ن

طالبة ، طب الاسكندرية

مدة القراءة: 3 دقائق

كي لا ننسى ..

"سألنا :

- tunnel يعني ايه ؟

*نفق

- روحتوا شرم الشيخ قبل كده ؟ بتعدوا القناة ازاي ؟

*نفق أحمد حمدي

- طيب تعرفوا مين أحمد حمدي ؟

*صمت "

لم نتوقف هنا ، بل راح يسرد علينا قصة الشهيد في ما لا يتعدى الدقيقتين . دقيقتين فقط هما نصيب فردٍ مثله من وقت ما يقارب مائتي فرد في زمان و مكان كاملين فاضا بالبشر و غير البشر .

هل فعل ما يستحق الذكر ؟

نعم ، و لكنه لا يذكر بما يستحق .

لأننا نسيناه ، كما نسينا غيره ، كما سننسى دومًا و كما سينسانا الأخرون أيضًا .

لا أعيب عليه أنّه أفرد له فقط دقيقتين من وقته . فلو لم يفعل فما أثَمَ . بل أعيب علينا أن نسيناه ، لم نعرفه كي ننساه ..

كثيرون هم من رحلوا . تَرَكُوا بصمتهم في هذا العالم القمئ عامةً و في نفوسنا الهشة خاصة ثم رحلوا في هدوء . بصمة كتلك التى تأتي علي حياتك فتعيد ضبطها منذ الصفر أو حتي كأثر الفراشة . كلاهما أثرهما لا ينسي حقًّا . و لكن هل نذكرهم ؟

للعقل البشري سعة محدودة رغم اتساع تلافيفه ، و كجزء من آليات تعايشه يتخلص من تلك الذكريات القديمة الهش منها و القوي ، السعيدة و المؤلمة ، يتخلص مما توقفت عن استخدامه ، أو بلُِغَته ، يتخلص مما توقفت عن استرجاعه و التفكير فيه . تلك المنطقة المظلمة في عقلنا تمتلأ بألاف الأحداث التي كانت يومًا مضيئة كبدرٍ في ليلٍة حالكةِ السواد . لكن القمر يأفل ، و كذلك ذكرياتنا .

يقولون أن الذكريات هي هويتك الحقيقة ، إذا أردت أن تعرف نفسك حقًّا فإنظر إِلام تذكر من حياتك . تلك المنطقة المظلمة ما زلت تؤثر علي حياتك حتى و إن كنت تنكر ذلك .

فهل ننساها حقًّا ؟

هل تظلم تلك المنطقة تمامًا أم أنّ هناك من حين لأخر سنا يبرق يضئ ما يقع عليه ؟

كذلك الذي حدث منذ ثلاث أيام ، ذكري رحيل السيدة رضوى عاشور . نسيتها ؟ نعم فعلت .

و لكن ذكرى رحيلها أضاءت في عقلي كلماتها و جددت أثرها مرة أخرى . ذكرى رحيلها كان السنا المطلوب لتشرق شمس السيدة و تتربع علي عرشها مرة أخرى في عقلي .

كذلك الأحبة ، ذكرى رحيلهم هى ما تحافظ عليهم من الرحيل لتلك المنطقة المظلمة كما رحلوا من دنيانا .

اليوم ، أنا أكتب كي لا أنسى هذا الحدث .

كغيره مما كتبت من أجله . بل لم يختلف كثيرًا عمّا سبقه . أخاف عليه أيضًا من الفقد و النسيان ، عساني أقرأه بعد أعوام فأذكره فأوفيه جزء من حق أثره عليّ و لو بالدعاء الصادق .

اليوم اجتمع عليّ خوف النسيان مع الظلم و العجز معًا . لم يعد في الروح متسع لمزيد من الوهن لما يجرى حولها . فاضت طاقة الاحتمال بنّا جميعًا فأصبحنا نفتش عن الرحيل كمدمن يبحث عن مخدره . نبحث عن الرحيل بأي ثمن و بأي وسيلة .

إلي أين ؟ لا ندري !

كيف ؟ الله أعلم !

ماذا سنفعل حين نرحل ؟ سيدبرها الله من عنده ! .

هل ضاقت علينا الأرض بما رحبت و حان الآن أوان الهجرة لأرضٍ فيها من رمق العيش ما يُضمّد الجراَح الغائرة ؟!

أتدرين ما الوطن الآن يا صفية ؟

الوطن ما عاد سوى ثلاثة أحرفٍ التصقت ببعضها خوفًا من تلك " ال " التى تسوقها مطاردةً و محاصرةً معًا !

لم يعد الوطن موجودًا سوى في أبيات الشعر و كلمات الحماسة التى جادت بها صدور السابقين . الآن صرنا نسابق الزمن فنسبقه و لا يسبقنا نحو " يوتوبيا " كما رآها العراب .

نسابق الزمن فنتساقط علي طريق صنع من الشوك و أُحيط به ، صرعيً لا نصل لنقطة الراحة الأولي و لا يمكننا الانحراف عنه و بالفعل لا ندرك نهايته .

هل سنموت يا صفية ؟

نعم ، يومًا ما .

هل سنترك أثرًا يذكرنا الناس لأجله ؟

أظن الموتَ سيدركنا قبل ذلك .

هل ستظل في كآبتك تلك كثيرًا ؟

لم أكن يوًما كذلك و لكن طاقتي الإيجابية استشهدت في صراعها مع الواقع .

هل هتظل تكتب ؟

نعم حتى لا ننسى ! . "

ن
نورهان الصّباغ

طالبة ، طب الاسكندرية

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات