واصدرت تعميم إلى المحاكم بأن يتم رفض دعوى التخلية ورفض الايجارات بالعملة الصعبة وعدم قبولها، وفي المادة المشار إليها صلاحيات واسعة للمحكمة أن تراعي حسب الزمان والمكان وبما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية، والأحكام الشرعية حرمت استغلال ظروف الناس خاصةً أثناء الحروب والظروف الطارئة من كوارث وفيضانات وغيرها، إلا أن المواطن لا زال يعاني ارتفاعاً كبيراً في أسعار الإيجارات، وغياب للدور الرقابي القانوني من قبل سلطات الدولة..