الكاتبة: ماريا بوبوفا

كتب هنري ديفيد ثورو في مذكراته: "أحياناً أظل مستيقظاً ليلاً أفكر في الصداقة وما يمكن أن تقدمه" وكان قد وصل الأربعين من عمره ووجد نفسه يتأمل مفكراً في أكثر نعم الوجود حلاوة. ولكن أين تكمن بالضبط حلاوة الصداقة؟ وكيف يتكون هذا الطعم الذي نجده؟

في مسعى قمت به مؤخراً لمواجهة التسليع الذي تواجهه كلمة (صديق)، ومحاولة لاستصلاح معنى الصداقة من خلال تصنيف للعلاقات الأفلاطونية، وجدت نفسي منقادة لشيء جميل إلى درجة أني نسيت أن يودورا ويلتي (13 أبريل 1909 – 23 يوليو 2001) وصديقها العزيز رونالد شارب قد كتبا حول هذا الموضوع في كتاب نورتون عن الصداقة (يوجد في مكتبة عامة)، ففي عام 1991 قاما بتحرير كنز من أعظم ما كتب في الصداقة، من رسائل الأدب، والأشعار، والقصص والمقالات وحكم أخرى.

وفي المقدمة التي كتبتها ويلتي لهذه المختارات، تناولت أحد العقد المركزية في الصداقة، وهي كيف تنسل الصداقة من وإلى ما نسميه الحب، والحب كلمة ذات حمولة ثقافية ثقيلة، وفي محاولتنا الرامية لتفكيك هذه العقدة إلى  فئات أكثر وضوحاً وبساطة نقوم برسم خط تعسفي بين الصداقة والحب، فتقول: " الصداقة والحب يعرفان بعضهما ويعتمد أحدهما على الآخر، وأكثر الصداقات رسوخاً هي التي تكون بين صديقين يحب أحدهما الآخر"

ولهذا أود أن أضيف أن أعظم الصداقات وأكثرها إثراء هي التي تكون بين صديقين يكونان دائماً واقعين في حب بعضهما بعض الشيء**، ولا نحتاج لتصنيف هذا الحب كحب شهواني أو رومانسي أو إبداعي أو فكري أو روحي أو أي نوع آخر، نحتاج فقط أن نعرف أن الصداقة العظيمة دائرة تمر في وقت ما بأحد هذه الأنواع من الحب.

وتتفحص ويلتي الجاذبية الفريدة للصداقة في حياتنا وفي فننا: "الصداقة بطبيعتها مغناطيس، وبقدرتها الخاصة على الجذب تقوم بإيجاد مجموعة واسعة التنوع من الأشعار والقصص والمقالات والرسائل وتجذب للسطح وتبسطها أمام أعيننا.

[ ...]

وبالطبع أثبتت الصداقة أنها أداة جذب للأدب، الذي هو بحد ذاته قوة جذب أبدية. وقد انجذب التاريخ والشعر والدراما لموضوع الصداقة، ليس فقط للاحتفاء به، ولكن لكي نكتشف وندرك من خلاله طبيعتنا البشرية، ولكي نتعلم من خلاله عن العلاقات التي نتشاركها فيما بيننا في هذا العالم.

وقد ورثت الصداقة خزينتها الأدبية من اللغة، وفي تلك الخزينة المزيد من قصص الصداقة الثمينة، وكلها من أعمال الخيال، بعضها قديمة قدم الزمن وبعضها الآخر تمت صياغتها بالأمس"

والنقطة الأكثر بروزاً في كلام ويلتي تتعلق على وجه التحديد بالبعد اللغوي للصداقة، فهي تقترح أنه ربما تكون الضروريات الأساسية للصداقة هي التي أشعلت فينا الحاجة التطورية للغة، وهذه فكرة شعرية رائعة ومقنعة إلى حد ما، فنحن نعلم أن الموسيقى واللغة ساعدتنا على التطور، وما هي الصداقة إن لم تكن تعلم أغنية قلب آخر وغنائها مرة أخرى رداً عليه؟

تكتب ويلتي:

"هل ظهرت الصداقة بين البشر في المقام الأول مع –أو من خلال- إلهام اللغة؟ وبوسعنا القول أننا اكتشفنا شيئاً ثميناً عندما تعلمنا كيف نستمع ونتحدث لإخواننا من بني البشر بدلاً من ضربهم أو التعرض للضرب من قبلهم، اكتشفنا شيئاً يستحق الاحتفاظ به مدى الحياة. وربما يكون ما حدث هو العكس، وربما كان الدافع الذي يحثنا نحو الصداقة قادنا لنتعلم التعبير عن أنفسنا عن طريق تعليم أنفسنا لغة للحفاظ على هذه الصداقة؟

والصداقة ربما تكون أول مُعلّم للتواصل البشري، كما قد تكون أفضل مُعلّم. يا ترى ما الذي جاء أولاً؟ الصداقة أو الكلمة المنطوقة؟ ربما نشأ كلاهما من دافع واحد: للتقارب لا للتباعد، لكي نكف عن كوننا تهديداً لبعضنا. تعيش الصداقة كما نعيش نحن أنفسنا في عالم سريع الزوال، فكم يا ترى تعتمد حياتها –الصداقة- على الكلمة المكتوبة؟ فاللغة الإنجليزية بحد ذاتها هي كنز الصداقة الأعظم، ألا ندين بالصداقة كما ندين بشكسبير للغة؟"

كتاب نورتون عن الصداقة بحد ذاته هو خزينة عظيمة، تضم جواهر مثل رسالة إيميلي ديكنسون لصديقتها المفضلة، وتأملات تأسيسية عن الصداقة لأرسطو وشيشرون ومونتين، وقصيدة جون دو المؤثرة لصديق، وخرافات أيسوب الكلاسيكية عن الصداقة، ويضاف لها ما كتبه س. إس لويس عن الهدف من الصداقة، وما كتبه إيمرسون عن ركيزتي الصداقة، وما كتبه آندرو سوليفان حول: لماذا يمكن أن تكون الصداقة منحة أكبر من الحب الرومانسي؟ وما كتبه جون أو دونهو حول فكرة (صديق الروح) القادمة من حضارة السلتيك القديمة. ويمكنكم بعدها العودة لزيارة مقالة ويلتي حول (شاعرية المكانوخطابها بالغ السحر الذي قدمتها لمجلة نيويوركر عندما تقدمت لوظيفة، كما يمكنكم سماع التسجيل النادر لها لتحفتها الآسرة للقلوب: "لماذا أعيش في ص. ب؟"