تدوينة عن مواجهة الموسم، بين قوارديولا وبرشلونة ل @_Ahmed90_

منذ لحظة خروجه من فريقه الذي تدرج به من الطفولة
للقيادة للتدريب، والجميع يترقب اللحظة التي ستجمع
قوارديولا أمام برشلونة في دوري أبطال أوروبا، وها
هي أتت أخيرًا.
بايرن ميونخ كان طريقًا لقوارديولا نحو ثلاثيته ولقبه
الأول بالأبطال مع برشلونة في ٢٠٠٩. ثم انقلبت الآية
في ٢٠١٣، وتأهل البافاري للنهائي عبر برشلونة. وكلا
الحالتين شهدتا بعض الظروف السيئة للخاسر. فبايرن
لعب لقاء الذهاب بدون فيليب لام ولوشيو، وبرشلونة
لعب أيضًا ذهاب خسارته بميسي المصاب، مع تعرضه
لعدد من القرارات التحكيمية القاسية بعض الشيء في
أهداف خصمه. الأكيد هو أنه من الصعب أن تتجه هذه المواجهة للحسم من خلال رباعية في لقاء الذهاب لأي طرف منهما.
الفريقان أبديا جاهزية لأي خصم في نصف النهائي،
وقد لا نشهد الحسم إلا مع الثواني الأخيرة لموقعة
الإياب.
مع بايرن ميونخ، يبدو دوري الأبطال هو اللقب الوحيد
"المرضي" للجمهور من بيب قوارديولا، وهو ما يعني
بأن مساحة الخطأ المسموح فيها صغيرة جدًا، إذ أن
الفوز بالدوري هو أمر (تلقائي) يجب أن يحدث كل سنة، بينما الكأس لا تعتبر أكثر من مجرد "إضافة". وفي برشلونة، تبدو الفرصة كبيرة للفوز بالثلاثية، وخاصة لإنريكي، الذي تعرض لتهجم ونقد كبيرين بعد النصف الأول من الموسم، قبل أن يحسن الأمور في النصف الثاني ويقود الفريق نحو انطلاقة رهيبة إلى الآن. الرباعي الذهبي، فهذان الفريقان هما الذين حسما تأهلهما بأريحية كبيرة في لقاء الإياب، وأبديا قوة لا يتسهان بها. 

فمن جهة بايرن ميونخ، استطاع قوارديولا إيجاد الطريقة المناسبة للتغلب على بورتو وقلب التأخر بـ٣-١ إلى فوز بمجموع ٧-٤، ليتأهل مرتاحًا، وهو أمر لم يكن متوقعًا.

أمام بورتو، كانت الأخطاء الفردية ذهابًا السبب الأكبر في تقدم بورتو، الذي اعتمد بذكاء على ضغط متواصل وعالي ليقلل من فرص ألونسو بالتحكم المعتاد برتم الفريق، وهي نقطة ضعف واضحة في الإسباني -اللعب ضد الضغط- كما ظهر مسبقًا مع الريال. لكن أحد أسباب عدم قدرة بايرن على تهديد مرمى بورتو هي أن الفريق لعب بشكل "ضيق" جدًا. مولر وقوتزه كأطراف لم يكونوا فعالين، لأن الغريزة دفعتهم للتحول للعمق، وهو مكانهم المعتاد.

بالإياب، عدة أفكار بسيطة غيرها بيب ساهمت في قلب المباراة بالكامل:

Image title

ألونسو تحت الضغط؟ ليست مشكلة، بواتينق وبادشتوبر يستطيعان إخراج الكرة من الخلف. استمر ألونسو كطُعْم لجاكسون مارتينيز، وبالمقابل كان بواتينق وبادشتوبر يبدآن الهجمات بشكل ممتاز.

Image title

عدم فعالية الأطراف؟ ببساطة قوارديولا وجه لام للتمركز من الجهة اليمنى، قوتزه في اليسرى، رافينها يحمي لام وبيرنات يساند قوتزه، والنتيجة أن الهدف الأول جاء من عرضية من الجهة اليسرى بعد لعبة من قوتزه إلى بيرنات الذي أهدى الصناعة لتياقو ليسجل برأسه. الهدف الثالث كان بعد سلسلة تمريرات جميلة وطويلة من الفريق المضيف، ثم كرة رائعة بالمقاس من تياقو إلى لام بالجهة اليمنى، عرضية نحو مولر ثم ليفاندوفيسكي بالمرمى.

Image title

تحول لام لليمين كان يعني بأن العمق كله لتياقو، وهو
ما حدث. تياقو فرض نفسه على منتصف الملعب بالكامل، ويثبت فعلًا بأن قوارديولا كان على حق بقوله "إما تياقو أو لا أحد" في الصيف الماضي. ومن المهم تذكر أن هذه المباراة هي الثانية له كأساسي بدوري الأبطال بعد غياب سنة كاملة، نحن أمام لاعب قادر على الهيمنة لوحده على أفضلية الوسط بالعالم.

Image title

وبوجود قوتزه على اليسار كان مولر وليفاندوفيسكي لوحدهما في منتصف الهجوم، مما يعني بأن الفريق أخذ شكلًا  مغايرًا عما اعتدناه من بيب ومن بايرن، وهو ٤-٤-٢. تبادل الإثنين للكرات، وتفاهمهما الرهيب، نتج عنه فرصة ببداية المباراة بعد تسديدة مولر ثم إكمال ليفاندوفيسكي ولكن بالقائم. ثم هدفين للبولندي من صناعة الألماني.
أما برشلونة فمع باريس شهدنا أمرًا مهمًا جدًا، كان إستكمالًا لما شهدناه أمام مانشستر سيتي بدور الـ١٦، لكن هذه المرة بشكل أوضح بكثير.
قبل موسمين كانت الخطة أمام برشلونة سهلة، أوقف ميسي وتقريبًا ستستطيع إيقاف نسبة كبيرة من خطورة برشلونة. لكن في آخر أربع مباريات بدوري الأبطال (ضد سيتي ثم ضد باريس)، سجل الفريق ٨ أهداف بدون أن يكون لميسي أي نصيب منها. هدف لراكيتيتش، أربعة لسواريز وثلاثة لنيمار، والسر في آخر إسمين.
وفي آخر أربعة مباريات للفريق، احتكر الثلاثي الهجومي تسجيل الأهداف (اثنان لميسي، ثلاثة لسواريز، وأربعة لنيمار). وهو ما يعني بأن إيقاف ميسي وحده لم يعد أمرًا كافيًا، إذ أن الثنائي البرازيلي والأورقوياني أصبحا قادرين على تهديد مرمى أي خصم أمامهما.

Image title

مباراة ذهاب باريس كان الأرجنتيني أقرب للاعب وسط منه لمهاجم. ساهم في الحفاظ على الكرة والتحكم بالرتم، أكثر من اللعب المباشر على المرمى، وكان راكيتيتش هو من يقوم بالإنطلاقات الأمامية لحظة الإستحواذ، تاركًا التسجيل لنيمار أولًا، ثم لسواريز ثانيًا وثالثًا، بدون أي مشاكل للفريق.
قبل موسمين مثلًا، أو حتى بالموسم الماضي، لم يكن هذا الأمر ليحصل أبدًا، لأن ميسي وقتها كان بالفعل هو
مصدر الخطورة الهجومية لبرشلونة بالكامل ربما.
وعودته للوسط كانت لتقلل من فرص تسجيل فريقه
بأي مباراة. الآن، مع تحسن نيمار الملحوظ والمتواصل،
ومع سواريز، الواصل كأفضل لاعب بالبريمر ليق،
لم تعد هذه مشكلة، بل أصبحت إضافة قوية، حيث
أنها تعطي الفريق مرونة كبيرة تغيير شكل وسطه
وهجومه بدون أي مشكلة.
ولنا في مباراة مانشستر سيتي أيضًا مثال آخر، حيث
كان ميسي يقوم بعمل ما يشاء لكنه لم يجد نفسه بموقف يتطلب منه التسجيل ليتأهل الفريق. إذًا، برشلونة مرتاح، وميسي مرتاح.
وهذا الثلاثي تكمن قوته في أنه أصبح يعوض هبوط مستوى الفريق ككل. فمثلًا   الثلاثي (ميسي - فيا - بيدرو) قدموا موسمًا متميزًا في ٢٠١٠-٢٠١١، لكنهم كانوا تابعين لمنظومة الفريق ككل. الآن، الثلاثي الحالي هو من يلعب بقوته بعيدًا عن شكل الفريق ونظام اللعب المتبع. وأصبح الهجوم هو من يخدم الوسط، لا العكس.



Image title

في إياب باريس أيضًا شاهدنا أمرًا آخر تميز به الفريق بشكل مبهر، وهو الضغط العالي. الهدف منها كان -بالطبع- قتل هجمات باريس في بدايتها ومحاولة قلبها قدر الإمكان لمرتدات في أماكن خطرة. هذا ليس بالجديد، الجديد هو الرغبة والإصرار في إنجاح هذا الأسلوب. فمثلًا، كل الأخطاء التي ارتكبها لاعبو برشلونة كانت بملعب خصمهم. وهو ما يدل على أنهم فعلًا   كانوا مصممين على تطبيق هذا الأسلوب بأي كلفة كانت. 

توقع المباراة وما ستؤول إليه أمر صعب. فما بين فريق أصبح يعتمد بشكل كبير على قوة هجومه، وفريق يعاني من إصابات مقلقة لأي مدرب رغم قوة الأسماء التي يمتلكها، يصعب التنبؤ بالمتأهل.

الأمر الأهم لقوارديولا بالتأكيد هو عودة روبين في الوقت المناسب. روبين -الذي كان يتوقع عدم إنسجامه مع بيب قوارديولا- أصبح اللاعب الأهم بالفريق، ليس لأنه عنصر أساسي بالوسط مثلًا، لا، ولكن لأنه اللاعب الأبرز القادر على تحويل الإستحواذ المتواصل لتهديد حقيقي.

ولأن وسط بايرن ميونخ لم ولن يصل لقوة برشلونة بيب، فإن أهمية روبين تصبح أكثر بكثير لبيب من غيره من اللاعبين.
وبوجود روبين فالفائدة لن تنحصر فقط على الإختراق
المباشر من الهولندي، ولكن توفير فرصة زعزعة الدفاعات من خلال تحرك مولر وليفاندوفيسكي سيبدو تهديدًا كبيرًا لبرشلونة، لكن كل شيء يقف على جاهزية روبين.

وإن كانت التغييرات التي أحدثها بيب بأسلوب اللعب نجحت أمام بورتو، فإن الأمر مختلف تمامًا مع برشلونة. حيث أن برشلونة -رغم عدم قربه من قوة برشلونة بيب- أصبح أكثر جاهزية للفرق المتميزة بالكرات الثابتة، أكثر أمانًا في مسألة التعامل
مع المرتدات، وأكثر قابلية للتخلي عن الكرة.

وأحد أهم النقاط التي ستحكم هذه المواجهة هي مدى تمسك المدربين بمسألة الإستحواذ. إنريكي أظهر مرونة كبيرة في هذه الناحية، حيث لم نعد نشاهد برشلونة الباحث عن الكرة كما كان مع بيب، بينما العكس مع بايرن ميونخ.
وبضغط متميز، ومرتدات سريعة بقيادة ثلاثي خطير، يجب على قوارديولا أن يفكر أكثر من مرة بإيجاد طريقة أكثر أمانًا لدفاعه، خاصة وأن دانتي سوف يكون الخيار البديل الأول في حال إصابة بن عطيه.

وطبعًا برشلونة ليس بمأمن من هذه الناحية، وهو الفريق الذي يبدو حاليًا أقل قدرة من بايرن على فرض استحواذه بالكامل على المباراة. بل ويبدو معرضًا لضغط الخصم حين امتلاكه الكرة، كما حصل أمام فالنسيا، أو إشبيلية بالشوط الثاني، أو الريال بالشوط الأول.
وإذا ما أدخلنا فرضية مرونة إنريكي مع اهتزاز فريقه
تحت ضغط الخصم، ودمجناها مع قوة بايرن الحالية
في التحكم بالكرة، خاصة بوجود تياقو ألكانتارا،
وفعالية برشلونة بالمرتدات، تبدو معركة الإستحواذ
-مبدئيًا- لمصلحة بايرن ميونخ.
برشلونة حتى الآن يقدم أدوارًا إقصائية من أفضل ما يمكن. فوز بـ٤ مباريات، قبول هدفين فقط، وإستغلال أي نقطة قوة تفضله على خصمه -كغيابات باريس مثلًا- تجعل من أي خطأ يرتكبه لاعبو بايرن ميونخ صعب التعويض.

بالنهاية، هي مواجهة الموسم بحق، لأنها تحمل العديد
من العواطف، بين شخص جرب كل شيء تقريبًا مع
فريق سيحاول أن يقصيه من البطولة الأكبر. وبين لاعبين يحملون الكثير من الإمتنان لمدرب ساهم في جعلهم جزءًا من أفضل فريق لعب الكرة. وهي معركة فنية مذهلة حيث سنشاهد فيها عددًا من كبار اللعبة، كأي مباراة كبيرة أخرى، لكن ما يميزها أيضًا هي أنها قد تكون فعلًا   تمثيلًا   لمسألة نقل فكر الإستحواذ من برشلونة إلى بايرن ميونخ، و وقتها ماذا ستكون ردة الفعل إن نجح الفكر وفشل المطبق السابق؟ هل هو إنتصار للإستحواذ بمعنى الكلمة؟ وماذا إن خسر بيب أمام إنريكي بفضل المرتدات؟ هي مواجهة الموسم لأنها ستتسبب بردود أفعال ليست بالبسيطة، وعلى مستويات عدة.
المفارقة هي أن قوارديولا سيسعى لإثبات رجاحة فكره
وأسلوبه -الذي لا يحتاج لإثبات- أمام الفريق الذي جعله
بنفسه الأفضل، لكنه حاليًا يلعب كرة مختلفة. وبعد صنعه لهكذا فريق، لك أن تتخيل ردة فعله عندما يخرج منه بالأسلوب المعاكس لما يؤمن به.