جلست أغني .. كما علمني .. كان يسمع ويخفي شجنه بداخله ، وأنا شجني كله يبدو في صوتي

 يا طير يا طاير .. دربك ع باب الله

هات البشاير وامشي في ارض الله !! 

كان يحاول أن يطير .. هنيهة ثم يعود .. 

بضعف يطالعني وأنا اشير له .. أنِ انطلق .. اذهب ، فينطلق بعيدا .. بعيدا .. ويرتفع .. 

حتى يعيده صوتي المجروح. 

في البداية كان بعيدا؛ طيرٌ في السماء ، بديع الجمال، رقيق المنظر ، يسمو ويسبح في صفحة سمائي .. ويغرد .. 

صوته العذب يشد روحي إلى الأفق ، ويرنو بمهجتي إلى علياءه ، لكنه بعيد .. بعييد .. جلال صوته يتسلل إلى أعماقي .. ورونق سمته يملأ انحائي، أنظرُ إليه برفق .. بحنو .. برغبة وتطلع .. لكنه هناك .. في الأفق .. صعب المنال .. لم يصل إليه في قمته أحد ..

خلقت طليقا كطير جموح 

يحلق حرا بكل اتجاه

وعرفا يفوح بشتى البقاع 

أريجا يجول بأمر الاله 

وشمس تألق في كل صبح 

وتزهو بلون السما في ضحاه 

وانت كدوح غني بظل 

بشاطئ نهر يثير الحياه 

رفعت إليه كفي بالحب، توقف .. نظر واقترب .. حط حولي في حذر .. اقترب من يدي .. لم يكن فيها غير شعوري بالود .. ولم يقرأ فيها سوى خفقات قلبي .. ظن أن هذا يكفيه .. مددتها إليه .. طار .. حام حولي ..  ونزل على كتفي، احتضنته برفق، ضممته إلى ضلوعي ، شعر بالدفء .. وغرّد 

كان أعذب ما سمعت ، وأروع ما غرد ، طفقت أضمه .. أعطيه دفئا وأغذيه بين راحتي، وظل يغني لي .. ويطربني

من أرضي ..  كنت أحلق عاليا ، وكان يغوص في أعماقي ..نسي مكانه في السماء ، ونسيت أني لا أعرف كيف أطير!

بنى عشه بين ضلوعي ، نسجه من شراييني وافترش حجرات فؤادي ، من نبضي أشعلت له شموعا .. غنينا سويا  .. 

 لاجلك لابيع الروح .. 

خدني في حنانك .. 

لا تبتعد وتروح .. 

ومنين بدالك 

ينصت لصوتي المنطلق .. يتمايل .. يرقص .. يتوق للانطلاق .. ويشتاق للسمو ..عشه الصغير بجوفي دافئ مريح .. يطمأنه .. ويطمأنني ..

لكنه لا يستطيع العيش دون نسيم الآفاق  .. وصبا السحب العالية .. عشي يخنقه .. يقيده .. يحاول الطيران .. 

على باب العش.. يشعر بالغربة ويخشى الفقد .. فيبكي .. ويغني بحزن .. ويذوي 

 أحاول الطيران معه ، لم أتعلم الطيران .. كنت منشغلا بتعلم الغناء .. وتدفئة العش .. وتغذية براعم الحب .. لم أستطع الطيران .. كنت أبكي .. وأذبل ! 

عيناه تستعطفاني ..  تطلب من أن أخرجه منى .. بيديّ .. ليعيش .. لينتعش .. ليغرد .. وينطلق .. لست أعلم كيف ؟!

ما تطلبه عيناه هو أن انتزع قلبي .. عشه الصغير ، أن احاول العيش بجوف فارغ .. بلا قلب أو نبض !! لا استطيع ! 

وقفت أمامك مسلوب لب 

وعيني وقلبي تموج انشداه 

وعقلي يسائل أنى اتيت 

وينبض قلبي أنى تراه

أغني شجيا بألحان شعري 

وروحي تحلق دون انتباه 

أشاح في ألم .. واكتفى بالصمت .. لم يعد يغرد .. رحت أترنم .. وتسمعني الأرجاء  ..وأبكي .. وتبكي الموجودات من حولي !! 

 "سمع بكايا الحجر .. نهنه وقال مالك 

فتفتّ قلبى وانا ببكي على حالك 

في حاجة غالية يا شاب ضايعالك" 

يسمع غنائي .. يطرب .. يحرك جناحيه .. يرتفع .. يحاول الابتعاد .. يحلق .. ينتشي .. 

أبتسِم .. واشعر بالبرودة بداخلي .. يغرد .. أسمعه .. أغني معه .. 

يرجعه صوتي الحزين !

 يعود ..ليطمأن .. يأخذه الحنين .. دفئ العش .. وليالي الأنس والطمأنينة.. ورائحة الذكرى .. 

يتنفس بعمق ..

وانا كأن عادت فيّ الروح ، ونبض قلبي علا صوته من جديد ..غنينا سويا .. ورقصنا معا .. أضمه 

 لمعة الدمع في عينيه تأسرني .. صوته يختنق .. 

يتنفس بعمق .. 

 يجاهد كي يتنفس ..نفَسه ينقطع .. العش صغير .. وشموعي البالية تستهلك جوّه .. ما بقي من الهواء لا يكفي أنفاسه .. نتذكر .. لا بد أن يعيش في الأعالي أو لا يعيش ! 💔

يا طيري الطغير هيا  .. انطلق .. وعِش .. سأهدم العش وأطفي الشموع .. وانسى ضمة الحضن .. مكانك ليس هنا .. 

فكيف لقيد بروحك يذوي 

ونورك يخبو و تفغر فاه 

وحتام ترسف في غلة 

وتنزع روحك بعد الحياه 

فقم وانطلق في رحاب السماء 

كفانا انتحابا .. أنينا .. وآه 

هيا انطلق .. عِش .. وتنفس .. بين الطيور .. أنا مجرد إنسان .. بجوف خال ..لكنه ضيق .. 

لن أستطيع الطيران .. لا تعد بعد الآن .. أبدا .. ستنتهي .. وسأنتهي .. 

يومئ في خفوت .. ويتدفق بهدوء .. يعلو في شموخ .. ويبتعد .. 

أناديه بهمس .. يا طير .. لم يلتفت .. 

أناجيه بصمت .. يا طير تذكرني .. 

اسأل عني الطيور .. وأعالي الشجر .. وقطرات السحب .. ونسمات الهواء .. وقمم الجبال ..

أنزوي .. و يعلو صوت المذياع

"روح اسالهن عاللي وليفه مش معه 

مجروح .. بجروح الهوى .. شو بينفعه 

موجوع .. ما بيقول عاللي بيوجعه 

وتعن ع باله ليالي الولدنى"