محمد العتيبي ( صحيفة الوطن السعودية ١٠ ديسمبر ٢٠١٦ ) 

كلنا نتفق بأن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، مهما حاول العيش منفردا بعيدا عن الآخرين فإنه حتما لن يطيق ذلك، وسترهقه كل المحاولات التي سيقوم بها ولن يجد بدا من التواصل بهم والإندماج معهم لتقوم بذلك حياته وتكتمل أركانها - بتكامل العنصر البشري - والتي من أهمها تحقيق فطرة التعايش والاتصال، ورغم ما ذكر فكل منا بحاجة ماسة لأن يخلو بنفسه بين الفينة والأخرى - بعيدا عن الحياة اليومية السريعة ومشاغلها المعتادة - ويعتزل الآخرين مؤقتا لمحاسبة النفس والوقوف على عثراتها لتقويمها وتطويرها ولتكون هناك فرصة حقيقية لتعزيز اتصال الروح بخالقها عز وجل، ومن خلال تلك العزلة يمكن للفرد أن يمارس هواياته الخاصة وينميها كالقراءة والكتابة والبحث أو حتى للتأمل فقط، وكثرة المخالطة بلا شك تشوش الذهن وتعيق الفكر عن النمو وكذلك فإن التخفف من الشواغل أيا كانت - بشرية أو تقنية - تجعل العقل في ذروة نشاطه، فكلما تخلى الفرد عما يشغله زاد نشاطه الذهني - ومن مظاهر ذلك النشاط حدوث صداع على غير العادة - لأن ما يشغلنا لا يجعلنا نشعر بتلك العمليات العقلية.

ولأهمية العزلة المؤقتة فقد لجأت بعض البلدان بمختلف دياناتها وتوجهاتها - مثل الهند - إلى إنشاء مراكز ومنتجعات خاصة لفن التأمل (اليوغا) يقصدها كثير من الناس من جميع الأقطار - بحثا عن السعادة - ليختلوا بأنفسهم بعضا من الوقت وليخلقوا توازنا روحيا عقليا جسديا من خلال ذهن صاف يمكنهم من فهم ذواتهم والتعمق فيها ومعرفتها على حقيقتها والاتصال بخالقها أكثر وأكثر، وعن نفسي فقد جربت تلك الخلوة وما زلت - حينا بعد حين أقوم بها - وذلك بالتقليل من المخالطة وحذف بعض برامج التواصل التي تستنزف كثيرا من الوقت وتقنين استخدام البعض الآخر، فكانت النتيجة إيجابية حيث الإنجاز وإنهاء الكثير من الأعمال وتقديم الأهم على المهم ومحاسبة النفس وإصلاحها قبل كل ذلك، ومن الخطأ أن تربط سعادتك بمشاركة الآخرين وكثرة مخالطتهم، بل اصنع لحظات الفرح بنفسك وعشها واستمتع بها ولو بمفردك، وإني لأعجب من أولئك الذين يملون من الجلوس بمفردهم، فسعادتهم معلقة بغيرهم (يتصل بهذا ويُشغل هذا ويلح على الآخر.. إلخ)، يشغلون الآخرين ويحرجونهم وربما شاركوهم في أوقاتهم الخاصة! ويزداد عجبي عندما يتم اتهامك بأنك مصاب بمرض نفسي أو كما يقال (نفسية)، كلما حاولت أن تخلو بنفسك! يقول شوبنهور: كلما كان الإنسان أكثر اجتماعية كان أقل عبقرية وأكثر ابتذالا.