بسم الله الرحمن الرحيم
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد واله وصحبه وإخوانه وحزبه
و بعد :
كلما حل ربيع النبوي خرج المرجفون في المدينة يبدعون ويحرمون ينفرون ولا يبشرون يشهرون الكلمة السيف "بدعة " في وجه كل من يفرح بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم . يحاربون البدعة وينصرون السنة حسب زعمهم ولا أبعد عن السنة من وجوه عابسة يقابلون بها الناس ومن ألسنة حداد أشحة على الخير ولا أقرب من البدعة والضلال من الادعاء والازدراء وسوء الأخلاق .
نقرأ لكبار علمائنا عن هذا الأمر :
أولا : تعريف البدعة لغة
قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم و الحكم ما نصه:
"والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة"
وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري بشرح البخاري :
"المحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث، وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما"
ثانيا : أقسام البدعة :
روى الإمام البيهقي بإسناده في: مناقب الشافعي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال:
" المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من العلماء، وهذه محدثة غير مذمومة"
قال الامام النووي في شرحه للحديث:
قوله صلى الله عليه وسلم : وكل بدعة ضلالة هذا عام مخصوص، والمراد غالب البدع
قال أهل اللغة: هي كل شيء عُمل على غير مثال سابق.
قال العلماء: البدعة خمسة أقسام: واجبة، ومندوبة، ومحرمة، ومكروهة، ومباحة. فمن الواجبة: نظم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك. ومن المندوبة: تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط وغير ذلك
ثالثا : نماذج البدع الحسنة :
1_تنقيط القرآن الكريم وتجزيئه :
قال الإمام الغزالي في كلامه عن تنقيط القرآن وتجزيئه :"ولا يمنع من ذلك كونه مُحدثاً، فكم من محدَث حسن. "
روى ابن أبي داود السجستاني في كتاب المصاحف عن هارون بن موسى قال:" أول من نقّط المصاحف يحيى بن يعمر"
2_ إقامة الجماعات في التراويح:
أخرج البخاري وغيره عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَانِي لَوْ جَمَعْت هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ فَقَالَ نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ) .
3_ زيادة عثمان بن عفان رضي الله عنه أذانا ثانيا يوم الجماعة:
أخرج البخاري وابن ماجه والترمذي عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أولـُه إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمررضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزّوراء. (والزوراء مكان بالمدينة) قال الإمام النووي: إنما جُعل ثالثاً لأن الإقامة أيضاً تسمى أذاناً.
4_ المولد النبوي :
قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: (أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصّالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن، وجنّب ضدّها كان بدعة حسنة، وإلا فلا، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم االمدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: "هو يومٌ أغرق الله فيه فرعون، ونجّى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى، فيستفاد منه الشكر لله على من هو في يومٍ معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي الرحمة في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من التلاوة، والإطعام وإنشاد شيئ من المدائح النبوية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال:" ما كان من ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور لا بأس بإلحاقه به، وما كان حراما أو مكروها فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى) الفتاوى الكبرى
قال الحافظ السيوطي في: حسن المقصد في عمل المولد:
فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل يثاب فاعله أو لا؟
والجواب عندي: أن أصل عمل المولد الذي هو: اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرءان، ورواية الأخبار الواردة في مبدإ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف