"سألنا :
- tunnel يعني ايه ؟
*نفق
- روحتوا شرم الشيخ قبل كده ؟ بتعدوا القناة ازاي ؟
*نفق أحمد حمدي
- طيب تعرفوا مين أحمد حمدي ؟
*صمت "
لم نتوقف هنا ، بل راح يسرد علينا قصة الشهيد في ما لا يتعدى الدقيقتين . دقيقتين فقط هما نصيب فردٍ مثله من وقت ما يقارب مائتي فرد في زمان و مكان كاملين فاضا بالبشر و غير البشر .
هل فعل ما يستحق الذكر ؟
نعم ، و لكنه لا يذكر بما يستحق .
لأننا نسيناه ، كما نسينا غيره ، كما سننسى دومًا و كما سينسانا الأخرون أيضًا .
لا أعيب عليه أنّه أفرد له فقط دقيقتين من وقته . فلو لم يفعل فما أثَمَ . بل أعيب علينا أن نسيناه ، لم نعرفه كي ننساه ..
كثيرون هم من رحلوا . تَرَكُوا بصمتهم في هذا العالم القمئ عامةً و في نفوسنا الهشة خاصة ثم رحلوا في هدوء . بصمة كتلك التى تأتي علي حياتك فتعيد ضبطها منذ الصفر أو حتي كأثر الفراشة . كلاهما أثرهما لا ينسي حقًّا . و لكن هل نذكرهم ؟
للعقل البشري سعة محدودة رغم اتساع تلافيفه ، و كجزء من آليات تعايشه يتخلص من تلك الذكريات القديمة الهش منها و القوي ، السعيدة و المؤلمة ، يتخلص مما توقفت عن استخدامه ، أو بلُِغَته ، يتخلص مما توقفت عن استرجاعه و التفكير فيه . تلك المنطقة المظلمة في عقلنا تمتلأ بألاف الأحداث التي كانت يومًا مضيئة كبدرٍ في ليلٍة حالكةِ السواد . لكن القمر يأفل ، و كذلك ذكرياتنا .
يقولون أن الذكريات هي هويتك الحقيقة ، إذا أردت أن تعرف نفسك حقًّا فإنظر إِلام تذكر من حياتك . تلك المنطقة المظلمة ما زلت تؤثر علي حياتك حتى و إن كنت تنكر ذلك .
فهل ننساها حقًّا ؟
هل تظلم تلك المنطقة تمامًا أم أنّ هناك من حين لأخر سنا يبرق يضئ ما يقع عليه ؟
كذلك الذي حدث منذ ثلاث أيام ، ذكري رحيل السيدة رضوى عاشور . نسيتها ؟ نعم فعلت .
و لكن ذكرى رحيلها أضاءت في عقلي كلماتها و جددت أثرها مرة أخرى . ذكرى رحيلها كان السنا المطلوب لتشرق شمس السيدة و تتربع علي عرشها مرة أخرى في عقلي .
كذلك الأحبة ، ذكرى رحيلهم هى ما تحافظ عليهم من الرحيل لتلك المنطقة المظلمة كما رحلوا من دنيانا .
اليوم ، أنا أكتب كي لا أنسى هذا الحدث .
كغيره مما كتبت من أجله . بل لم يختلف كثيرًا عمّا سبقه . أخاف عليه أيضًا من الفقد و النسيان ، عساني أقرأه بعد أعوام فأذكره فأوفيه جزء من حق أثره عليّ و لو بالدعاء الصادق .
اليوم اجتمع عليّ خوف النسيان مع الظلم و العجز معًا . لم يعد في الروح متسع لمزيد من الوهن لما يجرى حولها . فاضت طاقة الاحتمال بنّا جميعًا فأصبحنا نفتش عن الرحيل كمدمن يبحث عن مخدره . نبحث عن الرحيل بأي ثمن و بأي وسيلة .
إلي أين ؟ لا ندري !
كيف ؟ الله أعلم !
ماذا سنفعل حين نرحل ؟ سيدبرها الله من عنده ! .
هل ضاقت علينا الأرض بما رحبت و حان الآن أوان الهجرة لأرضٍ فيها من رمق العيش ما يُضمّد الجراَح الغائرة ؟!
أتدرين ما الوطن الآن يا صفية ؟
الوطن ما عاد سوى ثلاثة أحرفٍ التصقت ببعضها خوفًا من تلك " ال " التى تسوقها مطاردةً و محاصرةً معًا !
لم يعد الوطن موجودًا سوى في أبيات الشعر و كلمات الحماسة التى جادت بها صدور السابقين . الآن صرنا نسابق الزمن فنسبقه و لا يسبقنا نحو " يوتوبيا " كما رآها العراب .
نسابق الزمن فنتساقط علي طريق صنع من الشوك و أُحيط به ، صرعيً لا نصل لنقطة الراحة الأولي و لا يمكننا الانحراف عنه و بالفعل لا ندرك نهايته .
هل سنموت يا صفية ؟
نعم ، يومًا ما .
هل سنترك أثرًا يذكرنا الناس لأجله ؟
أظن الموتَ سيدركنا قبل ذلك .
هل ستظل في كآبتك تلك كثيرًا ؟
لم أكن يوًما كذلك و لكن طاقتي الإيجابية استشهدت في صراعها مع الواقع .
هل هتظل تكتب ؟
نعم حتى لا ننسى ! . "