عقدت يوم الثلاثاء 22 أوت 2023 بعاصمة جنوب افريقيا جوهانسبورغ، أعمال الاجتماعات الـقمة الــــ 15 لمجموعة بريكس الذي يعتبر كتكل اقتصادي (أو هكذا على الأقل ما صرح به مؤسسو المجموعة)، وكان على جدول أعمال القمة بحث طلبات انضمام من جانب 23 دولة، تقدمت بطلبات الانضمام لهذا التكتل، بالإضافة إلى مناقشة إمكانية وضع عملة موحدة ومشاريع أخرى منها تعزيز الاستثمار في أفريقيا.

ويعمل مؤسسو البريكس على تقوية التكتل ضمن جهود لتأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد متعدد الأقطاب، بعيدا عن النظام الحالي القائم على نمط واحد وتتحكم فيه الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هذا المنطلق، يرى مراقبون أن تكتل "بريكس" يمكن تصنيفه على أنه منظمة موازية لمجموعة السبعة الكبار التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تضم كلا من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان، والحقيقة أن هذا التصنيف غير حقيقي على الأقل في الوقت الراهن.

وسعت الجزائر الى الانضمام لهذا التكتل مباشرة بعد جلسات القمة السابقة في صائفة 2022، حيث دعي الرئيس الجزائري كضيف شرف، ليعلن بعد نهاية الأشغال اهتمام الجزائر بالانضمام إلى "بريكس"، وفي نهاية العام 2022، أكدت المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الدولية الكبرى بوزارة الخارجية الجزائرية ليلى زروقي، تقدم الجزائر بطلب الانضمام رسميا.

وقبل نحو أسبوعين، من انعقاد مجلس القمة، عاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، للحديث عن البريكس في مقابلة مع وسائل الاعلام الوطنية، مؤكدا أن دول مثل الصين وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا يدعمون انضمام الجزائر.

الملفت في كلام رئيس الجمهورية الجزائرية أنه لم يجزم بأن انضمام الجزائر الى البريكس سيكون خلال القمة القادمة، صائفة 2023، مشيرا إلى أن أول خطوة قد تكون قبولها كعضو مراقب.

اذن الجزائر تقدمت بطلب رسمي لهذا التكتل، وتم استبعادها، وانتخاب دول أخرى لهذه العضوية، والسؤال الذي طرح لماذا تم استبعاد الجزائر؟ والحقيقة ان لا أحد يمكنه الجزم بأنه يملك الإجابة الصحيحة والحقيقة الكاملة لهذا الاستبعاد، وتبقى هناك قراءات وفق استنتاجات ومؤشرات ومعلومات متوفرة، لكنها غير موثقة.

وأحد القراءات التي يمكن الاستئناس بها وفق استنتاجات، تقوم على أن الجزائر هي من طلبت تأجيل عضويتها، والسؤال هنا، كيف ذلك؟ ووفق أي معلومات؟ ولماذا فعلت ذلك، بالرغم من أنها سعت وبكل قوة لهذا التكتل وقد كان هذا المسعى، هو أحد الانشغالات والمطالب التي حملها رئيس الجزائر الى كل من روسيا والصين؟

وننطلق من فرضيتين هنا الأولى تتعلق بأن الاستبعاد كان ذاتيا، أي أن الجزائر استبعدت نفسها لاعتبارات ذاتية، والفرضية الثانية هو أن الاستبعاد كان خارجيا وخارج إرادة الدولة الجزائرية لأسباب يأتي تفصيلها فيما بعد.

تقوم فرضية الاستعباد الذاتي على فرضيتين كذلك، الفرضية الأولى تتعلق باستبعاد لأسباب داخلية وبالوضع الاقتصادي والاجتماعي الجزائري، والفرضية الثانية، تقوم على استبعاد ذاتي تحت طلب أو ضغط خارجي من قوى أجنبية، نفترض هنا أن هذه القوى تتمثل في أمريكا والاتحاد الأوروبي.

نبدأ بالفرضية الأولى المتمثلة في أن الاستبعاد كان ذاتيا ولأسباب داخلية؟ والبداية تكون من سؤال ما هي مؤشرات والدلائل التي تشير الى أن الاستبعاد كان ذاتيا؟ وبتتبع مسار الحديث عن البريكس، والانخراط الجزائري في هذا المسعى، يبدأ من أن الجزائر تقدمت بطلب الانضمام بصفة رسمية، ليبدأ الحديث بعدها من طرف الجهات الرسمية أن الجزائر يمكنها الانضمام وفق مؤشرات اقتصادية والتي لا ترتقي الى مؤشرات الدول المؤسسة ولكنها قريبة وفق الأرقام التي تقدمها السلطات، بالإضافة الى المؤشر السياسي الذي يظهر من خلال موافقة على الأقل كل من روسيا والصين وجنوب افريقيا.

ثم في مرحلة لاحقة نسمع حديث آخر عن ان الجزائر ستكون بصفة عضو مراقب ضمن البريكس، بالرغم من أن دول البريكس لم تتحدث عن عضوية بصفة مراقب، وكل أحاديث قادة دول البريكس كانت تصب في توسيع التكتل بصفة عضوية كاملة، والسؤال هنا لماذا هذا التحول؟ فقد كان كل الحديث الإعلامي والسلطات يتحدث عن انضمام كامل العضوية، والاجابة عن هذا السؤال، تتعلق باحجام جزائري في آخر لحظة عن الانضمام، ولهذا اوعزت لأحد الأعضاء بعدم قبول الملف الجزائري، فلماذا هذا السلوك الجزائري؟ المناقض للسلوك الساعي للانضمام في البداية، وحتى قبل ثلاثة أسابيع من اجتماع قمة البريكس

اعتقد أننا أمام فرضيتين تتعلق الأولى بان السلطات الجزائرية أعادت قراءة الوضع الاقتصادي الجزائري بعد الدخول الى البريكس وما يتطلبه من التزامات، ومع هذه المراجعة تم اكتشاف ان الأرقام الاقتصادية المقدمة مبالغ فيها ولا يمكن للجزائر الصمود دون تنازلات، كعضو داخل البريكس، وهو الأمر الذي سيدفعها الى اتخاذ إجراءات تقشفية، أهمها خفض ميزانية التحويلات الاجتماعية، الأمر الذي قد يسبب قلاقل واضطرابات، خاصة مع الارتفاع الجنوني للسلع، وبالتالي مس بالأمن الاجتماعي، وهو الامر الذي لا يمكن للسلطات المجازفة به.

وعليه تم التراجع عن الانضمام بعضوية كاملة، والسعي لعضوية بصفة مراقب فقط، ولأن التكتل لم يقرر صفة المراقب فقد تم الاستبعاد، أو تم الطلب من أحد الحلفاء كروسيا أو جنوب افريقيا بإرجاء دخول الجزائر الى البريكس الى الدورة القادمة.

الفرضية الثانية: تتعلق بضغط غربي امريكي أو من الاتحاد الأوروبي، أو من كلاهما، والذي يشير الى هذا هو السعي الحثيث للولايات المتحدة الأمريكية لاحتواء الجزائر، واغرائها عن طريق وعود باستثمارات كبيرة، حتى خارج نطاق المحروقات، ولأول مرة في تاريخ العلاقات الجزائرية الأمريكية يتم ذكر تاريخية هذه العلاقات، فقد قال كاتب الدولة للشؤون الخارجية أنطوني بلينكن: " تعود العلاقة بين الجزائر والولايات المتحدة الامريكية الى سنوات عديدة في الواقع منذ سنة 1795، وهي شراكة نمت بشكل أقوى في السنوات الأخيرة"، وفي هذا إشارة الى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لجعل الجزائر حليف لها أو على الأقل عدم معاداتها، ومن جهة أخرى تشير هذه العبارة والاستقبال المميز لوزير الخارجية الجزائري الى تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية لمسألة طرح نواب جمهوريين لاقتراح معاقبة الجزائر بسبب قربها من روسيا.

من جهة أخرى وكدليل على صحة الفرضية هو ما صرح بها السيد عبد القادر بن قرينة رئيس حزب حركة البناء الوطني، الجزائري في حصة على الشروق نيوز للصحفي قادة بن عمار: "ان هناك جهات خارجية سيادية دون تسميتها اتصلت به، لتطلب منه إيصال رسالة للسلطات العليا للبلاد مفادها عدم الدخول الى منظمة بريكس، وأن هناك بديل لهذا التكتل"

حتى لا نتوه في صحة من عدم صحة ما صرح به بن قرينة، والفرضية هنا صحة ما قاله، لانه ببساطة ما الذي يدعوه للكذب، والسلطات لم تكذب مثل هذا التصريح، خاصة وأنه قال ان تلك الرسالة وصلت الى السلطات العليا للبلاد، بما يعني انها وصلت الى رئيس الجمهورية، ولا جهة كذبت الخبر أو نفته، كما أنها لم تعلق عليه.

وبالتالي فهذا مؤشر يشير الى صدق ما ذهبنا اليه، من ان هناك جهات أجنبية ضغطت، أو طلبت، وحتى يكون المصطلح المستخدم هنا صحيحا فالأولى استخدام مصطلح ضغطت على الجزائر حتى لا تدخل البريكس، وهو الضغط الذي تفاعلت معه الجزائر إيجابيا، وسحبت طلبها.

والأسباب كثيرة هنا لعل أقواها عدم قدرة الجزائر على مقاومة الضغط، وربما عدم القدرة على مقاومة الاغراءات المقدمة خاصة اذا كانت على شكل استثمارات تعطي للاقتصاد الوطني دفعة قوية للإقلاع الحقيقي، وربما تكون كذلك  الاغراءات سياسية، على شكل حماية الجزائر ضد كل أنواع التحرش التي قد تتعرض لها مستقبلا.

الدكتور بصيلة نجيب