ناجي السويدي و دوره في صياغة القوانين والدستور
تكلمنا عن دور ناجي السويدي في اعداد القوانين والدستور العراقي في المقالة الثانية من القسم الثامن , ولا بأس في التوسعة والاسهاب في هذا الموضوع الان .
بعد تتويج فيصل ملكا على العراق ؛ تقدمت وزارة المستعمرات البريطانية بمقترحات لصياغة وانشاء دستور عراقي ... ؛ وقد ساعد في اعدادها السر بونهام كارتر المستشار القانوني للإدارة البريطانية في بغداد والذي كان قاضيا بارزا في حكومة السودان قبل ذلك ... ؛ الا ان الملك فيصل والساسة العراقيين أصروا على ان يقوم أو يشارك قانونيون وسياسيون من العراق في وضع الدستور ... ؛ وتم الاتفاق على تأليف لجنة من العراقيين والبريطانيين تقوم بوضع الصيغة النهائية للدستور ... ؛ وضمت اللجنة من العراقيين كلا من : ناجي السويدي , ورؤوف الجادرجي , وساسون حسقيل , ويوسف غنيمية , الى جانب السر بونهام كارتر ومندوب بريطاني آخر ... ؛ ويلاحظ ان الاثنين الاوليين من العراقيين كانا من خريجي كلية الحقوق في اسطنبول ، وان ساسون حسقيل كان قد درس العلوم السياسية في فيينا ، ويوسف غنيمية من أبناء الطائفة المسيحية ... ؛ وبعد مناقشات عديدة تمت المصادقة على الدستور في 20 آذار 1925... .
وهناك من ادعى ان هذا الدستور قد كتب بأقلام بريطانية حصرا ولم يكن للعراقيين اي دور حقيقي يذكر سوى الحضور الشكلي ... ؛ وذهب البعض وقتذاك بأن الدستور العراقي مجرد استنساخ وتكرار لما جاء في الدستور البريطاني المزعوم ... ؛ وقد رد هذا الزعم ؛ لان بريطانيا لا تتوفر على أية وثيقة دستورية أصلا ... ؛ الا ان المؤرخ الدستوري نيثن براون قال في هذا الصدد ما يلي : (( أن الدستور العراقي الاول ولد من مزيج التقاليد البريطانية ، والدستور العثماني والدستور المصري )) ؛ أما المؤرخ السياسي العراقي مجيد خدوري ؛ فيذهب الى أن الدستور اعتمد أيضا مصادر دستورية أخرى مثل الدستور الاسترالي ودستور نيوزيلندا لمعالجة مشكلات عراقية خاصة (1) ... ؛ وادعى البعض ان ناجي السويدي له الفضل في اقرار العديد بل اكثر القوانين العراقية والمعمولة بها حتى اليوم بل ادعوا ان هذا الدستور جاء نتيجة لأفكاره ..!! . (2) .
وكان للنخبة القانونية دور حاسم ومؤثر في اختيار ملك العراق ؛ وفيصل عرف ذلك منذ البدء ؛ وعمل على مد الجسور معهم ؛ وعلى اثر هذا التعاون فشل الامير العراقي خزعل وكذلك الاجنبي الهجين طالب النقيب في اعتلاء عرش العراق بسبب دعم هؤلاء لفيصل .
وعندما وطئت اقدام فيصل ارض العراق قدم المحامون عن طريق ناجي السويدي دعوة للملك لحضور الحفل الكبير الذي سوف يقيمه المحامون لمناسبة وصول فيصل الا ان الملك رفض الطلب واعتذر عن تلبية الدعوة وقال ان هذا الامر يعتبر نوع من الدعاية المبكرة والتبشير ؛ وانا اريد ان اعطي للامة حريتها في الاختيار – كما ادعى - ... . (3)
وعندما اسس ناجي السويدي نقابة المحامين 1933 خاطب الجمهور القانوني: (نحن في بداية الطريق وان كنا اهل سبق حضاري.. وعلينا ان ننتزع حقوقنا من ايدي الانكليزي شيئا فشيا...) وهتف احد محامي النقابة الجديدة: (بدعم القانون وبدولة حق القانون سندعم استقلالنا) وعلق السويدي على الهتاف: (نعم نعم.. القانون هو قمة الحرية) .
وادعى البعض انه يمتلك خبرة ومعرفة قانونية واسعة ؛ لاسيما في تشريع الدساتير ؛ بل ادعوا بانه صاحب اليد الطولى في بناء قواعد اكثر الدساتير العربية ؛ بمعاونة السنهوري فقيه القانون المصري ...!! .
و الذي يدعونا الى مراجعة هذه الإطراءات بحقه فيما يخص مهنيته وخبرته القانونية ؛ انه لم يضع او يطرح مؤلفا واحدا في القانون او الدستور ، ولم يترك دراسة قانونية لتلاميذ كلية الحقوق ... ؛ ولا ادري : أذلك ناتج عن فقر في المعلومة ام انه كان عي اللسان او ضعيف البيان ؟
وقد ادعى البعض ان هذا الامر يدل على التواضع ...!! ؛ اذ قالوا : ان التواضع هو الذي ابعده عن التأليف و التحقيق ..!! ؛ وهذا التخريج مما تضحك له الثكلى ؛ فما علاقة التواضع بالتأليف ومد الطلبة والمجتمع بالمعلومات والمعارف القانونية النافعة ...؟!
وقالوا ايضا في تبرير ذلك : (( انما هو انه كان يخشى ان يقع الخطأ هنا وهنا في تأليفه، ويكتشف الخطأ من قبل خصومه فيندم عليه وهو الذي خاف الزلل في طفولته الدينية، واعاب على الآخرين ان يقعوا في زلة لسان وهفوة عقل واهتزاز رؤية... )) وهذا التبرير يكذب الفرضية السابقة ؛ فمن باب يدعي هؤلاء انه نابغة في القانون واستاذ لا يشق له غبار ؛ وخبير قانوني قل نظيره ؛ ومن باب اخر يدعون انه يخاف الخطأ والزلل ..؟! . (4)
بينما يعتبر عبد الرزاق السنهوري – الذي ادعى البعض انه كان زميلا للسويدي بل تعاونا معا في وضع الدساتير العربية – من أحد أعلام الفقه والقانون في مصر و الوطن العربي ؛ فقد خلف وراءه ثروة قانونية كبيرة ؛ اذ مد المكتبة العربية بالمؤلفات القانونية الكثيرة والمتنوعة ... ؛ وقد كان عضواً في مجمع اللغة العربية منذ 1946م وأسهم في وضع كثير من المصطلحات القانونية إلى أن توفي في 21 يوليو 1971م...؛ حتى قيل : أنه لا يوجد حصر كامل ونهائي إلى الآن لأعماله الكاملة ... ؛ وذلك لكثرتها وتنوعها ... ؛ سارت مقولاته مسرى الامثال والحكم ؛ وقد كتب العديد من الكتاب حول شخصيته وتناولوا مؤلفاته بالدراسة والنقد والشرح ... ؛ ولو اجرينا مقارنة بين السويدي والسنهوري ؛ لخرج صاحبنا السويدي صفر اليدين من هذه المقارنة , حتى اقواله وعلى قلتها بسيطة وساذجة ولا يوجد فيها ما يثير الانتباه .
وقد منح العضوية في الاكاديمية الدبلوماسية العالمية في باريس , و قيل : في عضويات آخر قانونية وسياسية في بلدان اوربية 1930 - 1935... ؛ وكان الالتحاق بهذه المؤسسات خفيف المؤونة ؛ لأسباب كثيرة ومنها : انها قائمة على المجاملات بين الدول الغربية ودول العالم الثالث المتخلفة , ولان هؤلاء من المسؤولين الحكوميين في تلك الحكومات وما يترتب على ذلك من فوائد سياسية وغيرها , واغلب هذه العضويات تتم عبر صفقات مشبوهة ؛ تماما كما حدث في عهد صدام من اعطاء شهادات الدكتوراه لجهلة ومتخلفي تكريت والعوجة كالمجرم عدي صدام ومن لف لفه ؛ او كما هو الحال الان بالنسبة للبعض من الذين حصلوا على الشهادات الجامعية من خلال صفقات فساد ... ؛ وحالتنا هذه ينطبق عليها المثل الشعبي العراقي : (( المطي نفس المطي بس الجلال مبدل ))
.......................................................................................
- 1-مأزق الدستور- نقد وتحليل 1-2/ جمال كريم / بتصرف .
- 2-ناجي السويدي رجل دولة.. وفقيه الدستور / عبد القادر البراك / عن كتاب (اعلام من الشرق) / بتصرف .
- 3-النخبة القانونية العراقية ودورها في بناء الدولة العراقية للفترة من 1920 الى 1925 / الباحث القانوني قيس شهاب حمد الجعفري .
- 4-ناجي السويدي فقيه الدستور العراقي / حميد المطبعي / بتصرف .
- المصادر الاخرى :
- 1 – عبد الرزاق الحسني، تاريخ الأحزاب السياسية العراقية، ط1، بيروت، 1980.
- 2 – فاروق صالح العمر، الأحزاب السياسية في العراق، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1978.
- 3 – أحلام حسين جميل، الأفكار السياسية للأحزاب العراقية في عهد الانتداب 1922 – 1932، بغداد، 1985.