أعظم فضيلة يُمكن أن يخرج بها المرء في حياته هي أن يتمسك برأيه! وفي الحقيقة .. وبقدر ما يبدو الأمر سهلاً إلا أن أعظم المعارك التي سنخوضها يوماً هي معاركنا مع نفسنا.. وطوال ما قرأت وبحثت وجربت لم أعرف في حياتي فضيلة جعلت العظماء عظماء بمقاييس اليوم إلا أنهم تمسكوا بما يؤمنون به، وأنهم وحدهم من قالوا "لا" حين قال الجميع نعم!
على أني على قدر ما بحثت لم أكن لأجد أعظم من محمدٍ في كتب التاريخ، تعرض عليه كنوز الأرض، خير نسائها، أنقى تيجانها، أمهر أطبائها، أرقى مناصبها، فيرفضها كلها.. لكي لا يكون ممن ينكسرون ويلينون مع التيار، لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم يقيناً، بأنه على حقٍ مبين، وأن أولئك الذين على الحق هم الذين لا ينكسرون، وهم الذين يصلون، وهم الذين إن قال الجميع "نعم"، قالوا "لا"!
وبقدر ما كان محمداً عظيماً، فقد صدق والله حين قال أنه يأتي علينا زمانُ يعير فيه المؤمنون بإيمانهم كما يعير الفجار بفجرهم، وأنه يعير الصائبون بصوابهم مثلما يُلام المخطئون على أخطائهم، ولكني لا زلت أؤمن إيماناً تاماً بأن الخلاص ليس مستحيل، وأن من ينكسر مرة سينكسر دائماً، وأن المجد كل المجد، للذين قالوا لا !
إلى كل أولئك الذين لا زالوا يقاتلون ويسبحون ضد التيار، إلى كل أولئك الذين يحاربون العالم ليتسنى لهم قول آرائهم، لكل من يقاتل لأجل حرية فكره، لكي لا يسبح مع التيار، لكي لا تُفرض عليه الأفكار، يقاتل لحرية أن يقول "لا" حين يخضع الجميع لنعم، إياكم إياكم الإنكسار، فإن أعظم الإنتصارات، هي تلك التي تقدم لأجلها التضحيات العظيمة!
" وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون " (الأنعام ١١٦).