لم امتدح شخصية سياسية قط ؛ نعم قد اصف البعض بالأصالة او الصدق او الشجاعة , او اذكر انجازاته ... الخ ؛ من باب لا تبخسوا الناس اشياءهم وقول الصدق ونقل الواقع بلا رتوش ؛ فكلنا كالقمر له جانب مضيء واخر مظلم ؛ وصدق ميشيل ايكيم دي مونتاني , في ذلك , والعصمة لأهلها كما قيل قديما .
وخلال الايام القليلة المنصرمة كتبت عدة مقالات حول التحركات الامريكية العسكرية والسياسية الاخيرة وما قاله المحللون حولها , وقد ابديت وجهة نظري حول بعض الامور الوطنية والقضايا المصيرية ؛ فلامني احد الاصدقاء وانتقدني , قائلا : (( لقد اثارني مقال ( طبول الحرب ) لصديقي الكاتب رياض سعد , والحماس المبالغ فيه , والخوف المفرط على التهديد الوجودي لكيان الاغلبية الغارقة بالجوع والخوف والمرض ... )) .
يا صديقي لست خطيبا ماضويا كي اغرق في بحر الاراجيز والحماسيات و ( الهوسات ) وان كنت اعلم اهميتها في بلادي وبلدان العالم الثالث , فالبعض لا ينهض الا بالصراخ ولا يعرف مقدار الخطر المحدق به الا من خلال عويل النساء وبكاء الاطفال .
اما بخصوص الخوف على ابناء جلدتي و بني قومي واهل بلادي الاصلاء ؛ فنعم اني عليهم من المشفقين ؛ لأني اعلم علم اليقين بأن من اصبح وامسى وهو لا يهتم لأمور العراقيين الاصلاء فهو قطعا ليس منهم ؛ وقد وصف القران الكريم المؤمنين بكونهم : (( ... رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ... )) والرحماء يرحمهم الله ؛ ومن اولى بالرحمة والمودة والمحبة اكثر من ابناء وطني الاصلاء ؛ والخوف فرع المحبة ؛ فلولا حبك لابنك او اخيك لما خفت عليه ... .
ولماذا لا اخاف على قومي وسكان العراق القدامى , وانا اعلم ما جرى عليهم سابقا ؛ فمن قتل النفوس واهلاك الحرث والنسل والبطالة وتفشي الجهل والتخلف والامية , الى الحروب والغزوات والازمات والانتكاسات والاحتلالات والمقابر الجماعية والتطهير الطائفي والتهجيرات واحداث التغييرات الديموغرافية والتنازل عن الاراضي والمياه العراقية ... الخ ؛ عاش العراقيون الاصلاء ...؟!
ولماذا لا اخاف على اهلي وانا اعلم ان (المتغطي بالأمريكان عريان ) هذه مقولة تنسب للرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي كان ضحية للسلوك الأمريكي الانتهازي، عندما خرج أحد موظفي البيت الأبيض ليبلغ العالم بنهاية صلاحية نظام مبارك، ويقدم الأمريكيون دليلاً جديداً على صحة هذه العبارة ، بعد مباشرة انسحابهم من أفغانستان واسقاط نظام الحكم فيها ، ليتركوا البلد هدفاً سهلاً أمام حركة طالبان ... ؛ او توريطهم لأوكرانيا في الحرب مع روسيا ... الخ .
لماذا لا اخاف على وطني وان اعرف ان الامريكان يستبدلون السيء بالاسوء , والوسخ بالأوسخ , والفاسد بالأفسد , والشريف بالوضيع , والوطني المقاوم بالعميل الرخيص ... .
لماذا لا اخاف ؛ والامريكان والانكليز لا زالوا يحتضنون بقايا النظام الارهابي الاجرامي الذي قتل اكثر من مليونين عراقي اصيل , ولعل مجزرة سبايكر دليل واضح على استمرارية هذا النهج الاجرامي المنكوس ضد العراقيين الاصلاء ؛ فالذي يذبح الالاف خلال سويعات من النهار ؛ يستطيع ابادة الملايين خلال ايام فقط .
وقد غرر بآبائنا واجدادنا بمثل هذه التطمينات – يا صديقي - ولم يتعظوا من تجربة حزب البعث الاجرامي معهم عام 1963 حتى عاد اليهم عام 1968 ومعه كل عوامل الخراب والدمار ؛ عاد وهو اشد اجراما وظلما وقهرا وبطشا .
الا انني اخاف عليهم خوف الشجعان لا الجبناء , خوف العقلاء لا الحمقى والبلهاء , اشعر بالخوف الطبيعي والذي يدفعني لقول ما قلته والذي اسميته انت بالحماس المبالغ فيه , بل والاستعداد للقادم واخذ الحذر والحيطة , وتعبئة الاحرار والغيارى من ابناء الاغلبية والامة العراقية وتوعية الجماهير والاوساط الشعبية بما يحدث ويحاك ضدهم .
الا انني يا صديقي لا أوافقك الرأي تماماً بخصوص ان الاغلبية العراقية غارقة بالجوع والخوف , يا صديقي ابحث في منطقة سكنك جيدا واتحداك ان تجد عراقيا اصيلا قد نام بلا عشاء , وكذلك انا اعرف محلتي , لم يعرف العراق طوال تاريخه المعاصر تخمة في الاكل وتبذير في الطعام كهذه الفترة التي نعيشها , لاسيما وان اسعار المواد الغذائية والخضراوات ليست بذاك الغلاء الفاحش كما هو الحال في بعض الدول , بالإضافة الى وجود الحصة التموينية , ناهيك عن الرواتب المجزية قياسا بأسعار الطعام ؛ فمثلا اذا كان تقاعد العراقي ( 400 الف دينار ) فانه يستطيع شراء ( 1200 كيلوم طمامة ) اذا كان سعر الكيلو بربع كما هو في الشورجة احيانا و ( 600 كيلو طمامة ) اذا كان سعر الكيلو ب (500) , واظنك تذكر صديقي العزيز جيدا سعر طبقة البيض في عهد النظام البائد ( 5000 الاف ) بينما كان راتب المعلم ( 3000 الاف شهريا ) يعني يكدح المعلم طوال السنة كي يشتري براتبه السنوي – وليس الشهري تأمل – 7 طبقات بيض فقط ...!! .
اما بخصوص الخوف عزيزي الغالي ؛ عن اي خوف تتكلم , وممن نخاف ؟!
الاغلبية العراقية في محافظات الوسط والجنوب لا تخاف الا من الواحد القهار , حتى ان عشيرتك عزيزي ( تخاف منها الكاع ) , فأهل الجنوب والوسط لا يخافون الاحزاب وهم يشتمون الساسة والاحزاب بسبب ومن دون سبب ليلا ونهارا وسرا وجهارا , علما ان البعض منهم منتمون للأحزاب وهم يصولون ويجولون من دون خوف ولا قلق , واغلبهم من موظفي الدولة والاجهزة العسكرية والامنية ... , فعن اي خوف تتكلم عزيزي ؟؟
ذهب زمان الخوف , و ولى عهد الرعب و ( ولية المخانيث والجبناء والاوغاد ) والاعدامات الجماعية والتعذيب بأحدث وسائل وادوات العذاب الامريكية والاجنبية ... ؛ وللحديث بقية .